رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عندما حكمت مصر بين الصين واليابان؟!

كثيرا من المصريين يسمعون عن النزاع القائم الآن بين اليابان والصين حول جزر دياويو، الواقعة في بحر الصين. تمر الكلمات التي يسمعونها أو يقرأون عنها، مرور الكرام، لأنهم منشغلون في أغلب الأحيان بالجري وراء لقمة العيش وفي أحسن الأحوال بمتابعة ما يدور حولهم عن الصراعات السياسية والولادة المتعثرة للدستور الجديد. نظرة فاحصة لهذه القضية التي تقع أحداثها في أقصى الشرق، حيث تولد الشمس على نصف الكرة الأرضية، ستجد أن مصر  في بؤرة الحدث.

دخلت مصر القضية حيث كانت «أم الدنيا» حاضرة في كل شيء يدور في العالم. لم يمنعها وجود الاستعمار الانجليزي الرابض فوق صدرها، أن تمارس دورها الذي رسمه لها التاريخ منذ الأزل. لم يكن الدور الذي تمارسه مصر من فراغ، بل لأنها أمة عظيمة تمتلك مقومات الدولة، والشعب الواعي والأحزاب المستنيرة التي تجعلها تشارك في إدارة المنطقة، ولعب دور فعال على الساحة الدولية.
القراءة حول قضية جزر دياو يو قادتني مصادفة إلى معرفة تفاصيل تلك الأحداث، وربطها بما كان يدور في المنطقة خلال فترة عصيبة من تاريخ البشرية، وهي تلك المرتبطة بالحرب العالمية الثانية وما تبعها من أحداث جسام. فمصر التي رفضت المشاركة في الحرب العالمية الثانية حتى تظل دولة محايدة، من الأطراف المتنازعة في بداية الأمر، رغم ضغوط المستعمر الإنجليزي الذي حاول دفعها إلى الانضمام لمعسكر الحلفاء، ما لبثت أن أعادت النظر في تلك السياسة. أبدا.. لم يكن التراجع المصري قبولا للضغوط البريطانية، فبعد عامين من القتال المتواصل في الشرق الأدني وأوربا والغرب  أصبح من المؤكد أن الإمبراطورية التي كانت لا تغرب عنها الشمس في طريقها إلى زوال. وبرز في الأفق البديل التاريخي لها وهي الولايات المتحدة، التي تعرضت لهجوم مفاجئ من اليابان أدخلتها عنوة في أتون الحرب.
تحولت مصر مع حلول العقد الرابع من القرن الماضي إلى ساحة قتال، حيث غزا الألمان والإيطاليون مصر، من الساحل الشمالي الغربي، في طريقهم لاحتلال الاسكندرية وقناة السويس. كانت الأهداف واضحة، وهي ضرب خطوط عدوهم البريطاني واحتلال حقول النفط في الشرق الأوسط. شهدت البلاد انقساما حادا بين المثقفين والسياسيين، أسوأ مما نعيشه الآن، فهناك عدوان يواجهان البلاد، أحدهما جاثم فوق الصدور، ونرتبط معه بمعاهدة مرتبة زمنيا للاستقلال بعد انقضاء الحرب وآخر يسعى إلى احتلالها. يتذكر طلاب المدارس الذين درسوا عبقريات الكاتب القدير عباس العقاد كيف حزم الأديب أوراقه واتجه إلى السودان، هربا من الألمان، الذين وصلوا إلى مشارف الاسكندرية، ومنهم من اطلع على السيرة الذاتية للرئيس السابق أنور السادات وكتابه «إلى الأمام يا روميل». لعل الاطلاع على هذين النموذجين يوضح لنا كيف أن الصفوة المصرية انقسمت في الرؤى حول قضية مع من يتحالف المصريون؟. فالسادات وبعض العسكريين وحفنة من كبار الساسة رأوا في  انتصار الألمان وسيلة للقضاء على الاستعمار البريطاني، بينما انحاز «حزب الوفد» وكبار الساسة والمفكرين إلى ضرورة التصدي لهم بكل قوة وإن تطلب الأمر إعلان الحرب عليهم.
القضة التي واجهها المصريون يحتاجون اليوم إلى حسم رأيهم  بشأنها من جديد، وهي: هل يتحالف المصريون مع نظام فاشي استبدادي للتخلص من الاستعمار، وجاء الرأي الأخير منتصرا لرأي الوفد وقادته العظام، ومفكريه من أمثال عباس العقاد وممن التفوا حوله بعد ذلك، مثل الدكتور طه حسين وغيرهم. فهنا المقارنة كانت بين نظام يتخذ من القادة أصناما يقدسونهم ولو بلغ بهم الأمر إلقاء أنفسهم ووطنهم في النار أم عدو عاقل يمارس الديمقراطية ويؤمن بحرية الفكر والرأي!.
الانحياز المصري ضد الألمان صب في مصلحة المستعمر البريطاني، مع ذلك قبلت مصر المخاطرة بلقاء عدو ثان داخل حدودها الغربية. وعندما نعود إلى الصراع الدائر الآن بين الصين واليابان، سنجد كم كانت مصر كبيرة وقامة عظيمة يعتد بها. فقد استضافت مصر مؤتمرا دوليا عام 1943،عن النزاع القائم في حينه بين الصين واليابان على ترسيم الحدود. كانت اليابان تحتل مناطق شاسعة من الصين قبل الحرب العالمية الثانية، وحاولت أثناء الحرب فرض

