رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

قبـل أن نُسـقِط الرئيـس!

من أعظم نتائج ثورة 25 يناير، أنها كشفت الغطاء عن رجال مصر، فمنهم من تعرى وظهر للعامة خاويا من الداخل، ومنهم من كشف تعريه عن معدنه النفيس. فمعادن الرجال في مصر كانت مخبأة تحت السطح، طوال سنوات، لأن رجال النظام السابق كانوا يحددون الأشخاص الذين يشاركون في الدوائر اللصيقة بالحكم. بينت طريقة الاختيار الأحادية الجانب، أسوأ ما في المجتمع، حيث كانت التضحيات التي يدفعها المرء كبيرة، مقابل الولوج إلى قلب النظام، ودوائر المستفيدين منه. لهذا آمن الرئيس المخلوع بأن مصر بدونه ستتحول إلى فوضى. فمصر في نظره عديمة الرجال، بما جعله يتندر مرارا بأنه يريد أن يرتاح ويترك الحكم لولا أنه لا يرى الشخص القادر على تسليمه مقاليد البلاد.

جاءت ثورة 25 يناير، وأثبتت للرئيس المخلوع أن مصر العظيمة لا تموت بسقوط حاكم، وأن هناك رجالا لم تتح لهم الفرصة،لأن النظام كان يضعهم في خانة الأعداء أو المنشقين. فإذا ما حانت لحظة الرحيل، وضع الناس ثقتهم في نفر من الأمة المصرية، وسلم الشباب، الذي نظف الميادين العامة راية المسئولية لهؤلاء، إلى أن عبرت البلاد مرحلة انتقال السلطة بسلام. لهذا لم يكن غريبا أن يترشح لمنصب رئاسة الجمهورية عشرات المواطنين، لأن الجميع أصبح لديه قناعة بإمكانية الوصول إلى كرسي الحكم أو يمارس بنفسه حلم الترشح، بعد أن كان الحلم يودي بصاحبه إلى التهلكة.
أسفر التنافس الرئاسي عن فوز الدكتور محمد مرسي بنسبة 52% تقريبا من عدد الأصوات الصحيحة. رأي البعض في ذلك الفوز فرصة للتوافق بين صناع الثورة، وآخرون يعتقدون أن تلك مرحلة مؤقتة حتى لا تعود مصر إلى الوراء. وعندما أثيرت الخلافات حول الرئيس بدا الاختلاف عليه منطقيا، لأن الشعب توقع الكثير، بينما إيقاعه بطىء وأداء حكومته مرتبك، مع ذلك لم يختلف الكثير حول شرعية استمراره في منصبه، ليس لأنهم يخشون الحصانة الممنوحة للرئيس، بل لأنهم لا يريدون كسر حصانة الصندوق الانتخابي الذي أحيته دماء شهداء الثورة.
بعث الخلاف على الرئيس روحاً ثائرة جديدة في المجتمع، رأينا أنها صحيحة في نهجها إلا ما شاب بعضها من أعمال عنف طالت المرافق العامة، وأمن المواطنين. ظللنا ندعم المسيرات السلمية التي كنا نتمنى أن تنظم بصورة أفضل في ميدان التحرير أسبوعيا، حتى يظل الميدان برلمانا للشعب، في يوم عطلة، لا يؤثر على مصالح الناس. تمنينا أن يتحول «التحرير» إلى مزار سياحي، يأتيه الأجانب، كما يفعلون عندما يزورون بريطانيا، فيقصدون «هايدبارك» ويشاهدون خطباء يطالبون بطرد الملكة، وآخرون يدعونها للإسلام، وبعضهم يبشر بالشيوعية. ظهرت دعوات تطالب العسكر باستلام السلطة وطرد الرئيس من مقره الرئاسي، ومنها ما يطالب الرئيس بالتنحي، واصفا إياه بالخيانة والعمالة، ومنها من جعله متحدثا بلسان الشيطان، الذي يلقي بأوامره في ذهنه، حتى يحقق نبوءة استراداموس الأسطورية.
رغم المشاحنات الساخنة، ظلت أجواء التفاؤل في المستقبل واسعة الأفق، لأن حالة الثورة لم تنته بعد، والشعب لم يستقر تماما على النهج الذي سيأخذ بيده نحو الغد، إلى أن جاءت لحظة فارقة. فعندما تشكلت جبهات عدة للاحتفاء بيوم 30 يونيه رأينا مسارا مخيفا للأحداث. فما بين حالة الـ «تمرد» والـ«تجرد» وغيرهما من حركات الموالين أو الرافضين للرئيس، هوة تتسع فجوتها. رأينا أناسا ينصبون السيرك، ويدفعون الناس إليه، بزعم مشاهدة عروض ضاحكة، فإذا باللاعبين يجهزون نارا ليقذفوا بها في وجوه المتفرجين. نشاهد خلف الكواليس، من يهدد بحالة فوضى عارمة، كي يدفع المصريين البسطاء، خاصة من أهل «الكنبة» إلى ساحة الحرب بأية وسيلة،على الطرف الآخر، هناك من يتوعد الخارجين في تلك المظاهرات بالقتل.
كنا نعتقد أن التصريحات مجرد استعراض عضلات من كل طرف، فإذا بنا نرى المسرح وقد جهز لما يشبه «حربا أهلية». خرجت عناصر متطرفة من الجانبين، لا يكتفي احدهما بخلع الرئيس بالقوة فحسب، بل شن حرب ضد كل من يمثل التيار الديني ويطالب بإعادة رموزه إلى السجون. خرجت قيادات جهادية كنا نظنها دخلت في المسرح السياسي، لتعلن كفرها بالديمقراطية وكل من يعمل بها، وتطالب بتطهير الدولة من كل شخص يدعو إليها باعتبارها «طريق الشيطان». هذا التطرف، لم يعد خافيا على أحد بعد أن أشهر كل طرف سلاحه في وجه الآخر

