رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قبل الاعتذار لتونس والجزائر.. حاكموهم!

 

دفع المصريون البسطاء ثمن الرعونة وقلة الأدب التي حاكها رجال جمال مبارك من اللاعبين والإعلاميين والفنانين ورجال الأعمال والساسة الذين كانوا يتحركون كالدمي، ويقفزون كالبلهوانات للترفيه عن الرئيس وأبنائه.

 

بعد غزوة الجمهور لاستاد القاهرة الدولي الأسبوع الماضي، رفع رئيس الوزراء عصام شرف سماعة التليفون واتصل بنظيره التونسي مقدما لبلاده الاعتذار عما بدر من تصرفات مشينة ضد لاعبيه، وبـ"المرة" أجري اتصالا آخر مع نظيره الجزائري لإبداء أسفه عما ارتكبه لاعبونا وجمهورنا من أخطاء ضدهم في نهائي تصفيات كأس العالم السنة الماضية. مبادرة الدكتور شرف جاءت تلقائية وتعكس روح مصر الجديدة المتسامحة مع نفسها، ولكن اعتذار الكبار لا يجب أن يكون بهذه الصورة. فالجريمة التي ارتكبها شبابنا ضد التوانسة والجزائر لم تتوقف عند حدود غزو الملعب ولم تبدأ مع مباراة الزمالك أو الجزائر ولكن حدودها أعمق بكثير.

لقد صنع النظام السابق جرحاً لم يندمل بعد بين مصر والجزائر، حينما شق قلب العلاقة الأخوية بين الشعبين، قبيل مباراة فريقي البلدين في القاهرة في نفس الوقت من العام الماضي، حيث اعتدينا بقسوة علي لاعبي الجزائر في مطار القاهرة وبعد وأثناء المباراة. وها هي الشهادات المكتومة تخرج علي الملأ، بعد أن اعترف حارس الفريق القومي محمد عبد المنصف في بلاغ للنائب العام، بأن الاعتداء علي لاعبي الجزائر كان عملية مدبرة من قيادات في الاتحاد المصري لكرة القدم، بهدف التأثير عليهم معنويا وهزيمتهم من أجل أن يفرح ابن الرئيس المخلوع جمال مبارك، حيث كانوا يعتبرون فوز مصر بالمباراة وتأهلها لكأس العالم أول قفزة في اتجاه احتكار جمال لكرسي الحكم خلفا لأبيه. كما أثبتت الأيام صحة ما قلناه مرارا عقب ما أسموه معركة الخرطوم بين الفريقين المصري والجزائري التي خرجنا بعدها من تصفيات المونديال، بأن ما فعله الحزب الحاكم ورجاله كان جريمة وقعت ليست فقط في حق الجزائر والسودان بل في حق المصريين جميعا.

فالجريمة كنا شهودا عليها وسجلناها بالصوت والصورة وحاولنا عرضها علي شاشات التلفزيون والفضائيات المصرية، فلم يستجب لنا إلا قناة الساعة التي سجلنا بها شهادتنا للتاريخ، عدا ما نشرناه علي صفحات جريدة »الوفد« من وقائع ومقالات. وتتلخص الجريمة في أن ابن الرئيس المخلوع استخدم اللاعبين والساسة ورجال الأعمال والاعلاميين في تضليل الرأي العام، بفبركة فيلم عن حمل الجمهور الجزائري لأسلحة بيضاء أثناء مباراة الخرطوم، لتهديد اللاعبين والجمهور المصري. هذا الفيلم أذيع في كافة القنوات الفضائية الخاصة وطبعا الحكومية بالأمر من مكتب جمال مبارك في الحزب الوطني الذي تمكن من خلال رجاله المدسوسين في كافة برامج "التوك شو"، ومازال بعضهم يمارس هذه المهمة حتي الآن، من إذاعة الفيلم المنقول من الانترنت عن وقائع سابقة تحدث عادة في الشارع الجزائري. الفيلم المخادع أظهر أن الجزائريين عبارة عن بطلجية ومصاصي دماء، وجاء ذلك مواكبا لكلام أذاعه علي الهواء الإعلامي عمرو أديب عن تعرض مصريات للاغتصاب في شوارع الخرطوم وما نقله جهابذة النقد الرياضي، بأن الجزائر بلد المليون عاهرة، وغيره من السفالات والكلمات المنحطة التي رددها أبواق النظام البائد، الذي تطل رموزه حتي الآن "غصب عنا "عبر الفضائيات والقنوات المرئية والمسموعة.

