رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الصين تحلم.. ومصر ترفض الأحلام

مستقبل المرء مرتبط عادة بحلمه، فكلما كان حلمه عظيما،يصبح مشواره في الحياة أعظم. فإذا ما تتبعنا الأمم الكبرى نجد أن نموها ارتبط دوما بحلم القائد الذي يدفعها إلى ذلك الحلم أو صحوة الشعب التي أرادت فحولت الحلم إلى واقع. شاهدنا ذلك في امبراطورية الإسكندر الأكبر، وفي دولة المدينة التي قادها رسولنا الكريم،

عندما كان يبشر أصحابه بفتح مكة، وهزيمة الفرس على يد الروم، وتمدد الدولة إلى مساحات شاسعة عبر العالم. وفي العصر الحديث كانت الثورة الفرنسية مصدر إلهام للشعوب الثائرة، التي لم تتوقف تأثيراتها عند حدود فرنسا، بل تخطت الأمر إلى ألمانيا وروسيا والصين والعالم العربي، ودول الأمريكتين، وإن اختلفت تأثيراتها وتوقيتات حدوثها في منطقة قبل الأخرى.
عندما قامت الثورات العربية، نجد أن غياب الحلم لدى الزعامات والشعوب وراء الانتكاسات التي شهدتها في كل من مصر وتونس واليمن والأردن، وحتى في سوريا. فالناس كان لديها أمل في الحرية، ولكنها لم تتعلم أن تحلم حلما جماعيا، بالخطوة التالية على انهيار الأنظمة، فعميت أبصارها عن المستقبل، وماتت قلوبها خوفا من الغد. ومن عجب أنه وسط تلك الأحداث الضبابية والغيوم السوداء التي تتوالى على العالم العربي أن نجد دولة كبري مثل الصين تطلق شعار الحلم الجميل.
فالرئيس الصيني شي جينبينغ الذي تولى السلطة رسميا بداية الشهر الجاري، بعد اجتماعات مطولة للمؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي الصيني، وأثناء انعقاد الدورة الـ 12 للمجلس الوطني لنواب الشعب، والمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، التي اُختتمت مؤخرا، أطلق شعار «الحلم الصيني». فالرجل الذي جاء من أعماق الريف يدرك أن شعبه الذي يزيد تعداده 3 مليار و350 مليون نسمة، ويضم 56 قومية عرقية, وعشرات، بل مئات الأديان السماوية والتي وضعها البشر، يعلم أن مستقبل بلاده، لن يستمر إلا في وجود حلم جميل يجمعهم.جاء القائد الجديد، وسط عدة أزمات تواجه المجتمع الصيني الذي عاش 30 عاما من الانتعاش الاقتصادي، ونسبة نمو تصل إلى 12% سنويا، فإذ بالأزمات المالية الدولية تؤثر فيهم، فتنخفض نسبة النمو إلى 7,5% فقط، وترتفع معدلات التضخم والبطالة.
أدرك الرئيس الجديد ومن معه، أن الصين مقبلة على فترة تحديات كبرى، حيث أصبحت تطلعات الناس لحياة الرفاهية أعلى، وهناك فجوة كبيرة بين دخول المواطنين، وهوة واسعة بين المدن الواقعة شرق البلاد، التي استفادت مبكرا من مشروع النهضة الكبرى، الذي بدأ مطلع تسعينات القرن الماضي، والمدن الواقعة غرب البلاد. تحدث هجرات جماعية من الغرب إلى الشرق، بما وسع من أزمة المناطق الصناعية ورفع معدلات السكان بالمدن الكبري، بما لا تطيق، ويهدد الأمن الاجتماعي للدولة. استغل العامل البسيط معرفة بأهله في الغرب الذي أتي منه، وبدأ يطلق شعاراً حقيقياً سماه «حلم النهضة الكبرى». وهذه التسمية الحقيقية وليست زائفة كما نسميه نحن في مصر، جعل كلمة « حلم» بمفردها، تتحول إلى أعلى معدلات المفردات اللغوية التي تتردد على شبكات التواصل الاجتماعي في الصين في الآونة الأخيرة.
أصبح الشباب والكبار يتكلمون عن «الحلم الصيني» والذي يعبر ببساطة، عن سياسة وضعها فريق السلطة الجديد، بأن يضمن للمواطنين رفع مستوى دخلهم إلى الضعف خلال 5 سنوات. كما تعهد الرئيس بأن يرتفع مستوى التنمية في المناطق الغربية للبلاد إلى الضعف في نفس الفترة، بحيث تصبح أولويات المشروعات التي تتبناها الدولة، وتدفع إليها المستثمرين، متجهة بالكامل إلى المناطق الغربية الفقيرة. ولم يتوقف الرئيس عند حلمه الصغير، بل جعل الصينيين يحلمون بما هو أكبر بأن تصبح عام 2049، دولة عظمي. ولم يحدد الرئيس ذلك التاريخ عبثا، فهو يريد أن يقول للناس إنه بحلول مائة عام على ميلاد الدولة الحديثة، ستصبح قائدة العالم، وبذلك يضمن تأييد كافة الصينيين، سواء كانوا من الشيوعيين الراديكاليين من رافضي مرحلة التحول الاقتصادي التي تمت في البلاد، أو رأسماليين جدد وشباب وقوميات متعددة للاصطفاف معا، من أجل أن تصبح الصين دولة رائدة في العالم.
لم يٌصَدر الرئيس الصيني الحلم لأهله وعشريته فقط، بل زفه لكل الناس، بمحاولته أن يصبح حلما للعالم النامي الذي يحلو

