عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عادل صبري يكتب: صدمة إقالة المجلس العسكرى!

لم تمر ساعات على كتابة مقال الأسبوع الماضي" شهادتي في إقالة مدير المخابرات" الذي طالبت فيه بمحاسبة المجلس العسكري عن مذبحة جنودنا في رفح، إلا وتلقيت نبأين صادمين. جاء الأول تعليقا من أحد العسكريين على المقال، يتهمني بأنني دافعت في المقال عن اللواء مراد موافي، الذي علم ولم يبلغ الرئيس بأنباء وشيكة عن المذبحة، واتهمت ظلما وجورا قادة المجلس العسكري بالمسئولية عن الكارثة، متضمنا اتهام آخر بأن هناك كراهية للجيش المصري دفعتنى لكتابة ذلك المقال.

الصدمة الكبرى، ظهرت بعد 24 ساعة من نشر المقال، على" بوابة الوفد" عندما شاهدت المتحدث الرسمي باسم رئيس الجمهورية الدكتور ياسر على،وهو يتلو القرارات الرئاسية، بخروج المشير طنطاوي والفريق سامي عنان من الخدمة، وما تلاها من إعلان دستوري جديد. وخلال لحظات وجدنا ما كنا نتمناه وقد أصبح واقعا ملموسا، وهو أمر لم يصبنا بفرحة غامرة فقط ، بل بصدمة الفرح، كعادة المصريين عندما يفرحون كثيرا يتخوفون أن يكون الحزن و البكاء هو نهاية المطاف . أوقفت الصدمة قدرتنا على التفكير، فيما هو آت وطلبت من الزملاء متابعة آثارها على الناس والدول وأجهزة الإعلام. الصدمة جاءت ضربة معلم، ومعلوماتنا عن الرئيس الجديد، بسيطة لا تحتمل المقامرة عليه، ولا أن نترك الأمور تسير على الهوى، فتضيع البلاد في لحظات. البعض توقع أن تشهد البلاد انقلابا عسكريا، وأقل الآمال تشاؤما أن تقع حربا أهلية، يقودها العسكر وأشياعهم وجماعة الإخوان المسلمين ومن والاهم.
وسط الصدمة، رصدنا الموقف الإسرائيلي والأمريكي على وجه الخصوص، الأمر الذي تأكد لنا أن ضربة اقالة المجلس العسكري كانت موجعة لهما، لأنهما ـ على كافة المستويات السياسية والأمنية ـ لم يعلما أي معلومات عن الترتيب لحدوثها، وقبل اعلانها رسميا. وشاهدنا في تلك الآثناء التحولات الخطيرة التي أصابت قوى سياسية وأحزاب كانت تشهر سيف الشقاق في وجه الرئيس مرسي، وتسبه في السراء والعلن، فإذا ببعضها ينبطح أرضا، وآخرين يصدرون بيانات لزجة لا تعرف في أي اتجاه تصب، ولا الموقف الذي تتخذه. وبين هذا وذاك ظهر المرجفون الذين باركوا القرار واعتبروه نصرا كبيرا، على المجلس العسكري، وهم من كانوا يضمرن للرئيس الضغينة والشر.
انفجر القرار الصدمة مثل القنبلة العنقودية، فأصاب رؤوس من حوله، بانفجارات شلت المخ أحيانا وفي أخرى قطعت الرقاب والأطراف. وتمنيت للحظة أن يتواصل معي القارئ العزيز الذي اتهمني بالإساءة للجيش المصري، كي أخبره عن جزاء من أساء فعلا لجيشنا العريق. فالمجلس العسكري الذي قاد البلاد في ظل ظروف ثورية، لم يكن يريد مغادرة السلطة، كما عاهد الشعب منذ عدة أشهر. ولم تكن عملية رفح التي لم يكشف النقاب عن أسرارها حتى الآن بخافية عن عيون أجهزة المخابرات الاسرائيلية أو الأمريكية، ولا قادة المجلس العسكري ذاته. وعندما وقعت المذبحة كانت الشواهد كلها، تدل على أن الكارثة ليست في صالح حماس التي توطدت علاقتها بمصر، بعد السماح لأهل غزة بالدخول السهل الفلسطينيين وخاصة الفاريين من مجازر الأسد في سوريا. ولم تكن المذبحة في صالح الإسرائيليين أنفسهم الذين حذروا من مغبة وقوعها، لأن اسرائيل تعلم أن مثل هذه الجريمة يمكنها أن توحد القوى الوطنية خلف قيادة تحاربها أو تعمل على وقف العمل باتفاقية كامب ديفيد على الأقل.
الشواهد في الجريمة أن هناك أيدي تعلم الجناة المتواجدين على الحدود لتهريب البشر والسلاح والمخدرات، وغيرهم، من الجماعات التكفيرية الهاربة في المنطقة، وتركت الحبل لهذه الجماعات تفعل ما تشاء، على أمل أن تشتعل أرض سيناء بالنيران، فتصبح الدولة أمام أمرين؛ إما تشويه صورة الرئيس الجالس منذ أيام على كرسي الحكم، فيصبح من الضعف أمام الناس بدرجة تجعل التخلص منه أمرا سهلا، أو يقود المجلس العسكري حربا مفتوحة، فتتحول البلاد إلى ساحة حرب يديرها قادة المجلس، بينما يجلس الرئيس الشرعي يتفرج إلى حين التخلص منه بطريقة لائقة.
الصدمة التي فجرها مرسي لم تكن بقدر الصدمة التي أصابتنا في قادة المجلس العسكري نفسه. فهؤلاء الذين أقسموا على مغادرة الحكم نهاية يونيو الماضي، لم يتركوا فرصة للتراجع عن قسمهم إلا وفعلوها، تارة تحت ستار الإعلان الدستوري المكمل، وأخرى بزعم حماية الشرعية الدستورية. كانوا يحصلون على مراكز واقعية، لا يستحقونها بالقانون أوغيره. فمن هؤلاء من كان يحرك الإعلام لقيادة ثورة مضادة في البلاد،

