عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تمويل الثورة المضادة

لقد تحولت ساحة كنائس ومساجد إلي أوكار فتنة بسبب الأموال التي تأتيها من الخارج أو الداخل بلا رقيب ونري أن الدماء التي تسيل بسببهما تدعونا جميعا إلي محاسبة كل مسئول عن هذه الأموال حتي لا تتحول إلي مصدر تمويل لثورة مضادة

قول الحق.. كثيرا ما يدخل المرء في معارك لا قبل له بها خاصة عندما يتعلق الأمر بالكلام في المحظور والممنوع علي مدار سنوات طويلة. جاءت السهام ضد الشهادة التي أعلنت عنها الأسبوع الماضي بأن قيادات في الكنيسة كانت داعمة للفساد في البلاد، من أجل دعم سلطة الكنيسة القبطية في مواجهة الانقسامات داخلها، وتمرد الشباب علي السلطة المطلقة للبابا في إدارة الكنيسة الأرثوذكسية. وركزت علي دور شيخ الأزهر الراحل في دعم فساد النظام السابق علي حساب الدين وقيمة الأزهر في المجتمعات الإسلامية، بما أهل لبروز قوي سياسية أخري تمارس مهمتها تحت ستار حماية الدين. هذه الشهادة لم تعجب بالطبع كثيراً من المسلمين أو المسيحيين الذين يفرضون علينا أن نقدس ما ليس محلا للتقديس، وفكرا بعيداً كل البعد عن جوهر الدين.

رغم عنف الهجوم الذي طل علينا في تعليقات البعض ومكالماتهم، إلا أن عظم الحوادث التي تمر بها البلاد باسم الدين، تجعله شاهرا قلمه في مواجهة الفساد الذي دخل البلاد باسم الدين، في إطار الدعوة إلي مواجهة المنكر ولو بأضعف الإيمان. فما نشاهده من دماء تسيل كل يوم في الشوارع وأمام الكنائس يتطلب منا عدم السكوت عن هذه الوقائع التي تكرر يوميا مهما كانت الملامة أو التهديدات. وما نقرأه من أخبار عن خطف للبنات المسلمات تحت زعم دفعهم للتنصير أو خطف للمسيحيات لجعلهن مسلمات أمور تخرج عن نطاق كل الأديان، لأنها بصراحة لا تعدو أن تكون عمليات إجرامية لعصابات تزعم أنها تعمل باسم الدين. وما يتم من تمويل لمظاهرات أمام ماسبيرو للاسبوع الثاني علي التوالي من قبل بعض الأقباط الذين يحاصرون مبني الإذاعة والتليفزيون، فيسبون من يدخله ويضربون الصحفيين والمراسلين من غير المسيحيين هي عمليات لاتختلف كثيرا عن أعمال البلطجة التي يتقنها عملاء النظام السابق الذي بلغ به الأمر أن يتفق مع عصابات الغجر لمواجهة المتظاهرين في مطلع الثورة. وما نشاهده من استخدام لأسلحة ومحاصرة كنائس لمنع صلوات تقام لله في بيوته علي الأرض، من قبل بعض الأشخاص طويلي اللحي، المختبين كالشياطين تحت ستار الجلابيب البيض لن يقنعنا بأنهم أطهار كالملائكة.

الأمر في غاية الخطورة، ومن الحكمة أن نفتح هذه " الدمامل" كي نخرج القيح الذي تراكم داخلها علي مدار سنوات طويلة من حكم فاسد، استخدم طويلا سلاح الفتنة بين الناس كي يفرقهم ويتمكن من سيادتهم إلي الأبد. لذا علينا أن نتعرف علي المحرك الأول لهذه المجموعات سواء من الطرف المسلم أم المسيحي. فنحن كمصريين نعلم أن الأغلبية منهكة يوميا في البحث عن لقمة العيش في وقت شحت فيه المؤن وانعدمت به فرص العمل وضاق الرزق علي الجميع خاصة الشرفاء الذين لم يستفيدوا من فساد الحكم السابق. وهذا يدفعنا إلي التساؤل من أين تأتي الأموال التي تنفق علي مظاهرات تستمر عدة أيام، أمام التليفزيون، خاصة أن مانراه من مأكولات يصعب توفيره في بيوتنا؟. ومن أين تأتي التجمعات حول الكنائس ومن ينفق علي المتداخلين في المشاحنات التي تنشب فجأة فتجد آلافا قد انسلوا داخلها في لحظات.

