رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

يا عزيزى.. كلنا لصوص!

حلم الثورة الجميل فجر فينا كثيرا من الطموحات. فالناس يشعرون أن انتصار الثوار وخلع رأس النظام الفاسد، سيمكنهم ذلك من تحقيق شعارات الثورة، التى نطقت بها حناجر الجماهير، عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية. والجرى وراء الحلم فى الشوارع والميادين، أنسانا البحث عن الأسباب الحقيقية التى دعت الناس إلى المشاركة فى الثورة، رغم أن أغلب المشاركين بها لم يكونوا من الفقراء المعدومين. بعض الدراسات بينت أن تردى الأوضاع الاجتماعية وسوء توزيع الثروات فى البلد، وراء غضبة الجماهير على النظام البائد. وكثير من الباحثين، يلقون باللوم على رجال الرئيس السابق الذين نسوا الناس ونظروا إلى أنفسهم فقط، و العائلات التى ارتمت فى أحضانهم، لاقتسام السلطة والثروة.

يجب أن نسلم بأن كل الطرق كانت مسدودة فى البلاد، على المستويات السياسية والاجتماعية، فكانت البلاد تتجه إلى هوة سحيقة، لا نعلم متى تبدأ وكيف ستنتهي؟. وعندما قامت الثورة ظننا – وبعض الظن إثم – أن الثورة كانت هى السبيل الأول لاصلاح ما أفسده النظام السابق. ومع الأيام اكتشفنا أن الأوضاع تزداد سوءا، وذلك ليس لضعف الأداء الحكومى والتخبط السياسى الذى نعيشه فحسب، بل لأننا اعتقدنا أن الحلم الذى صنعناه فى مخيلتنا عن الأيام الجميلة المقبلة، قد تحقق، بمجرد التفكير فيه. هذه الحالة خلقت لدينا عدم رضا عن الواقع، وحدث انفصام بيننا وبين الثورة، التى صنعناها بالدم، فمنا من كفر بها، لدرجة أن بعضهم يشارك الآن فى ترتيب البيت ليعود ربه الذى يعتقد أنه كان يحميه.
قليلة هى الدراسات التى فحصت دور الشعب فى الأزمات التى مرت بها البلاد، لأن الباحثين يخشون مواجهة الناس بحقائق يكرهون الوقوف أمامها كالعراة إلى أن قرأت دراسة «المؤشر العربى» التى أجراها المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة، تتضمن مشروع قياس الرأى العام العربى لعام 2012-2013. بينت الدراسة التى نشرنا قطوفًا منها الأسبوع الماضي، أن العالم العربى يحلم بأن يعيش فى ظل ديمقراطية حقيقية، لا يتدخل فيها رجال الدين، تقيم العدل بين الناس، وتجعل للبرلمان دورًا فعالاً فى الرقابة على أعمال الحكومات، وتخدم الشعب. وتبين الدراسة التى أجريت على عينة واسعة فى 14 دولة عربية، أنه رغم ثقة العرب فى العسكر ورجال الشرطة، وحبهم للدين، فإن قرارهم اليومى لا يستند فى أغلبه لمرجعية دينية، وأنهم يأملون فى اليوم الذى يعيشون فيه فى ظل دولة القانون التى تسوى بين الناس فى الحقوق والواجبات.
فاجأتنا الدراسة القيمة التى تقع فى 234 ورقة من القطع الكبير، بأن الشعب العربى الحالم، ينظر إلى تطهير كل من حوله، ونسى أن الطهارة تبدأ بغسل البدن. وكشفت لنا الدراسة ما فينا من سوءات خطيرة، تجعل المرء عندما يقرأها يسخر من واقعه أو يقول لنفسه على الملأ.. ليس هناك أمل فى نجاح أى ثورة طالما « يا عزيزى كلنا لصوص». وكلمة لصوص التى نقتبس عنوانها من الأديب الراحل إحسان عبد القدوس، لم تعد كلمة مجازية، بل حقيقة يجب أن نشهرها فى وجه كل الناس حتى نضع أيدينا على بيت الداء الذى أصاب الإنسان العربى والمصرى بخاصة.
توضح الدراسة أنه عند اعتماد مؤشّر مدى انتشار الفساد الماليّ والإداريّ فى البلاد، بوصفه أحد المؤشّرات المعياريّة التى يمكن أن تساهم فى تفسير العلاقة بين المواطنين والدولة، وتقييم المواطنين أداء دولهم بصفةٍ عامّة، اتّضح أنّ الرّأى العامّ العربيّ فى مجمله (85%) يعتقد أنّ الفساد الماليّ والإداريّ منتشرٌ (منتشر جدًّا، ومنتشرٌ إلى حدٍّّّ ما). وأكثر من نصف الرّأى العامّ (56%) يعتقد أنّ الفساد الماليّ والإداريّ منتشر جدًّا فى بلدانه. فى المقابل، فإنّ نسبة الذين يعتقدون أنّ الفساد غير منتشر على الإطلاق فى بلدان المنطقة العربيّة، هى 4%؛ فى حين يعتقد 7% من المستجيبين أنّ الفساد منتشر إلى حدّّ قليل جدًّا.هذا يشير بوضوح إلى أنّ الرأى العامّ فى المنطقة العربيّة مجمعٌ، وبنسبةٍ تتجاوز 92%، على أنّ الفساد منتشرٌ بدرجاتٍ متفاوتة فى بلدانهم.
هذا التّباين فى رأى الناس عن الفساد لا يلغى أنّ هناك توافقًا بين أغلبيّة مستجيبى كلّ دولة، على أنّ الفساد منتشرٌ جدًّا، أو

