رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ملفات شائكة بين مصر والصين

شتان بين الزيارة المرتقبة للرئيس محمد مرسي وزيارات حسنى مبارك التي كانت تنتظرها الصين. فالصين تتطلع اليوم لزيارة رئيس مصر ما بعد الثورة، على أحر من الجمر، لأنها تعرف قيمة هذه المهمة في وقت تحتاج فيه إلى مصر ودورها الريادي في المنطقة،

أكثر مما نحتاجه نحن منها. ومن واقع التجربة التي عايشتها في رحلات متكررة للصين، رأيت وسمعت تهكمات كثيرة عن الزيارة التي أجراها الرئيس السابق حسني مبارك للصين في نهاية القرن الماضي. فقد تندر الصينيون بما قدمته شركات التكنولوجيا المتقدمة من هدايا نفيسة للرئيس المصري وحاشيته، وفي نهاية الأمر لم يجدوا منه لا شكر ولا عرفان. وعندما اطلعت على أسرار تلك الهدايا التي تخشى الشركات الصينية الخاصة التحدث حولها، وبدأت منذ فترة تسريب معلومات حولها على استحياء  في ظل تبني رئيس الدولة هو جينتاو مشروع حكومي يحارب الفساد الإداري والمالي بشدة، علمت كيف أن الفاسدين في بلدنا لا يجدون رادعا  عن طلب الرشاوي من الشركات الدولية، وإلا فلن يكون لها مكان في مصر، حتى لو كانت تابعة لدولة كبرى مثل الصين أو غيرها.
من عجائب الأقدار أنى حضرت وضع حجر الأساس لمنطقة غرب السويس الصناعية، الذي وضعه الرئيس السابق، عام 1997 وزرت المنطقة مرارا مع الدكتور كمال الجنزوري في عهد حكومته الأولى، حيث تبني مشروع اقامة منطقة صناعية صينية ـ مصرية مشتركة. كانت الخطة تقضي بأن تتحول غرب السويس إلى مدينة كبرى لتجميع الصناعات المتقدمة تكنولوجيا وتصبح محطة ترانزيت بين الشرق بداية من الصين والهند وأندونسيا وماليزيا جنوبا، ومنها إلى قناة السويس أو الاسكندرية لغرب أوربا و أفريقيا. وعرضت مصر على الصين أن تقيم أول مشروع لها، فوافقت بكين على ذلك، ووقعت اتفاقا بين مدينة تيانجين وهي من أكبر المدن الصناعية هناك لرعاية ما يسمى بمشروع خليج غرب السويس " تيدا".
من هذه المنطقة خرجت فكرة التعاون الاستراتيجي بين مصر والصين الذي وقع منذ 12 عاما، ليشمل مجالات التصنيع والزراعة والتسليح وغيره . بعد خروج الجنزوري من السلطة عام 1999، فوجئ الصينيون بأن الأرض المخصصة لهم، قد قسمت إربا على كبار رجال الأعمال المحيطين بنجل الرئيس السابق، وخاصة أحمد عز ومحمد فريد خميس ومحمد أبو العينين. وجدت الشركات الصينية نفسها في مأزق إما أن تعلن عن الخروج من المشروع أو تقليص حجم أنشطتها، وكان الخيار الثاني هو المتاح، مما خفض فرص الاستثمار الباهظة التي كانت ستأتي من أموال القطاع الخاص وحكومة مدينة تيانجين المحلية. وعندما حاول الصينيون الحصول على الأراضي المخصصة لهم، لضخ استثمارات تقدر بنحو 5 مليارات دولار في المنطقة، فوجئوا بأن حكومة الدكتور عاطف عبيد تطلب منهم شراء الأرض من رجال الأعمال الذين طلبوا في المتر 600 جنيه نقدا ، بينما كان سعر المتر المباع لهم بمبلغ 20 جنيها، يقسط على 10 سنوات.
هذا الموقف لا ترغب حكومة الصين التحدث حوله، خاصة مع الإعلام، فهي دولة متحفظة في علاقاتها الدولية، ولا تريد إثارة مشاكل مع أية حكومات أخرى، وما  أنقله لأني عايشته في مصر وناقشته مع عمدة مدينة تيانجين وكبار مسئوليها في حضور السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية ووزير الاستثمار السابق محمود محي الدين أثناء انعقاد المنتدي العربي ـ الصيني الرابع  شهر مايو 2010. وعندما يتحدث الصينيون عن مشاكل إدارية وفنية فإنهم يتحدثون بخجل عن تلك القضايا، التي يسميها القانون فساد وطلب رشاوى وإتاوات واجبة الدفع. فكان من مصلحة  رجال جمال مبارك أن تمر كل الاستثمارات من خلال وكالاتهم الخاصة أو تحت أمرتهم، وإلا تغور المصلحة العامة. وكانت مشكلة الشركة الصينية أنها تريد ضح الأموال والاستثمارات من خلال شركاتها مباشرة ورجال أعمال صينيين يحصلون على دعم من دولتهم لتنفيذ تلك المشروعات، والمكلفة بإعادة تصدير منتجاتها من مصر إلى أوربا والولايات المتحدة. وساهم جبروت رجال الأعمال في أن تظل الاستثمارات الصينية، عند الحدود الدنيا، حتى لا يخرج السوق عن سيطرتهم، بالاضافة إلى أنها كانت نفس المجموعة التي تتاجر في بضائع أمريكية أو أوربية تنافسها السلع الصينية محليا ودوليا.
للأسباب السابقة ظلت العلاقات المصرية ـ الصينية تنمو ببطء، لأن الجالسين في السلطة، عيونهم على الغرب وقلوبهم في البيت الأبيض الأمريكي. وتركت الساحة فارغة

