رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

استمتعوا بالسيئ فالقادم أسوأ!

عادة حديثة اكتسبتها منذ معرفتي بالعديد من الزملاء الصينيين، بعضهم في السلك الدبلوماسي وصحافيون ورجال أعمال وأناس عاديون يسعون في أرض العرب طلبا للزرق. فعندما تقع حادثة كبرى أحب الاستئناس برأيهم، باعتبارهم أهل حضارة قديمة،

و حكمة تعلموها عبر الزمن. وبحكم العشرة معهم، أيقنت أنهم لا يعطون للمرء رأيا قاطعا في أمر جلل، فهم لا ينظرون للأشياء مثلنا من منظور اللونين الأبيض والأسود، بل لديهم في كل صورة كافة الألوان. فعندما وقعت الثورة المصرية، لم أجد بينهم من يعارض أو يؤيد تلك الثورة، بل تعامل مع الحدث وكأنه واقع منذ سنوات ووجدت من هؤلاء من يقل لي عندما تشارك في الثورة فاحذر أن تظل دوما ثائرا، وعليك باستراحة المقاتل حتى لا تحترق، أو تمتد لهيب الثورات إلى مضجعك.
  ظلت تلك الكلمات عالقة بذهني منذ اللحظات الأولي للمشاركة في الثورة، حتى زرت بكين الأسبوع الماضي، وواصلت الحديث هناك مع دبلوماسيين يعشقان تراب مصر، تربيا فيها وعملا بها لسنوات، وهما؛  تشاي جون نائب وزير خارجية الصين، و كاو جيا شانغ نائب مدير إدارة  غرب آسيا وأفريقيا بوزارة التجارة الصينية.

جرى الحوار مع الطرفين، في مكانين يبعدان عن بعضهما عدة كيلو مترات، فإذ بالدبلوماسي تشاي جون يؤكد على ضرورة أن يعود الاستقرار إلى مصر، حتى تواجه المستقبل بصورة أفضل. وكلام  الرجل المسئول عن الملف التجاري، يذكرنا بأن الاستقرار في مصر والدول العربية أفضل وسيلة لمواجهة الأزمات الطاحنة التى تمر بها المنطقة. وعندما علمت أن حجم التبادل التجاري بين البلدين زاد بمعدل 26% عام 2011، هالني أن نجد أن حالة عدم الاستقرار التي نمر بها حاليا صبت في صالح التجار وبعض محترفي التهريب للبضائع الرديئة الذين وصفهم المسئول التجاري بأنهم يعملون بطرق أذكي من الموظفين الحكوميين ولديهم قدرة على الاستفادة من كافة ثغرات القوانين، بما يصب في مصلحتهم، بغض النظر عن مساس ذلك بأمن  وسمعة مصر أو الصين.


   سألت الرجلين: أين أنتم من دعم الاقتصاد المصري والعربي عامة، خاصة أن الصين أصبحت أكبر شريك تجاري لمصر والعرب؟. جاءت اجابة  تشاي جون دبلوماسية مثله، بينما عبرت كلمة المسئول التجاري عن اللغة التي يجب أن نفهمها. قال كاو جيا شانغ: يقينا ستسعى الصين إلى دعم اقتصاد دول الربيع العربي، ولكن إذا أردتم النهضة الحقيقية، فماعليكم إلا الاعتماد على أنفسكم، فلا تنسوا أن الصين اعتمدت على ذاتها، في كل شئ حتى أصبحت القوة الاقتصادية الثانية في العالم، ولديها قاعدة صناعية، جعلتها تحافظ على استقرارها، وسط أنواء تتخطف الدول الكبري، وتواجه مشاكل جمة، كما يحدث في أوربا والولايات المتحدة.
   كلمات المسئول التجاري، ربما كانت جافة بدرجة جعلت المرء يشعر بغصة شديدة, فحينما يتعلق الأمر بهموم وطنك تكون كل الكلمات مع الآخرين على محك الكرامة، ولكنها الحقيقية المؤلمة التي يجب أن نعتاد على مواجهتها. فالثورة التي قمنا بها أصبحت على مفترق طرق، فإما يأتي رئيس يعود بنا للنظام البائد بكل رموزه الفاسدة، وسياساته العفنة وكأنك"  يا أبو زيد ما غزيت" أو تصبح مصر في قبضة تيار سياسي جديد ليس له تجارب في إدارة الدولة، له خصوم أكثر من المحبين. وبين التيارين، يعيش المصريون في أزمات خطيرة تبدأ بندرة السلع الرئيسية وارتفاع الأسعار وتنتهي عند البطالة التي تحرق شباب مصر وقلوب الأمهات والآباء.

وعلينا اليوم أن نختار كيف ننتقل من المرحلة

الثورية إلى مرحلة العمل والانطلاق. فالغرب الذي نزحف وراءه للحصول على مساعدات يعاني الأمرين، فأمريكا لن تنظر إلينا في وقت تبحث فيه عن حلول لأزماتها الداخلية، وانقاذ خزائنها المدينة للصين بمفردها بنحو  2000 مليار دولار. وأوربا تتهاوي في أزمة إفلاس غرقت فيها اليونان والبرتغال وأسبانيا وفرنسا و هلما جرة، ولن تستطيع ألمانيا الدولة الوحيدة البعيدة عن حد الافلاس قيادة مركب قديم متهالك لشاطئ الأمان.
   كلام المسئول الصيني كان حقا، فلن ننجو من مقصلة الأزمات الكبري التي نعيشها دون الاعتماد على الذات. فرغم أن الصين تحاول الهروب من أزمة مالية أصابت العالم منذ سنوات، إلا أن نسبة النمو انخفضت من  متوسط 12%  طوال عشرين عاما، إلى 8% فأقل حاليا. رأيت الشباب الصيني يعاني من مشاكل لم يعرفها من قبل، خاصة بارتفاع الأسعار وغلاء المساكن بصورة مبالغ بها، ونقص في الوظائف والأموال، وهي أمور لو طال أمدها لن تهدد الصين بمفردها ولكن العالم بأسره. فالصين لديها خمس سكان الكرة الأرضية فإذا ما عطست أصيب الكون بالأنفلونزا. فما بالنا نحن المصريين، الذين بالكاد نمثل التعداد البشري لمدينتين كبريين داخل العملاق الأصفر.
    نحن على يقين أن العالم يسير من سئ إلى أسوأ وأشر ما فيه أنك لن تستطيع أن تلق بهمومك على أكتاف صديق، فلا صداقة في عالم اليوم بدون ثمن ولا قيمة لك إذا ألقيت بمرساتك على شاطئ لا تصنعه بيديك. فإذا ما سرنا فيما نحن فيه من تخبط في المسار وعدم وضوح رؤية لما سنقبل عليه من أمور، فنحن بالتأكيد نتجه جميعا إلى طريق الهلاك. لا يعني ذلك أننا سنمشي في طريق بلا أصدقاء فالصين كانت صديقة لنا في السراء والضراء منذ سنوات، أوالاستسلام إلى ما يريد أن يفرضه فلول النظام السابق علينا بقبول الأمر الواقع والتعامل معهم على أنهم تطهروا من دنس الماضي، لكن على الأقل أن يتفق الثوار ومن في جوارهم على منهج عمل مشترك، ينجينا مما نحن فيه من الانحدار. بغير ذلك سنظل نتجه من سئ إلى أسوأ، وما علينا سوى الاستمتاع بما نحن فيه من كوارث وأزمات لأن الأسوأ منها قادم ..قادم ولن نجينا إلا صالح الدعاء وعملا صالحا لم نتفق عليه بعد.
[email protected]