للصين أن تنسب نفسها إليه. ولعل لقاء الرئيس الصيني الذي أجراه مع الرئيس محمد مرسي في دربان بدولة جنوب أفريقيا الأسبوع الماضي، ضمن اجتماعات دول البيركس، تضمن مناقشة ذاك الحلم الصيني. فما قرأته في وسائل الإعلام الدولية لم تهتم به أية وسيلة إعلام مصرية، بل ما حدث هناك كان مفاجأة لأغلب الصحفيين والمسئولين المصريين الذين يتابعون لحظة بلحظة، الخراب والدمار التي تشهده البلاد، أما الواقع الجيد، والأحلام القادمة، فمازالت في طي النسيان وتجري بعيدا عن الأضواء. لذلك لم تنشر الصحف ما عرضته الصين على مصر والدول الأفريقية بتخصيصها 30 مليار دولار تصرف على مشروعات التنمية في دول القارة خلال 3 سنوات. وطلبت الصين من الدول المختلفة أن تتقدم بما لديها من مشروعات ترغب في تنفيذها حتى تضمن وضعها على قائمة أولويات الجهات الممولة.
الصين تحاول أن تصدر حلمها للعالم، وخاصة مصر التي تقابل رئيسنا مع رئيسها للمرة الثانية خلال 8 أشهر فقط، مع ذلك لم نستفد منها، في شئ. فنحن مازلنا في مرحلة التخبط السياسي والإداري في الدولة، وإعلامنا لا يتناول إلا السواد ولا يقدر على تحمل مسئوليات حلم جميل ينقذ هذا الشعب. لذلك تعرض الصين على الرئيس مرسي في زيارته لبكين في أغسطس الماضي 6 مليارات دولار لتنفيذ مشروعات غرب السويس، ولم يتحرك أحد لإزاحة أيادي رجال العصر البائد عن أرض تلك المشروعات المغتصبة، حتى الآن. بل لم يفعل الرئيس شيئا لمواجهة هذا الفساد رغم تعهده أمام قيادات الصين بإنهاء مشاكل تلك المنطقة في الحال. مرت الشهور وجاءت الصين بمبادرة جديدة، يمكننا اليوم أن نحصل منها على 10 مليارات دولار أخرى لتمويل المشروعات التي نحتاجها نحن، فقط عليها أن نعرف ما هي تلك المشروعات ودراسات الجدوى الخاصة بها!. وللمرة الثانية تأتي فرصة أمام الرئيس محمد مرسي للتعاون الكبير مع الصين، بينما لم تحل حكومته المشاكل العالقة مع المستثمرين الصينيين الخاصة بمشروع أرض المعارض بمدينة نصر وتصاريح العمل للصينيين، وتنفيذ قرارات مشروع غرب السويس، وأيضا لا تملك رؤية لأية مشروعات مستقبلية.
من الصعب أن تجد في مصر من يحلم بغد أفضل بعد أن مرت البلاد بكل هذه الكوارث والتقلبات السياسية، وعدم وجود أناس تأمنهم على حاضرك وليس مستقبلك أو مستقبل البلد برمته، ولكن من الأصعب أن تجد من يحلم لك حلما أفضل وترفض أن تتعاون معه في أبسط الأمور التي يمكن أن تسعدك بمشروعات جيدة، وحلول عملية للخروج من الأزمة الطاحنة التي نمر بها. عيب علينا أن نرى الصين تصدر حلما للعالم، ولا نستفيد منه، لأننا ننشغل بالتفاهات والمشاكل، وننسى التفكير في المستقبل ولو للحظة واحدة.
[email protected]