أمام صغار التجار والمستودرين الذين فتحوا سوق التهريب والجمارك أمام بضائع صينية رديئة لا ترضى أحد ولا حتى الصينيين أنفسهم. ورغم الزيادة في حجم التبادل التجاري بين البلدين إلا أنها تصب في مصلحة الصين، ويقتصر الدور المصري على زيادة الواردات من المواد البترولية والأولية زهيدة السعر. ويرى المسئولون الصينيون ممن أقابلهم في بكين أو القاهرة أن التجار العرب والمصريين هم الذين يسيئون للعلاقات بين البلدين، لرغبتهم في تحقيق ثراء فاحش من تجارة بضائع منخفضة الجودة، لأنهم هم الذين يحددون مواصفات وسعر السلع، ويتولون تهريبها مع مافيا دولية من الشركات العابر للحدود" أوف شور".
بينما تنتشر بضائع صينية رديئة في السوق لا تعرف السلع الجيدة طريقها للمصريين إلا قليلا، وخاصة المتقدمة تكنولوجيا. فالصين أصبح لديها تكنولوجيا خاصة في مجالات عظيمة في السيارات ومحطات الطاقة النووية والقطارات السريعة، وتوليد الكهرباء من الشمس والرياح، وهي زهيدة الثمن سهلة التوظيف. وتنتج الصين غواصات وصواريخ وطائرات عسكرية متطورة، مكنتها من انتاج مركبات فضائية للقمر وأخرى تستعد لزيارة المريخ. وتعرف هذه الصناعات طريقها لأوربا وغيرها. وتتعاون اسرائيل مع الصين في المجالات فائقة التكنولوجيا، بمبالغ تصل إلى 5 مليارات دولار سنويا، بما يمكن الصين من الحصول على نظم توجيه الصواريخ والرادارات وتصنيع الأجيال الجديدة من الكمبيوترات، بينما نتاجر معها في لعب الأطفال والسلع المقلدة والأولية والسيارات الرديئة بنحو 8 مليارات دولار.
إذا ما قارنا بين ما تأخذه إسرائيل من الصين والعكس سيكون ظالما بالمقارنة معنا، وهذا ليس راجع إلى رفض الصين لطلباتنا بل لمهارة الإسرائيليين في التفاوض وعقد الصفقات. لذا علينا أن نعد ملفا مصريا خالصة، يعتمد على لغة المنفعة التي تجيدها الصين ولغة الأرقام التي يفهما مؤشر العلاقات الدولية. فالصين تريد مصر لأنها كتلة بشرية وسياسية وجغرافية عظمى في المنطقة وبين دول العالم الثالث وهي التي مكنت الصين من الحصول على مقعدها الدائم في مجلس الأمن. ومصر تحتاج الصين لأنها دولة عظمي اقتصاديا وتكنولوجيا، لديها 3 تريليون دولار فائض نقدي وكافة السلع. ومن أهم الأمور التي نحتاجها تنويع مصادر السلاح، حيث أصبح للصين تكنولوجيا خاصة في انتاجه، رغم حالة الخناق التي يفرضها الغرب على صناعاتها الحربية والتكنولوجية. الصين تريد علاقة قوية مع مصر الثورة ، بعد أن فقدت علاقات قوية مع أنظمة ماتت أو في سبيلها إلى زوال كما في ليبيا وسوريا، ومصر تحتاج الصين لدعم مركزها في الأمم المتحدة والقارة الأفريقية ودول حوض النيل التي ترتبط معها بمعاهدات اقتصادية استراتيجية.
العلاقات الدولية لا تعرف لغة العواطف، وعلى الرئيس مرسي أن تكون ملفاته الشائكة جاهزة على الطاولة، ويعرضها بلا مواربة فلديهم أيضا ملفات لن يخجلوا من عرضها خاصة بالعمالة والروتين الحكومي وفساد المسئولين، وهي أمور دفعت المستثمرين للهروب من البلاد، ونخشي أن يكون خروجهم بلا رجعة.
[email protected]