رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

مصرية تبحث عن وطن بلا مبارك ولا إخوان!

شاهدتها لأول مرة شعلة من النشاط داخل أروقة معرض شباب الأعمال، وهى تناكف الوزراء وتدعوهم للكف عن تزييف الحقائق، ومساعدة الشباب بجدية. كان صوتها المرتفع يرن فى صالة المعرض الذى كان ينظمه الصندوق الاجتماعى للتنمية، ويفتتحه فى ذلك الحين الرئيس السابق مبارك. حاول الوزراء تفادى نقدها اللاذع فى حضرة الرئيس،

فإذا بها تصر على أن تخطر الرئيس بكافة المعوقات التى تحول دون مشروعات الشباب وتخطره بالحقائق كاملة. تفاعل معها الرجل الذى لم يكن قد دخل منحنى الهبوط السياسي، وطلب من وزرائه حل المشاكل التى عرضتها بنت المنصورة الشجاعة نرمين نور، والتى أسفرت فى نهاية التسعينات عن تخفيض معقول لفوائد الصندوق وتبسيط الإجراءات نسبيا.
بعد نشر صورها فى الصفحات الأولى للجرائد، حاول نجل الرئيس السابق ضمها للحزب الوطني. أبت بنت مصر أن تدخل أية أحزاب، لأنها رأت بعين الأنثى العاقلة أن دخولها فى هذا التوقيت بداية الولوج فى وحل السياسة. فقد بدا أن مرحلة التوريث يخطط لها عن بعد، والتى تحولت إلى واقع بعد ذلك بعدة سنوات. اكتفت نرمين أن تمارس العمل العام الطوعى، تدفع من جيبها والإرث الكبير الذى حصلت عليه من أهلها، بعيدا عن الانزلاق فى شلة المنافقين فى الحزب الحاكم، أو أحزاب المعارضة التى أحكم النظام قبضته على رقابها. لم يكن سهلا أن تعيش مستقلة فى وسط سياسى تتخطفه الذئاب، لذلك اكتفت بالعمل مع بعض كبار الكتاب والسياسيين، الراغبين فى تنفيذ الخدمات العامة بعيدا عن أجواء الشهرة وكاميرات الإعلام. أكسبها عملها المخفى عن عيون السلطة احترام المعارضة وبعدها عن ضغوط الأمن وشلة جمال مبارك التى خطفت منها تسمية «جمعية المستقبل لشباب الأعمال» لينفرد هو بهذه التسمية.
منذ رأيتها تشاكس حسنى مبارك، لم أر بنت بلدى إلا عبر صفحات الجرائد التى تنشر بعض ما تنظمه من مؤتمرات فى المكتبات العامة وقوافل تطوير المستشفيات والمدارس، حتى بدا فى الأفق مرحلة توريث السلطة نهاية عام 2008. بدأت نرمين نور تعلن عصيانها علنا للسلطة، وتهاجم مبارك وشلة رجال الأعمال التى أفسدت البلاد. تعرضت لمشاكل كثيرة، إلا أن إصرارها دفعها إلى مشاركة القوى السياسية، فى المظاهرات الرافضة للتوريث وتزوير الانتخابات عام 2010. انضمت نرمين نور لقوافل الثوار بالتحرير مع اللحظات الأولى للثورة، وشاركت بمالها ونفسها فى دعم الثوار من كافة الاتجاهات، فهى تؤمن بأن الوطن لابد أن يتسع للجميع. وترفض نرمين نور فى نفس الوقت الانضمام إلى أى تيار سياسي، أو تنزعج بشدة مثل حالتى أن يصفها أحد بأنها تنتمى إلى حزب أو جماعة بدون إرادتها أو علمها، لأنها فى الحقيقة تعبر عن النموذج المصرى الرافض أن يوضع على صدره لافتة سياسية لا تعكس ما تؤمن به.
فى لحظة فارقة تجمهرت نرمين نور فى ميدان التحرير لدعم ترشيح الدكتور محمد مرسى رئيسا للجمهورية، لأنها رأت مثل كثيرين غيرها أن نار الإخوان ولا جنة أحمد شفيق، والعودة بالثورة إلى الوراء. ظنت نرمين نور مثلنا وغيرنا ممن لحقوا بها فى الميدان أن تأييد مرسى سيصب فى صالح الثورة ومستقبل الأمة. أثبتت تجربة نرمين أن بعض الظن إثم، فالمسألة ليست شعارات ولا مظاهرات. تعرضت نرمين لواقعة غريبة منذ عدة أشهر، حيث فوجئت بأن منزلها الهادئ فى ضاحية المعادي، تحول البدروم فيه إلى صالة جمانيزيوم، فى منطقة ممنوع الترخيص بها لأية محلات عامة أو أنشطة تجارية. توجهت نرمين نور بشكوى إلى حى المعادى فإذا بالمسئول يحدثها همسا بأن المشروع تابع لأحد أنجال كبار المسئولين فى الدولة، وبعض شركائه من جماعة الإخوان المسلمين!.
أسقط الأمر فى يد نرمين نور، فهى تعلم أن الثورة جاءت بعد موجة فساد عاتية، وأن قدرتها على الاتصال بقيادات الدولة الجديدة، ستمكنها من استئصال أية بذور للفساد. اتصلت نرمين بالسفير محمد رفاعة الطهطاوى أمين عام رئاسة الجمهورية الذى كانت تخرج معه فى مظاهرات التحرير، وأخطرته بالواقعة الغريبة. اتصلت بالدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء، والذى كتب إليها عدة رسائل يؤكد استحالة تمرير الواقعة. فوجئت نرمين نور بأحد المسئولين فى حى المعادى يأتى إليها مهرولا ويقول لها ماذا تفعلين؟... لقد أخبرناك من قبل أن المشروع تابع لأحد كبار المسئولين فى الرئاسة، وقيادة بالإخوان، أنت حرة إذا مسك منهم سوء؟.. لم تعر نرمين نور للكلام بالاً، وظلت هادئة إلى أن

