عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

منظور الفساد الغربي للعرب والصين

مصادفة عجيبة وقعت أثناء مروري بمطار دبي الدولي، في طريقي إلي مدينة بكين. كنت أنظر عبر الألواح الزجاجية التي تحيط بالمطار، لرؤية الأبراج المتوحشة بالمدينة التي أخشي الاقتراب من أبوابها.. فكرت في الأزمة التي مرت بها المدينة، عقب الانهيار المالي عام 2009،

وأتساءل: كيف يدفع الناس دفعاً نحو تقليد أعمي للغرب، وحجم الأموال التي تهدر علي مبان ومشروعات يمكن أن تصبح أكثر فائدة للمواطن، وأقل هدراً للأموال العربية السائبة، إذا بنيت علي أسس اقتصادية وعلمية دقيقة؟.. في التو راجعت المعلومات التي سبق أن طرحت في تقرير التنمية البشرية للدول العربية الصادر بدعم من الجامعة العربية والأمم المتحدة عام 2012 الذي بين أن الفساد الإداري بالأجهزة العربية، يلتهم نحو 35% من ميزانية المشروعات العامة.. فالأموال تنفق في كثير من الأحيان، علي مشروعات غير ذات جدوي أو في غير محلها.. من بعيد وقعت عيناي علي أرفف مكتبة، تعرض الصحف والمجلات العالمية، هالني أن أجد معظمها، يحمل عناوين ساخنة من جرائد يفترض فيها الصدق والموضوعية، مثل مجلات التايم والنيوز ويك والايكونومست.
قراءة سريعة للمانشيتات الحمراء والصور الصفراء والأشكال الاحصائية، لاحظت هجوما شرشاً من تلك الصحف علي عدد من المسئولين الصينين، وتصب لهيبا علي بعض قادة الحزب الحاكم.. تحمل المانشيتات اتهامات خطيرة لبعض المسئولين، وتهم بارتكاب فساد مالي، وصفته بالخطير وأنه يمثل بداية النهاية للنظام الحاكم في الصين.. بادرني تساؤل في ذهني عن أسباب تلك الهجمة المفاجئة علي الصين؟. فمن المعروف أن الغرب بالذات الأمريكي والأنجلو سكسوني، لا يشن تلك الحرب علي دولة بهذا الحجم إلا إذا كانت لهم أهداف استراتيجية كبيرة، يحددها عادة كبار الساسة ورجال المال والمخابرات.. فقد وقعت الحرب الإعلامية الأمريكية علي الصين من قبل من أجل دفعها إلي رفع قيمة عملتها المحلية مقابل الدولار، ولم تهدأ تلك الحرب إلا بعد أن لبت الصين المطالب، ودفعت نحو تريليون دولار للخزانة الأمريكية، عبر شراء سندات دولارية، ساهمت في انقاذ الدولار من الموت بالسكتة القلبية في أسواق العالم.. وها هي الصين تدفع نتائج تلك الضغوط من حساب شعبها، في شكل ارتفاع في أسعار السلع والخدمات، خاصة مشروعات الإسكان التي خلقت أزمة بين الشباب والعائلات من جهة والدولة والقطاع الخاص.
فكرت للوهلة الأولي، في العودة من دبي وعدم استكمال المسيرة إلي الصين، فقد حسبت أن سخونة المانشيتات تعكس طبيعة الأوضاع في بلد يسكنه نحو مليار و400 مليون نسمة، بما يجعل الأمر من الصعوبة بمكان ابتعاد من المرء عن المشاكل، خاصة أن الرحلة أعددتها من أجل الاستجمام، بعد عناء في العمل استمر 18 شهراً.. الشغف بالبحث عن المتاعب كان الدافع وراء مواصلة الرحلة، فبعد وصولي إلي بكين والتحدث من عشرات الزملاء الذين تربطني علاقات خاصة بهم منذ سنوات، لم أجد لتلك الضجة أثراً، سوي تعليق في أحد برامج قناة «سي سي تي» الإنجليزية الرسمية، وعبر تصريحات «تشن شياو دونغ» مدير عام إدارة غربي آسيا وشمالي أفريقيا بالخارجية الصينية، و«تشاي جون» نائب وزير الخارجية الصيني، وخريج جامعة القاهرة.
علقت القناة التليفزيونية، بأن الدول الغربية تشهد موجة احتلال الميادين العامة، بعد أن تعلمت ذلك من المظاهرات العربية، لذا ظهرت في أمريكا مجموعة احتلال «وول ستريت» وأخري «لندن» احتلوا «تايمز سكوير»، ويريدون أن تعرف الصين تلك الظاهرة علي وجه السرعة.. جاءت كلمات المسئولين علي طريقة الحكمة الصينية المعتادة: «إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب»، وأن الصمت أكثر الحلول لمواجهة هذا العَرَض. فهؤلاء الساسة المخضرمون يعلمون أن تلك الموجة، لا ترتبط بقضايا عاجلة، مثل قضية الشاب الكفيف الذي أراد اللجوء إلي الولايات المتحدة، أو المشاكل التقليدية مع الغرب حول قضايا حقوق الإنسان.. الشخص الوحيد الذي تكلم بصراحة، الصديق القديم «شاو جيا شانغ» مدير إدارة غرب آسيا وأفريقيا بوزارة التجارة الذي عمل بالقاهرة والسعودية وسوريا عدة سنوات، قال الرجل: «إذا كانت هذه الحملات الغربية تستهدف القضاء علي الفساد فنحن أول من أعلن عنها، ويريد القضاء عليها».. ذكرني الرجل الذي يتكلم العربية بلغة أولاد البلد، في دمشق والقاهرة، بالإحصاءات التي بينها الكتاب الأبيض للحكومة الصينية عام 2010، الذي أعربت الصين فيه عن تصميمها علي دعم مكافحة الفساد والكسب غير المشروع، وأنه خلال الفترة من 2003 حتي 2009،

