رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تفاءل.. فأنت الأمة ولو كنت وحدك

الأمل، كلمة بسيطة ولكن بدونها يفقد المرء الرغبة في الحياة. لولا الأمل ما اتجه الناس لأعمالهم، سعيا وراء الرزق وحياة أفضل. ولولا الأمل، لوقع الإنسان فريسة تتخطفه الأمراض والأعداء. من العجيب أن الأمل ليس صناعة بشرية فحسب، بل في كافة مخلوقات الله، فهو الدافع وراء هجرة الطيور في أقاصي الأرض، من أجل أن تضع بيضاتها في بيئة سليمة، تضمن لها مسيرة الحياة.

الأمل يدفع حيواناً غريباً مثل حيوان الإسفنج أن يعيش في أسوأ الظروف. فالإسفنج الذي نراه على مسافة قريبة من شواطئ الأسكندرية، تمزقه السفن السيارة، والغواصات والمعدات العسكرية، لديه قدرة على استعادة الحياة بداخله بسرعة فائقة. أخذ علماء كتلة من الإسفنج وقطعوها إربا، حتى صارت مكعبات أقل من سنتيمتر، ونثروها في البحر، وبعد أيام بدأت تلك القطع تستعيد حيوتها، وتتمسك بالأحجار المتناثرة في أعماق البحر، وتشكل هيكلا رخوا، ينبض بالحياة من جديد.
مع توالي المصائب على البشر يعتقدون أن الكوارث التي يمرون بها نهاية الدنيا، لذا يفقد البعض توازنه، فإما يعتزل الناس أو ينقلب عليهم، بينما إذا فكر في الأمر، سيعلم أن ما يمر به من تجارب هي نقطة تحول في الحياة، عندها ستبدأ مرحلة جديدة، قد تصبح أفضل مما كان فيه، أو طاقة الأمل التي كان ينتظرها عبر السنين. يعجبني ما يردده إمام شهير مطالبا الناس بأن ينجوا بدينهم وأنفسهم من ضغوط الناس والسلطة، ويطالبهم بأن يثبتوا على رأيهم والحق الذي يرونه: «كن أنت الأمة ولو كنت وحدك». وكتبت قبل أحداث 30 يونية «استمتعوا بالثورة فالأفضل قادم»، منوها إلى دراسة أجراها مركز بحثي، أكدت أن أغلب العرب لديهم ثقة في مستقبل الديمقراطية. وجاءت الثقة لأنهم ينتظرون بناء مؤسسات سياسية جديدة، تقر العدل وتحقق تكافؤ الفرص بين الناس، ولا تصنع سياساتها على أساس ديني، لأن الناس رغم أنها في أغلبها متدين، إلا أنهم يتخذون قرارهم اليومي وفقا لمفاهيم المصلحة والرغبة في الحد من الفساد والظلم الاجتماعي. بعد مرور الأحداث وجدنا حالة انشقاق خطيرة في المجتمع، وتصنيف للناس ليس على أسس دينية أو سياسية فحسب، بل هناك من يقول إن هذا مصري وآخر غير ذلك. كثرت الأباطيل واتهامات للخصوم بالخيانة والعمالة، ورفعنا راية الثأر التي تزرع اليأس في الحياة وتنزع الأمل في المستقبل.
تغذي «فضائيات» حالة العنف بقوة، أملا في جذب المشاهدين، ودفع الناس إلى أهواء خاصة، ومنها من يعلم المصريين قواميس شتائم، يعاقب عليها قانون العقوبات. وسط هذه الأجواء علينا أن نوجه بصرنا إلى ما يقوله عقلاء داخل الوطن وخارجه. وطالما كانت لقمة العيش هي المغذي الرئيسي لأية أحداث ساخنة في المجتمع، لا أجد ما أستشهد به أفضل مما نشرته مجلة الأيكونومست البريطانية الرصينة المهتمة بالشأن الاقتصادي. ترى المجلة، أن من يصم الربيع العربي بالفشل يتجاهل ما سبقه من شتاء طويل ترك آثاره على حياة الشعوب العربية. ودعت، في تعليق على موقعها الإلكتروني الخميس الماضي، إلى عدم فقدان الأمل في إرساء الديمقراطية بالعالم العربي رغم الفوضى والانتكاسات على الطريق.
ذكرت «المجلة»: رغم انقضاء عامين ونصف من هبوب عواصف الربيع العربي على منطقة الشرق الأوسط، لم تنعم دولة واحدة بالاستقرار أو الأمان الديمقراطي أو تهتدي إلى سبيله، مشيرة إلى استمرار الصراع في كل من تونس وليبيا واليمن على عكس التوقعات، وإلى أيلولة تجربة الديمقراطية بمصر إلى الزج بأول رئيس منتخب وراء القضبان، وإلى سوريا التي تغرق في بحر متلاطم من دماء الحرب الأهلية.
وأشارت المجلة إلى أنه ليس من العجب إذن أن يذهب البعض في ظل هذه المعطيات إلى الاعتقاد بأن الربيع العربي محكوم عليه بالفشل، وأن الشرق الأوسط لم يكن مستعدا بعد للتغيير لسببين، أولهما افتقاره إلى مؤسسات ديمقراطية، ومن ثم فإن قوة الشعب مصيرها إما التحول إلى فوضى أو استدعاء الديكتاتوريات الساقطة. أما السبب الثاني بحسب هؤلاء فهو أن القوة المنظمة الوحيدة بمنطقة الشرق الأوسط هي قوى إسلامية لا تستطيع استيعاب الديمقراطية، ومن هنا فإنهم يرون أن المنطقة كانت أفضل حالا دونما ربيع عربي على الإطلاق. واعتبرت «الإيكونوميست» هذا