لم يتحرج النظام البائد في أن يجبر أستاذي السابق علي الدين هلال أمين الإعلام علي عقد مؤتمر صحفي ينفي فيه صحة ما نشرناه من أكاذيب قالها جمال مبارك وزمرة المنافقين من حوله، والتي أكدنا فيها أنه كان أول من غادر السوادن بعد هزيمة الخرطوم، وأن ما ذكره إعلاميون وفنانون عن أسباب الخسارة من قبيل الكذب البين. كانت هذه الحرب الإعلامية المنظمة والمدبرة كما شهد شاهد منهم بعد فوات الأوان، المفجرة لغضب الشارع الجزائري الذي هاله أن يري مصر الكبيرة يتصرف رجالها بغباء وقلة أدب لم يعتادوها منهم أبدا، وهي التي دفعت بعضهم إلي الاعتداء علي المنشآت وكل ما يرونه مصريا في شوارعهم.

قلنا وقتها إن أفعال الصغار تحملها الكبار، ولم تكن سمعة مصر هي الخاسر الأكبر فقط، بل الشعب المسكين الذي تعرضت شركاته إلي تدمير شامل، ومنها شركات المقاولون العرب واليجيكت العامة للكهرباء وسوديك وأوراسكوم. وعاد آلاف المهندسين والفنيين ممن فقدوا أعمالهم ولم ترد حقوق شركاتهم حتي الآن. وشعر الكثيرون بأزمة الغاز، حيث كانت الجزائر

تمنحنا امتيازا خاصا في تسعير أنبوبة البوتجاز يصل إلي ربع القيمة التي تبيعها للجمهور الأوربي، فوصلت سعر الأنبوبة في السوق المحلي 30 جنيها بعد أن قطعت العلاقات بين البلدين.

دفع المصريون البسطاء ثمن الرعونة وقلة الأدب التي حاكا رجال جمال مبارك من اللاعبين والإعلاميين والفنانين ورجال الأعمال والساسة الذين كانوا يتحركون كالدمي، ويقفزون كالبلهوانات للترفيه عن الرئيس وأبنائه. تحمل الغلابة خسائر المنتخب التي انفقت علي مباريات تافهة، بل الملايين التي خصصها الرئيس لفريق مهزوم، لمجرد أن لاعبيه ومدربه مارسوا البكاء في حضرة الرئيس ندما علي هزيمة كروية كان النظام يعتبرها معركة سياسية لتحديد مصير نجله في الحكم. لقد اختلط الجد بالهزل، ولم ينتفض إلا قلة من عقلاء الأمة لطرد شبح الحرب المفعتلة بين مصر والجزائر التي كاد البعض أن يحولها إلي معركة عسكرية بالفعل، أدرجت في قائمتها السودان في وقت كنا نحتاجه أن يصطف معنا في معركتنا المصيرية للدفاع عن حقوقنا التاريخية في مياه نهر النيل.

ليس من حق الدكتورعصام شرف أن يكتفي بتقديم الاعتذار للشعبين الجزائري والتونسي بهذه الطريقة. فاعتذار المصاطب أو الهواتف التليفونية غير كاف من دولة كبيرة مثل مصر. كان أولي بالدكتور عصام شرف أن يفتح تحقيقا شاملا في هذه القضية، فهناك ملايين أهدرت في معركة وهمية ، وهناك المليارات التي فقدناها في الجزائر، وفرص العمل التي ضاعت علي الآلاف، وكما نريد أن نستردها علينا أن نرد للجزائريين حقوقهم. حق الجزائر علينا لا يتوقف عن الاعتذار بل تقديم الجناة إلي القضاء، والحكم عليهم بما يستحقونه من عقاب، خاصة أن بعض من ارتكبوا هذه المصائب مازالوا يمارسون مهامهم الرسمية والإعلامية وكأن شيئا لم يحدث مطلقا والدنيا لم تتغير في عيونهم، بل يريدون امتطاء الثورة والركوب علي أكتاف رجالها بشتي الطرق.

الثورة قامت للتغيير والمحاسبة، ولكن مازال أهل الفتنة في مواقعهم، ويمتلكون نفس القنوات والأبواق والامكانات لوأد أية محاولة لمحاسبة أمثالهم، لحين موت القضية أو الشهود العدول. وليس بخاف علي أحد أن غزوة الاستاد الأخيرة لم تكن فقط عملية مدبرة بل هدفها تشويه انجازات شعب ثائر واظهار النظام الحالي بالضعف وعدم قدرته علي حماية شعبه وضيوفه. فالقضية هنا كما كانت في الوقائع الأولي، لا تتوقف عند لعبة كرة القدم، بل قوة الأمن القومي برمته، وكذلك سمعة البلد التي وضعت علي المحك في لحظة تاريحية.ونعتقد أن التهاون في حماية إخواننا التوانسة لا يكفيه اعتذار وإن قبله الآخرون عن طيب خاطر، بل يجب أن تمتد يد العدالة لكل من أهانوا البلد قبل أن يعتدوا علي الضيوف وسيادة الدولة، وهنا فقط ستعود مصر الكبيرة إلي أهلها ومحبيها، بعد أن تضرب بيد من حديد علي كل تسبب في اشعال الفتنة بين إخوة يعيشون في مصر أو تونس أوالجزائر.

[email protected]