رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حزب الواحد.. ونص

 

العب يا حزب الواحد ونصف كما تشاء، فالساحة فارغة من الخصوم والجمهور واخطف المقاعد التي تسعدك، ولكن اعلم أن من يضحك أخيراً يضحك كثيراً، وبالقطع لن تكون آخر الضاحكين!

وضع الحزب الوطني نفسه في ورطة، لأنه اختار ممارسة الديمقراطية  وفقا لهوي شخص يريد الانقضاض علي كرسي أبيه ونصفه الآخر الذي يخطط له ويأمر فيطاع. فالجولة الأولي للانتخابات كشفت أن ضمانات الرئيس مبارك بأن تكون نزيهة وشفافة، مجرد تصريحات أطلقها في اجتماع حزبي أشرف علي إعداده أمين التنظيم بالحزب الوطني أحمد عز وجمال مبارك أمين لجنة السياسات،الذي حدد المتحدثين وجهز كلماتهم. ورغم وجود بعض عقلاء الوطني في الصورة أثناء المعركة الانتخابية من أمثال صفوت الشريف والدكتور علي الدين هلال، فإن تنفيذ المشهد خضع لنصف جمال الآخر، الذي ظهر كـ »نيرون« حارق روما.. فأمين التنظيم أصر علي أن تأتي النتائج علي هواه، فلم يكفه تصفية خصومه أو من يعاملونه بندية داخل الحزب الحاكم، بل أهان رموزاً كبيرة من أمثال الدكتور شريف عمر رئيس لجنة التعليم بمجلس الشعب والدكتور مصطفي السعيد وزير الاقتصاد الأسبق باسقاطهم عمدا، وشق وحدة الصف في كيان سياسي يهيمن علي إدارة مقدرات الدولة، بفتح المنافسة بين أكثر من عضو علي المقعد الحزبي. وتوجه بنفسه إلي مقار انتخابية كي يشهد سقوط رموز للمعارضة من أمثال الزميلين حمدين صباحي ومحمد عبد العليم داود في كفر الشيخ، وأدار مهزلة الانتخابات التي لم تشهد مصر لها مثيلا إلا في عهد الاحتلال البريطاني الذي ساعد اسماعيل صدقي باشا علي الاطاحة بالدستور وحزب الوفد صاحب الأغلبية في الشارع المصري.

لم تكن عمليات التزوير والبلطجة والرشوة مستبعدة ولكن ثقة الناس في الوعد الرئاسي وبقية من رجال الدولة، جعلت أمل المرشحين و الناخبين وخاصة من الأقباط في ممارسة دورهم الدستوري أملا ممكنا، حتي جاء وقت حسم المعركة وظهرت أنياب ومخالب ذئاب الحزب الحاكم. فنجل الرئيس فارع الطول عندما يقف مع أمين تنظيمه يشكلان رقم واحد، حيث يظهران كرقم 10 ويبدو للناظرين أن هناك رجلاً يواري نصف رجل آخر. هذه العلاقة الحميمية بين الرجلين، خلفت لدي النصف رغبة في أن يشار إليه بالبنان بأنه صاحب فضل علي رجله الأول وربما خلقت في نفسه جنونا للعظمة، جعلته ينسي أن هناك رئيساً للدولة وعد الناس بأن تشهد البلاد أنزه انتخابات. ومن المؤكد أن دوافع جنون العظمة تنسي صاحبها قيمة من حوله ولو من في مكانة صفوت الشريف أو علي الدين هلال وغيرهم، فهؤلاء بالنسبة له أصفار علي الشمال، وهم يتكلمون عن الماضي ويلتقطون أنفاسهم بالكاد مع الحاضر بينما هذه النوعية تتكلم  عن المستقبل، الذي يضعون لبناته ويحددون شكله وفقا لأغراضهم.