علنا، على شاشات التلفزيون والصحف والبيانات التي تصل للناس على البريد الإلكتروني. كنا نظن أن الحوار السياسي الساخن، وإن شابه بعض العنف سينصلح حاله، مع تعلم مبادئ الممارسة الديمقراطية، فإذا به يدفعنا إلى حرب متطرفين، تداس تحت أقدامهم مصالح الأمة.
إذا ما كان الرئيس هو العقبة التي ستحول دون حرب أهلية، فعلى العقلاء أن يناقشوا كيف نمنع تلك الحرب، وأن يتوافقوا على رئيس آخر يمكنه إنقاذ البلاد مما باتت فيه من مخاطر. فقد بدا أن الناس التي احتضنت بعضها في ميدان التحرير عقب رحيل الرئيس السابق، لن تتآلف قلوبها من جديد، ولو أنفقنا ما في الأرض جميعا. يمكننا الآن أن نعود إلى نقطة البداية السياسية الساخنة، إن لم يكن لصالح الشعب، فعلى الأقل، حتى لا نشمت بنا من خلعناه وأنصاره الذين يريدون إعادته للقصر الرئاسي بشتى الطرق. فإذا ما اتفقنا على التهدئة علينا أن نناقش امكانية أن يصبح أحد المرشحين للرئاسة رئيسا. فلماذا لا نتوافق على أن يعود الفريق أحمد شفيق ليتولى الرئاسة حيث كان المنافس الأول للرئيس الحالي، وله أنصار كثر من رجال الأعمال والموالين القدامي للنظام السابق، وتأييد من بعض الرموز السياسية القديمة والجديدة؟. لماذا لا نتوافق بأن يصبح رئيس الجمهورية السيد حمدين صباحي، باعتباره مدافعا عن المبادئ الأساسية للثورة «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» ويعلن مناصرته للعمال والفقراء الذين تضرروا من فساد الحكم السابق، وهم الأغلبية الساحقة في المجتمع؟.لماذا لا نتوافق على أن يكون السيد عمرو موسى رئيسا لما يملكه من علاقات دولية واسعة، واتصالات جيدة مع جبهات سياسية قوية في المجتمع، وأفكار ليبرالية تمكنه من تحقيق الاستقرار خلال المرحلة المقبلة؟. لماذا لا نتوافق على الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي أعلن العصيان على جماعة الإخوان وله تواصل مع الشباب وقوى سياسية عريضة؟.لماذا لا نقف خلف قيادة وفدية أو من أي حزب آخر لنعلن بطريقة متحضرة، أنه الشخص المناسب لإدارة البلاد في هذا التوقيت؟.
لن نجتمع أبدا على قلب رجل واحد كما كنا من قبل في ميدان التحرير. فخلع الرئيس أمر ممكن، ولكن يجب ألا نسقطه ونفاجأ بأننا شاركنا في جرجرة البلاد إلى الفوضي التي تمناها مبارك.فيمكننا أن نتوافق على رئيس، دون أن نسيل دما، أو نصنع نظاما عسكريا جديدا. فمن يناصر العسكر عليه أن يعلم أن هؤلاء ليسوا عبد الناصر ولا رفاقه من الفئة الاجتماعية التي خرج منها، فأغلبهم تعلم في الغرب حيث قيم الديمقراطية العالية. ومن يؤمن بأن الفوضى وإسالة الدماء، ستدفع الناس للمشاركة في ثورة جديدة، مخطئ، لأن المصري لن يقع في الفخ مرتين. ومن يحاول أن يحجر على الناس باسم الدين سيفشل لأن الإيمان عند المصريين له أصول مستمدة من كافة الأديان لا يمكنه التفريط فيها.
[email protected]