حقق وكلاء النيابة علي جميع المستويات في أكثر من 240 ألفاً من قضايا الكسب غير المشروع، والرشوة، والتقصير في أداء الواجب، وانتهاك الحقوق والتحقيق في أكثر من 69200 من قضايا الرشوة التجارية.. وفي عام 2009، تم تحميل نحو 7036 مسئولاً مسئولية ارتكاب أخطاء خطيرة في صناعة القرار، وخرق الواجب، والإخفاق في إدارة المرؤوسين والرقابة عليهم، أدت إلي إعدام بعضهم رمياً بالرصاص.
كلمات المسئول لم تكن جديدة من نوعها، فالرئيس الصيني الذي سيغادر السلطة بداية العام القادم، ومعه رئيس الوزراء وعدد كبير من المسئولين المحظور عليهم تولي مناصب رسمية، من سن يبدأ بالستين والخامسة والستين أو التجديد في عملهم أكثر من دورتين، اعترف أمام المؤتمر السنوي العام للحزب الشيوعي الحاكم، بأن الوضع خطير وأن هناك مشكلات في الحرب علي الفساد، تتطلب معاقبة المسئولين الفاسدين بصرامة «من أجل كسب ثقة الشعب» أعادتنا هذه النقطة إلي ما كان يفعله الصينيون مع السادة المرتشين من الموظفين وكبار المسئولين، وآخرهم وزير وأحد حكام المقاطعات المهمة في الدولة.. فالصين تطبق الإعدام ضد الراشي والمرتشي، وسعي الغرب مراراً من أجل إلغاء تلك العقوبة، من القوانين الصينية دون جدوي، وباسم حقوق الإنسان يتم الهجوم علي الدول التي تسرق خيراتها، وتنهب ثرواتها، خاصة إذا ما كانت السرقة تصب في مصلحة الخزائن الغربية، والشركات التابعة لها، فلا تلوم أمريكا ومن في ركابها اللصوص ولكن تقف بالمرصاد لمن يريد تأديب هؤلاء علي جرائمهم التي يرتكبونها علناً.. فلو تحدث العرب عن الفساد الذي يجب محاربته ولو بالتعزير وإقامة الحدود التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية، فهو رجس من عمل الشيطان, أما إذا كان الغرب يتحدث عن فساد البعض، فعلي الناس أن تردد وراءه كالببغاوات، وتنظم المظاهرات، ولا تتوقف عند ظاهرة الفساد التي يجيد الغرب أدواتها.
الهدوء الذي تتحلي به الصين في مواجهة مكائد الغرب أمر يدعو إلي التفكير في كيفية إدارة الصراع مع هذه الفئة، فهم يزينون للعرب أفعالهم السيئة، ولا يتورعون أن يحسبوا تكاليف الفساد ضمن الحسابات الكاملة للمشروعات، ويقدموا الرشاوي لمن يطلب طالما أن الأموال العربية ستصب في جيوبهم، ومن الصعب أن نترك أموالنا تسرق في مشروعات لا قيمة لها، أو شراء أسلحة نحارب فيها بالوكالة.. علينا أن ننظر إلي الحقيقة من مفهومنا الخاص، لا برؤيتهم هم للأمور، تماما كما يفعل الصينيون عن وعي وحكمة بالغة.. فإذا ما احتجنا إلي قطع يد المرتشي والرائش، فما علينا سوي سن القوانين التي تحول دون انتشار الفساد، الذي أطاح مع كثرته بالنظام البائد، ولم تتكمن الثورات العربية من القضاء عليه أو خفض تكلفته، عما كان عليه قبل الثورة.. فلا يهم ضجيج الغرب وتهويله من أمور يرفض أن تحدث داخله، بينما يشارك فيها عن عمد في مصر والعالم العربي وأي مكان، له فيه صفقة أو مصلحة.
[email protected]