رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

حوار مع صديقى الصيني

رآني مهمومًا بما يحدث في مصر، فالثورة التي قمنا من أجلها، يتخاطفها الماهرون في اللعب على الحبال، وذوو النوايا الحسنة يتوارون عن الأنظار، ومنهم من يؤثر السلامة بالجلوس بمقعد المتفرجين. قال صديقي: الأيام الصعبة تمر ببطء ولكن في نهاية المطاف لن يتوقف الزمن، ولا الأحداث عند المشاهد العبثية في ميدان التحرير

. أقر بأنني عرفت الصبر من الآيات العديدة المذكورة في القرآن الكريم، ولكن لم أتعلمه إلا على يد الحكماء الصينيين، الذين يسبغونه بمنهج يدفعك للتسامح مع النفس والآخر، فتجعلك ترى المأساة التي تحيط بك وكأنها فيلم لست مغروسًا في أوحاله. سألت صديقي: أتعجب كثيرا من نجاحكم في تحقيق التقدم الذي أنجزتموه، وقدرتكم في نقل القيادة من جيل إلى جيل، كما حدث في الأسبوع الماضي، بتغيير قيادات الحزب الحاكم، وانتهاء ولاية الرئيس هو جينتاو ورئيس الحكومة والبرلمان.
قال الرجل: ما هو العجب في ذلك، فنحن لسنا ملائكة تطير في السماء، ولا نملك سحر الجان، ولا أفضل منكم في شىء. قلت ما يعجبني في التجربة الصينية، أنها خرجت من بيئة مماثلة للبيئة المصرية، التي تكن الولاء للكبير، إيا كان موقعه، ولم تعرف الديمقراطية وفق الأسس التي نتعملها عن الغرب، وبها مشاكل اجتماعية وقوميات وأعراق شتى، مع ذلك نجحت الدولة في إدارة هذه الأمور بمشقة، وبلغت منزلة عظيمة، مكنتها من أن تصبح أمة رائدة، خلال سنوات!. ذكرني الرجل بما قاله أساتذة الجامعات عند حضورنا مؤتمر بكين لحوار الحضارات بداية الشهر الحالي، وإصرارهم على أن مصر دولة عظيمة ورائدة في المنطقة. فلم يختلف مفكرو جامعات أوربا أو الولايات المتحدة وطبعا الصين وغيرها، على أن مصر هي محور التقدم في الشرق الأوسط. فالكل يراهن على أن نجاحها في اجتياز الأزمة التي تمر بها حاليا، هو مفتاح المستقبل لدول المنطقة. فرغم ثراء بعض الدول حولنا إلا أن الخواء الثقافي والحضاري يحول دون قدرتهم على ممارسة دور مصر التقليدي، ومع التقدم الهائل الذي تشهده اسرائيل إلا أن وجودها على أرض مغتصبة، ووسط حجم الكراهية الدولية لها، لن يمكنها أبدًا من قيادة الشرق الأوسط أو التلاحم مع شعوب المنطقة.
أحببت العودة بالنقاش إلى مساره الذي بدأناه في بكين، وكان عجبا أن أرى عددا كبيرا من الأساتذة الصينيين قد حضروا إلى مصر وبعض الدول العربية، للتعرف من أرض الواقع عما يدور بها. وسعدت بصحبة صديقي البروفيسور وو بنغ بنغ عميد كلية الدراسات العربية بجامعة بكين، والسفير يانغ فوشيانغ نائب وزير خارجية الصين وسفيرها الأسبق بالقاهرة، والدكتور هيو كونغ جيو الأستاذ بجامعة بكين والدكتور ليو زونغ جيمن مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية. الجامع المشترك بين الخبراء الأربعة ليست قدرتهم على التحدث بالعربية مثل المصريين الذين تعلموا بينهم لعدة سنوات، ولكن عشقهم للنيل وقناعتهم بأن مصر هي « رمانة الميزان»، وبدونها يختل العرب وتضيع دول المنطقة. دار الحديث طويلاً حول أسباب النجاح الذي حققته الصين، وأدلي الصديق سونغ أيقوه سفير الصين بالقاهرة بدلوه في هذا الأمر بصفته الرسمية، وانصرف تاركا لنا حرية الحوار كأصدقاء قدامى. بخبرة السنوات التي شارفت على الثمانين قال نائب وزير الخارجية الصيني، أنتم تتوقفون كثيرا عند التجربة الصينية، بعد أن حققت إنجازات، ولا تعلمون أن مشاكلكم اليوم هي نفس المشاكل التي عانينا منها في الماضي. فنحن حرصنا على تحقيق الإصلاح الاقتصادي بخطوات تدريجية تتوافق مع التحولات الاجتماعية، مع ذلك ظهرت في الطريق بعض العيوب التي عملنا على تلافي آثارها. نحن خلقنا تجربة صينية خالصة لا هي رأسمالية ولا شيوعية ولم تتوقف عن المبادئ الاشتراكية بمفهومها القديم. قال الرجل: أعلم أنكم تبحثون عن نماذج للتنمية، البعض يتجه إلى إيران وآخرين لتركيا أو غيرها، وهذا غير ممكن على الإطلاق، فمصر أكبر من أنها تستورد أية تجربة جاهزة. فلن يتغير الواقع المصري بمبادرة للتنمية تعبر حقيقة عن آمال وطموحات الشعب المصري. وعليكم أن تواجهوا المستقبل بكل شفافية وصدق،