واقع لا تغيره مجريات الأحداث، بأن أعلنت ضم جزيرة دياويو إلى أراضيها رسميا. وأطلقت اليابان على تلك الجزيرة التي لا تتعدى مساحتها نصف الكيلو متر اسم «سنكاكو». استضافت مصر وفدا من الطرفين عام 1943، وأجريت المباحثات تحت رايتها في فندق مينا هاوس، حيث قدم كل طرف حججه القانونية، وخرج الجميع بما يسمى في المحافل الدولية باعلان القاهرة.
بينت الأوراق أن جزيرة دياويو والجزر التابعة جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية منذ عهد أسرة مينغ (1368-1644). فقد اكتشف الصينيون جزر دياويو لأول مرة وقاموا بتسميتها واستغلالها، ومنذ القرن الرابع عشر والقرن الخامس عشر أدرجت الجزر في الخرائط الصينية. وتظهر الخرائط الأجنبية أيضا أن جزر دياويو تنتمي إلى الصين.  وعندما  صدر إعلان القاهرة في ديسمبر 1943، أوضح  بشكل صريح أن «كل الأراضي التي سرقتها اليابان من الصينيين مثل منشوريا وفورموزا (تايوان) وبيسكادورس يجب أن تعاد إلى الصين. وفي يوليو 1945، أكد اعلان بوتسدام في المادة الثامنة: «يجب تنفيذ شروط إعلان القاهرة وأن تقتصر السيادة اليابانية على جزر هونشو وهوكايدو وكيوشو وشيكوكو، وبعد ثلاثة أشهر، قبلت الحكومة اليابانية اعلان بوتسدام مع استسلامها وتعهدها الوفاء بالالتزامات الواردة في أحكام الإعلان بأمانة.
الموقف المصري القديم الآن هو الذي جعل معظم وسائل الإعلام الأوروبية  تقتنع بأن تحرك اليابان لـ«تأميم» جزر دياويو» يشير إلى صعود اليمين المتطرف في الدولة الآسيوية، وخاصة اليابان التي كان يحكمها في الحرب العالمية الثانية نظام فاشي متحالف مع الألمان. وكتبت مجلة «إيكونوميست» الاقتصادية البريطانية الشهيرة، «بمساعدة صحافة ساقطة، يمكن لحفنة من القوميين أن يكون لهم تأثير خطير خارج حدود اليابان»،  وذكرت وسائل إعلام أوربية: إن رئيس الوزراء اليابانى يوشيهيكو نودا أذكى النزعة القومية انطلاقا من اعتبارات السياسة الداخلية. وقالت صحيفة «لوموند»  الفرنسية إن نظام نودا الضعيف فشل فى الرد على اليمينيين بل أنه سعى إلى استغلال ذلك التيار، واتهمت الصحف  الألمانية اليابان بالإخفاق فى محاسبة النفس على تاريخها الاستعمارى.
كان إعلان القاهرة وراء إخفاق الحيل التي تمارسها اليابان للضغط على الساسة الغربيين  لتغيير الواقع  من خلال توزيع الكتيبات وإنفاق الأموال على الدعاية الضخمة، لأن مصر كانت كبيرة في مواقفها وحاسمة في خياراتها وانحيازها للحق. لذلك استحقت أن تكون قبلة العالم، ففي أصعب الأمور ، كانت الدول تأتي إليها لحل مشاكل مستعصية. ولم يمنع وجود الاستعمار أن تعلن مصر رفضها للأنظمة الفاشية القائمة على أساس عرقي أو ديني, وهو الأمر الذي ميزها عن غيرها من الأمم، فهي بلد تنصهر فيه الأعراق والأديان، ولا يدفعها هواها إلى دين الأغلبية إلى التشدد وحبها لعروبتها إلى التطرف ضد الآخرين.

[email protected]