لذلك لم يكن غريبا أن تحدث مهزلة الانتخابات لأنها لم تعبر عن مؤسسات دولة بل رؤية رجل ونصفه الآخر، فلا هي التزمت بقواعد القانون ولا احترمت القضاة والموظفين المشرفين عليها، بل أشهرت سيف البلطجة وسطوة أميني الحزب الحاكم فوق رقاب الجميع. وعبرت النتائج في جولتها الأولي عن هوية مديريها اللذين أشعلا نارا في قلب الوطن. فلم يحترما كلمة رئيس البلاد، ولا صانوا وعده، ولم يتركوا فرصة لقبطي أو مسلم للإدلاء بصوته واختيار مرشحه، ولا سمحوا لرجال الحزب الجيدين والمعارضة الممتازين من حصد مقعد نيابي. حولوا الانتخابات إلي لعبة يلهون بها، وكعادة هذه النوعية من البشر التي تشعر بنقيصة في العقل أو الجسد أن تنفرد للعب مع أنفسها، وإن استهواهم أن يشهد علي لعبهم الآخرون، حتي يستمتعوا بمشاهدة الغيظ الذي ينتابهم، لأنهم يعتقدون أن صاحب العجز يمكنه أن يتحول إلي معجزة، إذا تمكن من إذلال الآخرين.

وقعت الواقعة، مع ذلك يريد الحزب الوطني الذي يديره رجل ونصف أن نشاركه في تكرار المهزلة التي دخلناها أول مرة. لا يؤمن هؤلاء بمن قال إن المرء لا يلدغ من جحر مرتين،

ويعتقدون أن المصريين يجب أن يلدغوا من سمومهم كل يوم بل كل ساعة، إلي أن تزهق أنفاسهم أو يصيبهم العطب. فهؤلاء لم تختف عندهم حمرة الخجل من ارتكاب أي جرم أو إشهار فجورهم السياسي. ولا يهمهم أن نشعر بالعار من أفعالهم أو يعايرنا الآخرون بمايفعلونه بنا. فمجلة عريقة مثل مجلة »الإيكونومست« البريطانية ذكرت أمس الأول: أن المصريين مهرة في تزوير الانتخابات ولا يحاولون التجمل، مؤكدة أن »خفة اليد« التي يشتهر بها المصريون لا تزال في محلها. هكذا أصابنا العار مرتين، في الأولي من العهر الذي فعل بنا، والثانية عندما أصبح عهر الآخر لصيقاً بنا جميعا.

لقد جاء انسحاب الوفد من الانتخابات في محله، فمن أجل مصر خضنا الانتخابات، حتي لا يقال عنا اننا نخشي خوض غمار المعارك، ونسعي إلي الشهرة عبر صحف وفضائيات وبعيدا عن الهموم الحقيقية للمواطنين. وجاء انسحاب الوفد أيضا من أجل مصر، التي يديرها حزب احترف التزوير والبلطجة واهدار أموال الدولة. في الحالتين جاءت الكلمة من رجال وعبر مؤسسات الوفد وعلي مشهد من الناس ومباركة المواطنين. فالوفد منذ الأزل يلد رجالا، ولم يعرف في تاريخه أنصافهم. ويعتبر أن قيمة الرجل ليست في طول قامته أو قصرها، بل في كبر عقله وعظمة أعماله، فلم نجد من بينهم من يريد حرق البلاد بمن فيها لمجرد أن يثبت للآخرين أنه العقل المدبر لكل مؤامرة وصاحب الفضل علي الوريث. لذلك لم يشعر أنه في مأزق من موقفه أو في ورطة من قراره، بل جاء تأييد الناس علي مختلف طوائفهم سندا لمواجهة الشرعية في وجه نظام أصبح فاقد الشرعية. نظام يتحكم فيه شخص يريد اللعب علي هواه ونصف يبدو كالطفل المستبد برأيه والمغرور بقوته ولا يعلم أن سكوت الآخرين عن أفعاله لعلمهم بمدي ضعفه وهوانه علي نفسه وأمام الآخرين.

اليوم يواصل الحزب الحاكم مسيرته في التزوير والتزييف، وسيخرج بكل جرأة علي الملأ ليقول إن الانتخابات ـ كالعادة ـ تمت بنزاهة رغم أن الساحة التي يلعب فيها تخصه وحده واقتصر دخولها علي لاعبيه.. ستاتي التصريحات من قيادات الوطني »فشر ولا أبو لمعة الأصلي« الذي كان يلعب مباراة كرة القدم بـ 22 كرة، حتي يتيح الفرصة لكل اللاعبين بتسجيل الأجوال التي يريدها وفي الوقت الذي يختاره، فلا يحتار في اللعب ولا يهمه ما انجزه ولا سجله الآخرون. فالعب يا حزب الواحد ونصف كما تشاء، فالساحة فارغة من الخصوم والجمهور وسجل الأهداف التي تسعدك، ولكن اعلم أن من يضحك أخيرا يضحك كثيرا، وبالقطع لن تكون آخر الضاحكين!.

[email protected]