فلا يمكن أبدًا أن تتحمل الحكومة دفع موارد الموزانة في دعم السلع مهما كانت أساسية، لأن الوقت سيأتي حيث لن تستطيع دفع هذه التكاليف. فعليكم أن تفكروا في كيفية الخروج من هذا المأزق، بما لا يخل بحقوق الفقراء ويمنع الانفلات الأمني، ويجعل الحكومة قادرة على زيادة الاستثمارات وجذبها من الخارج. فالحكومة الفقيرة لن تزيد الشعب إلا فقرا، والسلطة هي التي تقود الشعب للأمام، وليس العكس.
بحماس كبير انطلق الدكتور هيو كينغ أو كما يحب أن يطلق عليه العرب البروفيسور «بسام»، وقال:أستطيع بكل جرأة، وبحكم موقع القاهرة التي هي في قلبي، وشعب مصر الذي أمتن إليه بعلمي وخبراتي ومياه النيل التي روت عطشي، أن أقول إنكم لم تستفيدوا مما حدث من تحولات خطيرة بعد الثورة. فأنت أسقطم الديكتاتوريات ليس في مصر وحدها بل في المنطقة، وأنتم قدمتكم نموذجًا للتغيير، ولكن تركتم الحبل على الغارب لحالات الفوضى والانفلات الأمني والنزعة الطائفية التي تهدد المنطقة. وقال الرجل بصراحة تحتاجون إلى مراجعة للسلبيات الكامنة في العقل العربي، فلديكم العديد من القضايا التي لم تتعرض للمناقشة والمساءلة عبر قرون طويلة، وتجديد ثقافي يخلق نموذجا وطنيا متضمنا كافة التفاصيل التي يخشى البعض الاقتراب منها حتى الآن، والبحث عن حلول عاجلة للإصلاح اقتصادي يحافظ على لحمة الشعب ويمنع البيروقراطية والفساد ويجذب الاستثمارات الأجنبية التي تعاني من البطء الشديد، وعدم الترحيب بها من قبل الموظفين وبعض الأفراد.
اتفق المتحدثون على أن تحقيق هذه الأمنيات ليس بالأمر المعجزة، وهم صادقون في ذلك، فمن خبرتنا نعلم أن الصين مرت بمشاكل كثيرة في طريقها نحو الاصلاح الاقتصادي، الذي انتقل إلى مرحلة الاصلاح السياسي تدريجيا، بحيث خلق نموذجا جديدا لانتقال السلطة، في مجتمع يمثل خمس الكرة الأرضية، بما يحافظ على كيان الدولة وقوتها ويحول دول بقاء الحكام في أماكنهم للأبد أو توريثهم السلطة لأنجالهم وعوائلهم. مع ذلك هناك فساد تتم مواجهته بحسم، وارتفاع في الأسعار، تدفع الدولة لرفع الرواتب من أجل الحد من تأثيرها سلبا على المواطنين، والفروق الاجتماعية بين الأفراد والمناطق، تحاول الدولة السيطرة عليها بموازنة قوية تخلصت من أعباء دعم السلع،وتكتفي بدعم الخدمات المهمة المتعلقة بالصحة والتعليم والمرافق العامة. عندما سرنا في ميدان التحرير ليلة الجمعة الماضية، همس صديقي في أذني قائلا: أعلم بأن مصر، ليست هذا الميدان، ولكن الظاهر أمام العالم، أن مصر ملتهبة ويتخطفها الإرهاب والانفلات الأمني، وأنت تعلم أن رأس المال جبان، فلن يأتى مستثمر دون تحقيق الاستقرار، ولن يطرق بابك دولة تعلم أن قرارك متخبطا، عليكم أن تخرجوا مصر من أسرها، بصناعة نموذج مصري خالص للاستقرار والديمقراطية والتنمية.
[email protected]