عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بعد الصين.. العالم يتغير ومصر للخلف در!

بانتهاء الاجتماع الثامن عشر للحزب الشيوعى الصينى الأسبوع الماضى، واختيار رئيس جديد للصين، اكتمل المشهد السياسى فى الدول الكبرى، الذى سيرسم ملامح فترة تمتد من 4 إلى 10 سنوات. تغير العالم من حولنا، فعاد أوباما إلى البيت الأبيض، حاصلاً على دعم الأغلبية، بعد أن وعدهم بتنفيذ برنامج بسيط، قامت من أجله الثورة المصرية.

هذا البرنامج يتخلص فى فقرتين: لا ضرائب جديدة على الطبقة المتوسطة وبالطبع ما تحتها، وتطبيق برنامج طموح للرعاية الطبية والاجتماعية. أى باختصار تحقيق العدالة الاجتماعية التى كنا نتغنى بها فى ميدان التحرير وميادين مصر كلها. لم يكن انتصار أوباما أول القصيد، بل سبقه فوز التيار ذى التوجه الاجتماعى فى فرنسا وإسبانيا وغيرها، فالعالم أدرك أن الأزمة الاقتصادية الطاحنة، التى أصابته سببها، توجه الرأسمالية المتوحشة التى قادتها عصابة الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن، وحاولت جرجرة العالم إلى نهجها، فى العقد الماضى. هذه السياسة التى انتهجها النظام المصرى السابق وكان ولعاً بها هى التى كسرت ظهر الدول، منذ سنوات.
فى الصين التى أحب دوماً أن ألفت النظر إلى تجربتها، نظراً لتشابه الأوضاع الاجتماعية والتاريخية، وتركيبة النخبة السياسية والعقلية الشرقية، قدمت خلال الأسبوع الماضى نموذجاً حياً للدول النامية، حول كيفية انتقال السلطة من جيل إلى آخر. هذا النموذج الذى وصفته هيئة الإذاعة البريطانية فى تقرير منشور على موقعها الإلكترونى بأنه «خطوة تشير إلى سلاسة فى نقل السلطة بصفة رسمية من الجيل القديم إلى الجيل الذى يليه». فبعد عشرة أيام من الاجتماعات المتصلة لنحو 2500 قيادة حزبية فى المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعى الصينى، تم اختيار 25 عضواً فى اللجنة المركزية للحزب، والتى اختارت بدورها لجنة السبعة التى ستقود البلاد لمدة 5 سنوات تمتد إلى 10 سنوات وفقاً لما اعتادوا عليه خلال العقود الثلاثة الماضية. وقامت لجنة السبعة والتى كانت تتكون من تسعة أشخاص فى الماضى، باختيار شى جين بينغ البالغ من العمر «58 عاماً»، كسكرتير عام للحزب الشيوعى، تمهيداً لتسلم السلطة من الرئيس هو جينتاو المنتهية ولايته فى مارس 2013. وسيتم تعيين رئيس مجلس الدولة (مجلس الوزراء) ورئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان) من بين لجنة السبعة وهى المُسماة باللجنة الدائمة للمكتب السياسى للحزب الشيوعى الصينى.
ما يهمنا من التغييرات التى حدث فى أمريكا وأوروبا وفى ختامها الصين، أنها انطلقت من أجل الشعب، لذا حرص كل طرف منهم على توجيه رسالة لمواطنيه، مدعمة بشرح واف لكيفية تنفيذ ما وعد به. وقد تابعنا على الهواء مباشرة كيف بدأ الرئيس أوباما عمله، برفضه فرض ضرائب جديدة على الطبقة الوسطى مطالبا الأغنياء بتحمل ساعة العسرة، لأن الشعب «مش ناقص» ولأن الاقتصاد لا يتحمل فرض هذه النوعية من الضرائب. أما فى الصين، فقد حرص الرئيس هو جينتاو الذى شن حرباً على الفساد خلال السنوات الخمس الماضية، أن يوصى فى كلمته الختامية أمام مؤتمر حزبه، بأن تستمر القيادة الجديدة فى محاربة الفساد، باعتباره العدو الأول للدولة الصينية والشعب، محذرا بأن التهاون معه لا يهدد اقتصاد الدولة فحسب بل كيان الدولة برمتها. ولم يترك هو جينتاو المنصة الرئيسية قبل أن يقول: «إذا فشلنا فى معالجة هذه المسألة» الفساد بالشكل الصحيح قد يشكل هذا الفشل نكبة لحزبنا وربما يؤدى إلى انهياره وانهيار الدولة». ويعتبر الرئيس هو جينتاو ورئيس مجلس الدولة الذى عمل معه بكفاءة ون جيا باو من أكثر المسئولين حربا على الفساد الذى ظهر جلياً فى الصين، مع نمو الاقتصاد وتزايد دور الأجهزة الإدارية والمحلية فى الدولة، فى توجيه قرار أصحاب الأعمال. وقد استغل الغرب قضايا الفساد فى ابتزاز الصين، عندما يناقشهم فى رفع سعر الصرف، بما يهدد بزيادة ارتفاع الأسعار، الأمر الذى يثير مخاوف الحكومة والمواطنين، ويدفع الميزان التجارى الصينى إلى التراجع وانكماش النمو والاستثمار.
لقد ذكرنا فى المقال الماضى، كيف أتت الحرب ضد الفساد على رؤوس كبار داخل الحزب الشيوعى والحكومة وكبار شخصيات بالدولة، مع ذلك لا يمكن أن يقاس بحجم الفساد الذى لدينا. فالرئيس المنتهية ولايته، شهدت البلاد فى عهده معدلات نمو عالية،