بالتأكيد هناك من ينفق علي كل هذه الأمور، فمن قبل شاهدنا الكنائس العملاقة التي تبني في كل مكان من تمويلات غير معلومة. ونرصد أموالا في كثير من المساجد التي تديرها وزارة الأوقاف في صناديق النذور ولا نعلم مصير هذه الأموال جميعا؟. البعض يقول إن رجال أعمال يمولون بناء الكنائس وآخرون يذكرون أن تبرعات الناس وراء عمران الكنائس، وبالمثل نجد الأمر في كثير من المساجد، التي تنتشر في كل مكان، بعضها للأسف يقام علي أراض زراعية لأن أصحابها يريدون تسقيع ما حولها من مساحات كي تمتد إليها شرايين المرافق العامة بالمجان!.

تأتي التمويلات للمساجد والكنائس في غياب رقابة الدولة، وأصبح بعضها محصنا بما يجعل المرء يصدق في كثير من الأحيان ما يقال بأن بعضها تحول إلي ترسانة أسلحة وأن المؤسسات التابعة لها، تأوي

المخطوفين من أسرهم أو الهاربين من سيف القانون. فالقانون المصري يعفي المساجد من الضرائب، ويمنح الكنيسة المصرية سلطة مطلقة للتصرف في أموالها. هذه الازدواجية في المعاملة جعلت كثيرا من رجال الأعمال والشخصيات العادية يتحصنون خلف المساجد لإقامة مشروعات مربحة، لهم ولأسرهم وذويهم، بينما الدولة لا تحصل علي شيء من هذه الأرباح. لذا نري كثيرا من الفساد في إدارة تلك المؤسسات عدا الأموال التي تنهب في إدارة الأوقاف الرسمية التابعة لسلطة الرقابة في الدولة. وسار الأقباط علي النهج من خلال الجمعيات القبطية الخيرية التابعة للكنائس، عدا أن القانون أعفي الكنيسة من أية إشراف للجهاز المركزي للمحاسبات علي أموالها، فلا نعلم كم حصلت علي تبرعات وكيف أنفقت هذه الأموال وكأننا أمام سلطة دولة داخل الدولة.

إبعاد سلطة الدولة عن إدارة صناديق النذور وأموال الكنيسة واكبه حالة من البذخ في إعلاء المنارات بينما لا تجد الحكومة أموالا لبناء المدارس، التي تعد عقول الناس وتعلمهم كيف يحترمون بيوت الله، فسكنت في الجانبين عقول الجهالة التي حولت الأديان إلي ساحة للمعارك بدلا من أن تكون مدخلا للتقارب بين الناس بدعوتهم إلي حسن العبادة ومعاملة الآخر. وشب في الطرفين من يستخدم البلطجة وسيلة لإنهاء العراك مع خصومه بدلا من الحكمة والموعظة الحسنة. فالتمويل الذي لا نعلم مداه وكيفية وصوله إلي الخصمين، قادر علي تحريك جيوش من البشر والغجر، ولن يردعه إلا سيف القانون وهيبة الدولة.

فليس بخاف علي أحد أن كافة المؤسسات الدينية في أي دولة يحكمها القانون في الغرب أو الشرق تحت رقابة الدولة، لها أن تعرف من أين جاءت وكيف أنفقت ومن المستفيد من وراء هذه النفقات. ولن تكون الكنائس أو المساجد خارج سلطة الدولة أبدا إلا إذا طبقنا قانون الدولة الدينية حيث السلطة المطلقة فيها للفقيه، كما هو مطبق في النظام الإيراني. وعيب هذا النظام أنه لا يعترف بحرية الفرد ولا سلطة المجتمع، ولا بأي دين مخالف لدين الفقيه، والخاسر فيه سيكون كل فرد مسلم أو مسيحي. لهذا يجب أن تمتد سلطة الدولة إلي داخل كل المؤسسات الدينية، برقابة قانونية فعلية وشعبية، لا تثير غضب طائفة أو فتنة بين الناس كما كان يفعل جهاز أمن الدولة. فلا البابا منزه عن الخطأ ولا يعرف المسلمون هنا سلطة الفقيه، وكلنا خطاؤن، ومن الحكمة أن نجعل القانون حكما بين الناس حتي لا يتحول خطأ فرد إلي خطيئة تهدد الوطن بأكمله.

لقد تحولت ساحة كنائس ومساجد إلي أوكار فتنة بسبب الأموال التي تأتيها من الخارج أو الداخل بلا رقيب ونري أن الدماء التي تسيل بسببهما تدعونا جميعا إلي محاسبة كل مسئول عن هذه الأموال حتي لا تتحول إلي مصدر تمويل لثورة مضادة تعيق ثورة الشعب للتغيير والعدالة وإقامة حياة ديمقراطية سليمة.

[email protected]