وبعضهم من كان مشجعا لقوى الفلول ورجال أعمال، يسعون إلى عودة النظام البائد. في كل الأحوال، مارسوا السلطة بغطرسة غريبة، ويظهرون أمام الناس بأنهم يعرفون كل شئ ويعلمون كل شئ بينما الواقع كشفهم بأنهم غير قادرين على الإتيان بأي شئ!. ولا يخفى على أحد أن قادة المجلس العسكري  قالوا أنهم وجهوا الجيوش إلى سيناء في اليوم التالي لمذبحة رفح وأذاعوا بيانات عن قتلهم لعشرات المطاريد والارهابيين ولم نر لأي منهم جثة ولا هوية ولا وطنا. وفي الأيام التالية شرعوا في توجيه قوافل عسكرية أخرى لتحارب في منطقة جبل الحلال الشبيهة بجبال افغانستان، وكأننا دخلنا حربا كبرى لا نعلم فيها قدر العدو ولا عدته وعتاده، ولا طبيعة المهمة ومدتها وخطتها، وبذلك تمت تعمية الرئيس والشعب عن معركة سندفع حتما تكاليفها البشرية والمادية، وإن تطلب الأمر المخاطرة بحرب مباشرة مع اسرائيل. قاد المجلس العسكري الحرب على هواه، وبذلك امتلك قوة القرار والتشريع، بينما لا يملك الشعب عليه سلطة الرقابة أو الإعلام، وكأنه يسوقنا إلى مجهول ابتغاه وخطط له، ويريد تنفيذه بدقة تحت ستار ثقة الشعب فيه وضمان ولاؤه للدولة. تغاضى أنصار المجلس العسكري عما فعلته ثقة المصريين في جيش جمال عبد الناصر، حتى استدرجنا في حرب ضروس باليمن وأخرى على الحدود مع الكيان الصهيوني لم نكن مستعدين لها، فضاعت امكانات الجيش بين حروب خاسرة ومغامرات غير محسوبة.
أعجزت صدمة قرر مرسي ، انصار المجلس العسكري، ممن كانوا يتشيعون له من عامة الناس وبعض قدامي العسكريين وفلول النظام، والفاشيين الذين يريدون الانقلاب على الثورة، لمجرد أنها جاءت برئيس ليس على هواهم، ولكن الصدمة الأخطر أن يطلق ممن يطلقون على أنفسهم " ليبراليون"  على قرارات مرسي بأنها " إنقلاب مدني  على سلطة العسكر".  هذه التسمية الشاذة، قرأتها كثيرا في تعليقات شخصيات قبطية في المهجر، وليبرالية مسلمة ويسارية وعلمانية وجودية، نعلم يقينا أن انتماءاتها الفكرية، تكره سلطة العسكر أينما كانت وأينما وجدت. فسلطة العسكر والحكم المدني لا يجتمعان، وقلنا منذ 3 أسابيع أن الدولة التي تمشي برأسين لا يمكن أن تستمر على ذلك الحال أبدا، وأن أحد الرؤوس ستحاول قطع الرأس الأخرى، كي تواصل الطريق برؤية واحدة للمستقبل، أيا كان منهجه أو شكله ولونه.
إذن العبرة في القرار الصدمة ليست  في الأثر الذي أحدثه ولكن النتيجة التي خرجنا بها، فنحن الآن أمام قيادة موحدة، أعادت الجيش إلى مهامه الصحيحة، وأبعدت القادة الذين عشقوا السياسة عن الإساءة إلى جهاز تنفيذي هو ذراع الدولة الطولى. ومن حق الشعب الآن أن يطالب بالتحقيق مع الذين ساهموا في سفك دماء الشهداء بسكوتهم أو اهمالهم وتقصيرهم، تماما كما من حقنا أن نطالب الرئيس بأن يسرع في اجراء انتخابات برلمانية، كي يصبح لدينا برلمانا شعبيا يحاسبه وحكومته على  كل صغيرة وكبيرة.
[email protected]