رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لماذا نفشل وتنجح الصين؟!

يحلو لكثير من العرب أن يقارنوا بين أوضاع بلدانهم والصين، خاصة المصريين. البعض يتكلم من دواع الحماس الوطني، وآخرون يتكلمون بنوع من الحسرة على ما آلت إليه الأحوال، وقلة هي التي تفهم أن الامكانات المادية والبشرية

التي نتمتع بها كانت قادرة على أن نسبق الصين في مرحلة النمو بمراحل. فعلماء الطاقة الذرية الذين تعلموا في منتصف خمسينيات القرن الماضي، سبقوا الصين للمعرفة، بينما تمكنت هي من صناعة القنبلة النووية منتصف الستينيات، وبعدها ببضع سنين امتلكت القنبلة الهيدروجينية. وعلماء الفضاء عندنا سبقوا الصينيين في الجامعات الألمانية والروسية والغربية بينما هم تمكنوا من صناعة الصواريخ العابرة للقارات والطائرات ومركبة فضاء تخطط للهبوط على القمر حاملة البشر بعد عدة أشهر.
الحسرة التي تنتاب المرء منا على عدم قدرتنا على نهج المسار الصيني، تزداد عندما نرى هؤلاء التعساء، يقفون عند قشور المشكلة ولا يفقهون جذور الحلول التي مكنت الصين من النمو لهذه الدرجة، بينما تتدهور بنا الأحوال بطريقة مخيفة. فالناس ترى في الصين بلدا عاديا نهض فجأة من ظلمة التخلف إلى الرقي حتى أصبحت أقوى ثاني اقتصاد عالمي، بعد الولايات المتحدة، ومالكة لثاني أكبر قوة من العلماء والمخترعات الحديثة، وغيرها من الأرقام التي تسجلها في قوائم الأسواق الدولية وموسوعات " جنينز للأرقام القياسية، مع ذلك لا يعرف هؤلاء أن الصينين الذين كانوا يأتون إلى أرض العرب ومصر بصفة خاصة منذ عقدين على الأكثر، كانوا يعتبرون بلادنا جزء من أوربا، وأنها مقدمة للإطلال على باريس ولندن. فماذا حدث وكيف اختلفت الصورة إلى هذا الحد؟!.
لقد تبدلت الصورة حينما تبدلت الأفكار والسياسات، وغير البشر أسلوب حياتهم. فالدولة الشيوعية العلمانية رسميا، تركت لكل فرد حرية اختيار الدين الذين يناسبه، بشرط ألا تمول المؤسسات الدينية من الخارج أو يفرض على قمتها زعامات دينية من أي سلطة أجنبية، بينما نقتل بعضنا باسم الدين وتسعى كل طائفة لفرض إرادتها بالقوة ولا تجد غضاضة في الاستقواء بالمستعمر، ونطلق على القتلى شهداء دون أن نفرق بين القاتل والقتيل. الدولة الإشتراكية طبقت أدوات السوق الحرة بمفهومها الشامل، ولم يجد زعيمها دينغ هيساو بنغ غضاضة في أن يواجه الفقر والبطالة بدخول الرأسمالية إلى دولة شيوعية ورفع شعار " لا يهم أن يكون القط أبيضا أم أسودا، ولكن المهم أن يكون قادرا على اصطياد الفأر. بالتأكيد الموقف لدينا مختلف فنحن تائهون بين الإشتراكية والرأسمالية المتوحشة، وتجاهلنا الاقتصاد الإسلامي واخترعنا نظاما مختلطا، بلا هوية وقيمة إلا في قدرته على تهريب الأموال للخارج، وسرقة المال العام في الداخل، وعدم وصول يد العدالة للجناة مهما ارتكبوا من جرائم.
قبل أن تنفذ الصين أية برامج، تخضع لدراسات مطولة ومناقشات تصل بك إلى حد الملل، من الدخول في الجزئيات، فإذا ما تحول الأمر إلى قرار، لا يستطيع أي مسئول وقفه، أو تحويل مساره، بينما نحن ننفق مليارات على حاجات " طقت في دماغ المسئول" ومشروعات تتبدل مع تغيير الحكومات والوزراء، وأخرى وفقا للهوى الشخصي وأهداف المكلف بها في سرقة أكبر عائد ممكن خلال فترة وجيزة. تعترف الصين بوجود الفساد بين طائفة من المسئولين، وخاصة فئة الموظفين، ومن يضبط فجزاؤه السجن أو الإعدام، بينما شعبنا يشارك في الفساد ويدفع المسئولين إلى ارتكابه، تارة باسم الخاطر والقرابة وأخرى تحت ستار الواسطة والمحسوبية، والفاسد لدينا محترم ومرفوع الدرجة وليس لدينا مانعا أن ننحنى له وندافع عن جرائمه باسم المروءة والجدعنة، أو أن حقوق الإنسان لا تستدعي قطع اليد ولا الرقبة مهما كانت الجريمة التي ارتكبت في حق الفرد أو المؤسسة أو الدولة بأسرها، بل ليس لدى الناس حرجا في أن يباركوا المسئول الحرامي فيتحول بقدرة قادر إلى رئيس وزراء أو يترشح لرئاسة الجمهورية!!. الفاسد في الصين غالبا ما يسرق كي ينفق على نذواته الخاصة كالشرب واللهو مع  النسوان، أو يهرب بما سرقه للخارج، في بلدنا الفاسد يسرق ليصبح رجل أعمال أو مسئول كبير أو