وتبوأت المركز الثانى اقتصاديا وأصبحت تمتلك أكبر احتياطى نقدى فى العالم، بما مكنها من مواجهة أعمق أزمتين اقتصاديتين، أدت إلى ترنح الاتحاد الأوروبى وتراجع الاقتصاد الأمريكى وأغلب الدول، بينما حافظت الصين على نسبة نمو تصل إلى 10% سنوياً على مدار 30 عاماً متصلة.
قبل اجتماع مؤتمر الحزب الشيوعى الصينى وجهت أجهزة الإعلام الدولية انظارها، إلى ما سيحدث من تغييرات فى مجتمع يمثل خمس سكان الكرة الأرضية. بعض الوسائل أثارت مخاوف من تفجر خلافات بين قيادات الحزب وخاصة الشباب وممثلى الأقاليم، فإذا هى تمر بسلاسة غريبة. أتت التغييرات بجيل جديد من القادة، فالرئيس عمره 58 عاماً، وزملاؤه لا يتجاوزون الستين، وأعضاء المكتب السياسى من أترابهم أيضاً، وهناك مجموعات من الشباب أصبحوا أعضاء فى قيادة أمور الدولة. فالصين التى كانت تتمسك فى الماضى بالقادة الكبار ممن يتجاوزن سن السبعين، أصبحت تؤمن بأن الشباب هم حملة المشاعل وقادة المستقبل. مع ذلك اعتبر البعض لقاء هو جينتاو مع الرئيس السابق زيمين، فى بداية اجتماعات الحزب نوعاً من التنسيق السياسى بين «عواجيز» الحزب ضد الأجيال الجديدة. فهؤلاء لا يعلمون أن الصين لا تتخلص من قادتها ولا رجالها بسهولة. فكل مسئول يثبت جديته فى العمل، يتحول إلى فئة من المستشارين أو كبار الحكماء فى النطاق الذى يعمل به، فلا يتبوأ مراكز ولا يحصل على أموال، ولكن كلمته تظل مطلوبه ورأيه يؤخذ به، واستشارته فى الأمور الجلل أمر واجب. فهناك اتصال بين الأجيال وتفاهم أكبر مما نتخيل، لدرجة أن قادة الحزب الذين ارتكبوا مصائب الثورة الثقافية، لا يمكن ذكرهم فى جهة رسمية بسوء إلا ما اتهم فى فساد مالى، باعتبار أنهم أخطأوا الهدف، ولهم شرف المحاولة.
لم يكن غريبا أن يبدأ الرئيس الصينى الجديد أعماله بعقد مؤتمر صحفى، يعلن فيه تمسكه بما أوصاه به سلفه، قائلاً: «لن نغتر بأنفسنا، ولن نكتفى بالمكاسب المحققة فى الماضى، ففى ظل الأوضاع الجديدة، يواجه حزبنا الكثير من التحديات الخطيرة، ومشاكل كثيرة تتطلب بالضرورة الحل، وخاصة الاختلاس والفساد والانفصال عن جماهير الشعب والشكلية والبيروقراطية وغيرها من المشاكل التى تحدث عند بعض الكوادر الحزبيين». ومضى شى قائلا: «يجب على الحزب كله أن يتحلى باليقظة والحذر فمن أراد أن يكون حدادا لا بد له أن يقوى نفسه أولا، وأن نتمسك بوجوب إدارة الحزب بانضباط صارم، لتحسين أسلوب العمل، ونوثق الروابط مع جماهير الشعب».
هذه وسائل التغيير فى الصين وغيرها، فماذا فعلنا نحن الذين ثرنا على الفساد والظلم، فما نلنا الخبز ولا الحرية ولا العدالة الاجتماعية، ويصب التغيير الذى فقدنا من أجله آلاف الشهداء، فى مصلحة مجموعات تريد السيطرة على الحكم بالمجادلة فى قضايا حسمت منذ عشرات السنين.
[email protected]