الرأي سابقًا لأوانه إن لم يكن خطأ، قائلة: «إن عمليات الانتقال الديمقراطية عادة ما تتسم بالعنف وطول الفترة». ولفتت إلى أنه رغم تبعات الربيع العربي المريعة ابتداءً بليبيا وانتهاء بسوريا، إلا أن معظم العرب لا يريدون العودة إلى الوراء.
وقالت المجلة إن من يصف الربيع العربي بالفشل، إنما يتجاهل ما سبقه من شتاء طويل ترك آثاره على حياة الشعوب، عائدة بالأذهان إلى عام 1960 عندما كانت مصر وكوريا الجنوبية على نفس المستوى فيما يتعلق بمتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وكذلك متوسط عمر الفرد. ورأت أن حكام العرب عادة ما يرفضون مواجهة تحديات الإصلاح الكبرى لأنهم يحاولون تفادي إثارة الحشود الشعبية ضدهم، حتى الممالك العربية الغنية بالنفط تحاول دائمًا شراء السلام. ومع تزايد أعداد الشباب المتعلم الذي يعرف أن له حقوقًا منتزعة وتنسمه نسائم الحرية، بات تطبيق الحلول القديمة مستحيلا إلا في بلد كسوريا يستعد حاكمها لإراقة بحور من الدماء نظير البقاء في سدة الحكم. أما بعض الممالك العربية مثل المغرب والأردن والكويت فإن أنظمتها بدأت تتلمس الطريق صوب تطبيق النظم الدستورية بما يتيح للرعايا مساحة أكبر من التعبير والمشاركة في صنع مستقبلهم.
وقالت «الإيكونوميست» إن البعض قد يذهب إلى القول بأن تجربة تطبيق الديمقراطية في العالم العربي جاءت إلى السلطة بالإسلاميين، الأعجز عن الإصلاح من الديكتاتوريات القوية التي سبقتهم، وليس أدل على ذلك من المثال المصري الذي آل إلى تدخل الجيش بعد خروج ملايين المصريين إلى الشوارع احتجاجًا على فشل وتعصب أول نظام إسلامي منتخب في البلاد. واعتبرت المجلة أن هذا الرأي أيضا خاطئ، قائلة إن المشكلة ليست في الإسلاميين عموًما عندما يصلون إلى الحكم، مشيرة إلى النماذج الإسلامية في كل من ماليزيا وإندونيسيا وتركيا التي أثبتت قدرتها على ممارسة الديمقراطية بشكل سليم. ولكن المشكلة بحسب «الإيكونوميست»، هي في الإسلاميين العرب بوجه خاص، إذ وصلوا إلى الحكم بعد عقود من القمع استعانوا على البقاء خلالها بالتآمر والعمل السري المنظم ومع ذلك استطاعوا تكوين قواعد لا يستهان بها في معظم الدول العربية، وعليه نصحت المجلة بضرورة استيعابهم في العملية السياسية مستقبلا.
رأت المجلة البريطانية أن أفضل وصف لما حدث في العالم العربي،هو «الصحوة» ذلك أن الثورة الحقيقية تشتعل في العقول قبل أن تنزل إلى الشوارع، مشيرة إلى استحالة التعايش بين الأساليب الديكتاتورية البالية وعالم اليوم الذي اقتحمه الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ومحطات الأقمار الصناعية والظمأ إلى المعرفة بين النساء والرجال العرب على السواء. واختتمت «الإيكونوميست» تعليقها بالقول إن المصريين وغيرهم يتعلمون الآن أن الديمقراطية ليست القدرة على حشد ملايين المتظاهرين بالشوارع، مؤكدة أن طريق الديمقراطية طويل قد يستغرق عقودا.. لكنه طريق جدير بالسير فيه.
[email protected]