سياسي خطير وليس لديه مانع من أن يطلب رشوة وهو خارج من أداء الصلاة، ليأخذ بعض من قيمتها لبناء مسجد أو كنيسة حتى يقال عنه أنه رجل صالح.!!.
تمكنت الصين من القضاء على الأمية، فكثر العلماء والمبدعون، عندنا لم تتحرك نسب الأمية عن معدلاتها، بل إزادادت حدة، فكثر الجاهلون المخرفون وهرب العلماء والذين عندهم قدر من رؤية أو رغبة في الأبداع، ولم يبق على "المداود "إلا شر البقر. في كل عام تطلب الولايات المتحدة من الصين أن ترفع ميزانية الدفاع الأمني بالعالم، الصين تعلن أنها دولة مازالت في طور التنمية تريد أن توفر المأكل للفقراء والأماكن النائية التي لم تعرف طعم الترف. الصين منعت التجنيد الإجباري وكل عام تخفض قواتها، مقابل تطوير المعدات وتحديث القدرة القتالية، كي تمنح الشباب فرصة للمشاركة في  بناء اقتصاد الدولة، وتوجيه الطاقات لأعمال حقيقية بناءة. فهي تعلم أن أعداد الجنود لم تعد أمرا حاسما في المعارك، قدر استعداداتهم النفسية والفنية، أسوة بما تفعل إسرائيل ذلك الكيان الصغير المتنمر لكافة جيوش عربية لم تستطع قهرها بعد. ترفع  الصين ميزانية التعليم والبحث العلمي سنويا، بما جعلها موطن أكبر تجمع علماء بعد الولايات المتحدة، وتجمعا لنحو 67 شركة  من بين أهم 500 شركة في العالم، بينما نحن نخفض ميزانية التعليم، ونعتبر مرتبات العلماء من مخصصات البحث العلمي، فلا قيمة لعلم ولا العلماء .
عندما يدخل مستثمرا الصين، يدخل بشروطها، عندنا يأتي المسثتمر بشروطه وشروط السفارة التي تتبعه أو تحركه. يمكنك في الصين أن تغامر بوضع أموالك أملا في المستقبل، ونحن نضع الأموال تحت " البلاطة" أو نهربها للخارج خوفا من أيام قادمة  أو حكم جديد بلا مستقبل. في الصين لا توجد ديمقراطية بالمفهوم الغربي، واخترعوا ما يسمى بديمقراطية صينية، تعتمد على اختيار القواعد الشعبية للحزب الشيوعي الحاكم، واستطلاعات الرأي لذوي المشورة والخبرة في الصناعة والزراعة و الجامعات، عندنا قامت ثورات فلم نشهد ديمقراطية ولا عودة للحاكم العادل الذي نبحث عنه منذ انتهاء عهد الخلفاء. عندما ثار الصينيون ضد الأمبراطور طردوه ويقول الصينيون للغرب عندما يتحدث عن الحريات وحقوق الإنسان، نحو أكبر أمة على وجه الأرض والحرية بمفهومكم قد تدفع مئات الملايين للجوع والبطالة، ونحن وعدنا الغرب  بثورة شعارها" خبز وحرية وعدالة اجتماعية" فلا حصلنا على الخبز ولا تذوقنا الحرية ولم نعرف للعدالة الاجتماعية طريقا، والمفاجأة الكبرى أن الرئيس الذي ثرنا عليه، نطالبه الآن بالعودة أوتعيين خليفته رئيسا!.
أخيرا.. هل تحب أن نكون مثل الصين؟ أشك في ذلكّ، فالثمن الذي يجب دفعه لا تقدر عليه  أنت ومعظم المصريين والعرب!.
[email protected]