منتشر إلى حدّّّ ما. فنسبة الذين يفيدون بأنّ الفساد غير منتشرٍ فى بلدانهم، كانت تتراوح ما بين 1% كما هى الحال فى ليبيا، واليمن، والمغرب، والجزائر، وتونس، و13%كما تشير النتائج فى الكويت.
واكب ارتفاع معدلات الفساد، مسألة أشد خطورة، فعند تقييم أداء الدول فى المنطقة العربيّة بصفةٍ عامّة، سُئل المستجيبون إذا ما كان مبدأ الحصول على محاكمة عادلة مطبَّقًا فى بلدانهم أم أنّه غير مطبّق، أظهرت النتائج أنّ 55% من الرأى العامّ فى المنطقة العربيّة تقول إنّ مبدأ الحصول على محاكمة عادلة «مطبّق جدًّا»، أو «مطبّق إلى حدّّ ما». فى حين أفاد 40% بأنّ مبدأ الحصول على محاكمة عادلة «غير مطبّق إلى حدّ ما»، أو «غير مطبّق على الإطلاق».
تعكس هذه المؤشرات كم أن ثقة المواطنين فى المنطقة العربيّة بمؤسّسات دولهم هى ثقة محدودة؛ فباستثناء الثّقة التى توليها أكثريّة المستجيبين لمؤسّسة الجيش، وثقة أكثر من نصف المستجيبين بقليل بالجهاز القضائيّ، فإنّ الذين يثقون بمؤسّسة الحكومة ومجلس النّوّاب يمثّلون نحو نصف المستجيبين. كما أنّ ثقة الرّأى العامّ بالأحزاب السّياسيّة هى ثقة متدنّية. وتبين أنّ فجوة الثّقة بين المواطنين ودولهم - وبالذات بالحكومة والمجلس النّيابيّ - لها مسوغاتها؛ فتقييم أداء المجالس النيابيّة فى المنطقة العربيّة فيما يتعلّق برقابة هذه المجالس على أعمال الحكومة (وهذه مهمّتها فى دساتير البلدان التى شملها الاستطلاع باستثناء القانون الأساسيّ للسعوديّة) هو تقييم سلبيّ؛ وكذلك تقييم مدى تعبيرها عن مصالح المواطنين. ويكاد الرّأى العامّ يُجمع على أنّ الفساد الماليّ والإداريّ منتشر فى بلدانه، ومنقسم بشأن مدى جدّية الحكومات فى محاربته، إضافةً إلى أنّ نحو خُمس الرّأى العامّ فقط، يعتقد أنّ الدولة تقوم بتطبيق القانون بالتساوى بين المواطنين.
تخلص الدراسة القيمة إلى أن تقييم الرأى العامّ السلبيّ أو الإيجابيّ المتحفّظ لأداء الحكومة؛ وفى ظلّ انطباعٍ بأنّ الفساد الماليّ والإداريّ واسع الانتشار، كلّها عوامل تُفضى مجتمعةً إلى تآكل الثّقة بين المواطنين ومؤسّسات دولهم الرّئيسة، إضافةً إلى سيادة شعورٍ بعدم تطبيق الدّولة للقانون؛ الأمر الذى قد يؤدّى إلى أن تعانى الدول العربيّة من مأزق شرعيّة لدى مواطنيها. وتؤكد الدراسة أن عدم المبادرة بصوغ سياساتٍ تُقنع المواطنين بارتفاع استقامة أداء الحكومات، وتعبيرها عن آراء المواطنين، وتحقيقها مبدأ العدل والمساواة - أى سياسات وإجراءات تساهم فى إعادة مدّ جسور الثّقة بين المواطن ومؤسّسات الدولة - سيساهم حتمًا فى فقدان الدولة فى المنطقة شرعيّتها.
نظرة واحدة لميدان التحرير بل إلى ميادين مصر والعالم العربي، تبين كم أننا فى حاجة إلى مواجهة أنفسنا بالفساد الذى نعيش فيه ونصنعه ونشارك فى إخفائه، بحكومات وبرلمانات عاجزة ، ونظام قضائى عقيم،و أننا ظلمنا أنفسنا عندما صنعنا ثورة وتركناها تسير عرجاء فى طريق المستقبل.
‏skype: adelsabry33