رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صـــدام .. لا حــوار

انتهت احتفالات المعرض الدولي للكتاب، وربما لم يلتفت أغلب الذين تابعوا أعماله، أنه رفع شعار» حوار لا صدام». فالمناقشات القليلة التي دارت بين ما نطلق عليه النخبة أو من نضعهم في قائمة المفكرين، عكست حال المصريين، بل وأغلب الدول التي شهدت حالة الربيع العربي.

فالصدام بين الأفكار لم يتوقف عند اتهام الآخرين بما ليس فيهم أو التكفير بل تخطاه إلى الإصرار على حرق وقتل الآخر مع سبق الإصرار والترصد، بما يؤكد لمن يتابعون فوران الربيع العربي بأننا في حالة صدام حقيقي ولم نبدأ بعد مرحلة الحوار.
الحوار الغائب بين النخبة التي صنعتها أجهزة الإعلام وأروقة مؤسسات سياسة لم تعلم أعضاءها أخلاقياته، ولا مناهجه وفضائله على الفرد والمؤسسة والمجتمع، أصاب الناس بحالة من التشنج. فلم أقابل مسئولا أو عاقلا أو أجنبيا متابعاً للوضع في بلدنا عن كثب إلا وقال لماذا يتناحر المصريون إلى هذا الحد؟!. فالكل يريد إزاحة الآخر عن طريقه بمنتهى القسوة. فلا تجد عابرا للطريق إلا وأراد قطعه على من خلفه و حوله، بما خلق حالة من الفوضى المرورية، لا علاقة لها بإمكانات الشوارع ولا كثرة السيارات والمارة. وهناك اقتتال على خطف الوظائف والمناصب، بل و الميكروفونات في المؤتمرات السياسية ليظهر الخاطف منفردا أو لأطول مدة أمام عدسات التصوير!.
هناك حالة من الأنانية المفرطة التي أصابتنا في مقتل، وبذلك لن يحدث حوار بين تيارين أو شخصين، لأن كلاً منهما يعتقد أنه على حق والآخر على باطل. فالأمور لدينا إما أسود أو أبيض أو أنت معي أو أنت عدو، بما يجعل العشرة بين المتخاصين أمراً مستحيلا. لذلك لم يكن غريبا أن يلتقى الساسة مع رجال الدين في ملتقى شيخ الأزهر الشريف مؤخرا ويتفقون على «وثيقة الأزهر» لنبذ العنف وتشجيع الحوار بين الفرقاء، وقبل أن يجف مداد القلم الذي كتبت به الوثيقة، يخرج بعض واضعيها على الملأ لينكروها، بل يدعون أنهم لم يروها أو يخطون حرفا بها. هكذا بكل بجاحة يتحول السياسي إلى كائن كذاب ومنافق بلا حياء ولا خوف من عقاب مؤيديه لأنه يعلم أن أفضل وسيلة للتواجد على الساحة الإعلامية والسياسة الآن، ليس قدرته على إدارة أزمة تهدد كيان الأمة ولحمة القوى السياسية ووحدة الوطن، ولكن على مدى التزامه بمبدأ الصدام الذي لا يضع للحوار نهاية فاصلة، تجعل البلاد أكثر أمانا واستقرارا.
لا تستغرب إذا ما رأيت متظاهرا يلقى بالقنابل الحارقة على المجمع العلمي أو مدرسة مثل « ليسيه باب اللوق» التي أخرجت النخبة الحقيقثة في البلد، منذ قرن ونيف. ولا تتعجب إذا ما كان شعار آلاف من مرتادي ملابس «بلاك بلوك»، «العنف مقابل العنف»، فقد وضعوا عقولهم في سجن محكم الأبواب، بما جعل أدمغتهم وقلوبهم أكثر سوادا من الملابس التي يرتدونها، فلن يلقوا بالا إذا ما تسببت أفعالهم في حالة من الفوضي العارمة، قد تهدد بيوتهم وأهليهم قبل أن يمتد أثرها إلى الآخرين. ولا تلم ضباط الشرطة ولا جنود الأمن المركزي إذا ما كانت لغتهم تبدأ بالعنف في مواجهة المتظاهرين ولو أعلنوا شعار» سلمية .. سلمية» فهؤلاء لم يعرفوا أبدا لغة الحوار، ولم يتعلموا أبدا كيف يقضون على العنف بامتصاص أفعاله المضادة، أو أن الذين يتصرفون بعنف ضد الشرطة والدولة لديهم الدوافع القوية التي تجعل بعضهم يفضل الموت على الحياة.
تذكرت بالأمس مشهدا رأيته يوم 29 يناير 2011، أثناء وقوفي على كوبري قصر النيل لتصوير مبني الحزب الوطني المحترق، وكانت النيران تستعر في أرجائه، ثم تهدأ فتطلق ألسنتها، ونخشى أن تلقى ببعضها على المتحف المصري. شاهدت سيدة ترتدي ثيابا بيضاء قادمة من جزيرة الزمالك، في اتجاه الميدان، تحمل لافتة مكتوباً عليها بالانجليزية «احذروا العنف». قلت في نفسي ساعتها، مال هذه المرأة البلهاء، أتحذر المتظاهرين الذين تعرضوا للقتل من رجال الفرعون وجنوده، على مرأى ومسمع من العالم كله، وها هو نفس المكان الذي كنا عليه بالأمس وقد سجل استشهاد العشرات من الشباب تحت وابل نيران الأمن وعجلات عرباته المصفحة؟. استوقفت تلك المرأة لتصويرها، وكانت نيتي السخرية منها، فقلت لها يا سيدتي