بدأ تنفيذ المشروع بالفعل. عندها توجهت بشكوى ثانية للحى فوجئت بأن بعض البلطجية يتعرضون لها أثناء دخولها منزلها ويعترضون سيارتها فى كل مشوار.
رفضت بنت بلدى أن تكون مطية لأحد أو يرهبها مسئول أيا كان، فذهبت إلى قسم المعادى لتسجيل محضر بتلك الوقائع. أهمل المحضر عدة مرات، بل زادت حركات الإرهاب والبلطجة، فزاد إصرارها على مكافحة الفساد، فتوجهت إلى مكتب وزير الداخلية تخبره بإهمال ضباطه. شهدت نرمين فيما كتبته على صفحتها على الفيس بوك بالحق لوزير الداخلية بأنه أمر ضباط المعادى والبساتين بتحريك المحاضر اللازمة، وتوفير قوة أمنية لحمايتها من البلطجية الذين يحومون حول منزلها، ويحاولون خطف سيارتها. تغيرت لهجة ضباط الداخلية مع نرمين وانصاعوا لعدة أيام لوزيرهم، ومع اقتراب موعد التعديل الوزاري، ظنوا أنه سيغادر منصبه، فتركوها ثانية تصارع البلطجة بمفردها.
بدأت البنت المصرية تشاهد من يدق على بيت شقتها ليلا ونهارا ليرهبها وهى آمنة فى بيتها، وتشاهد من يضايقها أثناء دخولها وخروجها من البيت، ولا تجد مغيثا، لأنها صرخت ضد الفساد والمحسوبية التى تمارس جهارا باسم بعض قيادات الإخوان ومسئول كبير فى رئاسة الجمهورية. كانت نرمين نور بما لديها من علاقات ممتازة مع أجهزة الإعلام قادرة على تحريك الأمر ضد الجماعة والحزب الحاكم، ولكنها رفضت حتى لا يفهم خطأ أنها تسىء للثورة. بل دفعها بعض الكتاب من اليسار وما أسميهم فلول الإعلام السابق، إلى التشهير بالإخوان ووزارة الداخلية، فاشترطت على من يتحدث أن يشير إلى الدور الذى قام به وزير الداخلية فى حمايتها طوال الأيام الماضية، ونبل أخلاقه فى التعامل مع الموقف. رفض هؤلاء الإشارة إلى الدور الإيجابى الذى مارسه الوزير، فآثرت أن تتعرض للبلطجة على أن تخالف ضميرها ولا تذكر الحقيقة كاملة.
قصة نرمين ترويها على صفحتها على الفيس بوك التى يراها الآلاف من المصريين، تبين إلى أى حد نحن نفقد الثورة على مفارق الطرق. الفساد مازال طاغيا، فى المؤسسات الحكومية وغيرها، لأن الحزب الحاكم يزعم أنه غير قادر على إدارة دفة الأمور بمفرده، وسط دفع قوى سياسية الناس إلى عرقلته. وهناك متاجرة بالثورة فى كل اتجاه، بينما الشعب الحقيقى يئن من توابع الفساد السياسى الطاغى. الخطورة فى الأمر أن من يشتكى من استمرار الحال على ما هو عليه، مطالب بأن يبرهن على أنه من الإخوان أو محب لهم وفى المقابل عليه أن يعلن براءته من الإخوان ولا ينتمى إليهم. فالصراع الدائر بين أصحاب الأصوات العالية، صراع مصالح، يريدون تجييش الناس فى طريقهم يوم الزحف الأكبر على الخصم المقابل. هؤلاء لا يعلمون أن الشعب عندما قال كلمته لم يكن عضوا فى حزب مبارك ولا الإخوان، بل ثار لأنه كان ضد الفساد، وحان اليوم أن يؤكد الجميع أننا نريد وطنا بلا إخوان ولا مبارك أو اللصوص الذين يمارسون الفساد تحت أية لافتة أو شعار.

[email protected]