لماذا ترفعين تلك اللافتة العجيبة.. أولى بك أن تضعيها في وجه السلطة لا المتظاهرين المسالمين الذين تعرضوا للقتل والضرب المبرح؟.. قالت المرأة بالإنجليزية: لقد جئت لأحذركم من خطر مقابلة العنف بالعنف والرد على إساءة الشرطة بنفس السلاح. لم أكمل الحوار مع السيدة التي علمت من كلامها أنها هندية الأصل، تتبنى نظرية المهاتما غاندي في مواجهة الاحتلال البريطاني، والتي تدعو الطرف صاحب الحق والأرض إلى عدم مواجهة المحتل وهو يطلق الرصاص الحي على المطالبين باستقلال وطنهم. بعد مرورها في اتجاه الميدان بسرعة ، عرضت صورها على الزملاء على سبيل التندر بأفعالها، فقد كنت وقتها على يقين بأن الحالة الثورية التي كنا عليها، لم تدفع أي منا على الرغبة في قتل رجال الشرطة الذين ضربونا بالرصاص وسط الميدان، قبل انهيارهم بساعات، ولم يكن يجرؤ أحدنا على خدش سيارة متوقفة على جانب طريق المتظاهرين أو المساس بالمحلات ذات الأبواب الزجاجية الشفافة.
اليوم أصبحت مدينا لهذه السيدة بالاعتذار فالآن فقط تذكرت كم كان المرء غافلا عما حذرتنا به تلك المرأة الهندية. فقد ضاعت بيننا لغة الحوار ورفعنا آلة الصدام الحادة في مواجهة كل رأي ووجه. ولم يسلم تيار سياسي أو ديني عن استخدام تلك الآلة إلا قلة نادرة ينظر إليها البعض بسخرية أو شفقة في أحسن تقدير، لظنهم أن لغة الحوار لن تكون أبدا هي اللغة الحاسمة لمواقفهم أو جذب أنصارهم ونظرات عدسات التلفاز. فهناك حالة استنفار أمني بين الجميع، فانتهي عهد الكلام الجميل، والتصريحات الرصينة للفرقاء والسياسيين. ولم تخرج النخبة الدينية عن تلك الحالة المزرية. فهناك من يكفر الساسة والخصوم ويصدر فتاوي بالقتل، ولدينا من يرتدي ثوبا دينيا وقلبه أسود كالغراب، ويعوى في الحوار كالثعالب وينعق في الإعلام كالبوم. هناك مزايدة على دور الدين في إدارة الدولة وحل الأزمة واختارات الصفوة العاقلة من هؤلاء الانزواء، أو الاكتفاء بالترجي دون أن يكون لها رأي حاسم أو إدانة الطرف الباغي عن الحق.
من عجب أن نرى الذين يرفعون شعار «صدام لا حوار» يهرعون إلى طلب المودة مع الأجهزة التي كانت تحمي الفاشية وفلول النظام الفاسد، أو الدول الأجنبية وإن كانت تستهدف مصلحة العدو قبل أهدافها. فلا غرابة إذن أن نجد المجتمع انقسم إلى فريقين؛ أحدهما يرفع شعار «ها آخد حقي بيدي» والآخر يبحث عن السلامة بالانضمام إلى حزب «الكنبة» والمشي جنب «الحيط»، وكأن البلد لم نشهد ثورة أو لم تحرك دماء الشهداء النخوة والغيرة في قلوب المواطنين على حريتهم وكرامتهم. كنت أتمنى أن تصبح لغة الحوار هي الجامع بيننا والمانع من سفك الدماء. فالرصاص عندما يخترق الجسد لايفرق بين طرف وآخر، فلون الدم واحد والمقتول واحد من بين المصريين.
[email protected]