عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صحافة غسيل الأموال وغسيل السمعة (2)

من الصعب أن يخوض المرء في عيوب مهنته، خاصة إذا كانت قيمة الصنعة ترتبط بسمعة العاملين بها، وترسم أسرارها غشاوة على عيون الناس، فلا يرون منها إلا الوجه الحسن. وعندما كتبت المقال الماضي، حسبت أنه سيكون الأخير من نوعه، ولكن هالني الكم الكبير من الرسائل التي تريد استكمال المسيرة، التي رآها البعض الأفضل لتطهير الإعلام. كما وقعت أحداث متناقضة تجعل المرء متجهاً دون إرادته لتناولها، حتى يكون الناس على بينة مما يحدث في نظام إعلامي يحتاج بحق إلى تطهير ذاته، حتى يبدأ مشروعه المتكامل لتطهير مؤسسات وأخلاقيات المجتمع.

في بداية الأسبوع الماضي، فاجأ الدكتور وسام عبد الوارث، رئيس قناة الحكمة، جمهوره بالاستقالة على الملأ. الرجل الذي تعرض إلي محنة شديدة مع النظام السابق، أدت إلى غلق قناته قبل الثورة، يعترف بأن الديون أثقلت كاهله، والقضايا المرفوعة ضده، تطارده بالحبس والسجن، لأنه سمح بحرية الرأي على الهواء مباشرة، وحان الوقت لدفع الفواتير على حسابه وراحة أسرته. وجاء بكاء الرجل المرير، ليظهر أمام الناس كيف فشل تيار إسلامي كاسح لدى الشارع، في تدبير بعض الأموال البسيطة التي تمكن قناته من الاستمرار في الحياة، وكيف اختلف أصحاب الرأي الواحد حول عمل يستهدف في نهاية المطاف تحقيق مشروعهم الذي ناضلوا من أجله لسنوات طويلة. بكاء الدكتور عبد الوارث، الذي آلم الكثيرين، ولم يتحركوا لانقاذه، واكبه حملة موسعة من قنوات وصحف وليدة، لتنظيم مناظرات بين بعض مرشحي الرئاسة، يصحبها حملات دعاية موسعة. الهدف المعلن تحفيز الناس على المشاركة في صناعة الرئيس، وهو كلام لو صدق لما حمل الناس هماً لمستقبلهم الغامض، ولكن وجدنا المواجهات تستهدف تحسين صورة بعض المرشحين، وهناك إصرار على أن تكون الغلبة لاتجاه على حساب تيارات أخرى موجودة في المجتمع ويسعى الإعلام الموجه إلى تعمية الناس عنها تماما. نكتشف وسط تهافت بعض المرشحين على الظهور في البرامج، أنهم حصلوا على مبالغ طائلة، نظير حضورهم تلك المناظرات المصطنعة، وبخلوا بوجودهم في برامج أخرى مجانا، أو بأجر لمجرد أن المتحاورين معهم من أصحاب الفكر الذين يخشون مجادلتهم على الملأ فيكشفون للناس مدى جهلهم، وعدم إدراكهم لكثير من أمور الناس والدولة. وغاب هؤلاء عن التلفزيون الرسمي، في البداية بقرار غبي من وزير الإعلام، الذي رفض حضور أي من المرشحين لحوارات أو مناظرات، بحجة إبعاد تلفزيون الدولة عن توجيه الناس لأي تيار أو مرشح!
هذه التمثيليات المصطعنة دفعت الدكتور صفوت العالم، الأستاذ بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، إلى القول بأن الإعلام يمارس تضليلاً للرأي العام، ويوجهه نحو نتائج بعينها. وهذه المخالفة المهنية، اعترف بها الإعلامي تامر أمين، المذيع الشهير بالتلفزيون المصري، الذي جرؤ، وهو أحد أعمدة الدعاية للنظام السابق، بأن 99% من الإعلامين جهلاء ويمارسون التضليل للرأي العام. وعندما رصدت» بوابة الوفد» في تقرير للزميل أحمد عبد العظيم أن الفضائيات التي تنظيم « المناظرات الرئاسية، تمنح الشخص الذي يشارك فيها مبالغ تصل إلى300 ألف جنيه ومميزات إعلانية أخرى، ندرك أن تلك النوعية من المواجهات هدفها تبيض الوجوه، وإن ظهرت أمام الرأي العام، في غاية القذارة. فالطريقة التي يتم بها تسويق المتسابقين للرئاسة هي نفس الطريقة المتبعة في الترويج التجاري، لمساحيق الغسيل والمواعين، وغيرها من السلع الاستهلاكية التي تحتاج إلى دق الزبون على رأسه وسمعه كي يشتريها بأي ثمن.
لاحظنا في هذا التوقيت الحرج أن كثرة من وسائل الإعلام، تدفع الناس دفعاً لاختيارات محددة مسبقا، بالترويج المكثف لبعضهم، واستطلاعات رأي بعيدة تماما عن المهنية، تظهر تفوق فلان، بما يخالف مزاج غالبية الجمهور، ويتعارض مع الواقع. وتقود هذه الوسائل بعض الصحف والفضائيات التي لا يعلم الناس هوية ملاكها ولا طبيعة الأموال التي تديرها، ويشاهدون فقط الكم الهائل من المصروفات التي تخطف الألباب. وتقف وسائل الإعلام الحكومية عاجزة عن تقديم بديل يجعل المواطنين على دراية بما يدور حولهم من أحداث، بطريقة منهجية عاقلة. الأفظع أن وزير الإعلام أحمد أنيس يفضل إدارة الإعلام الحكومي على طريقة سلفه ومعلمه الأكبر صفوت الشريف، الذي كان يصنع زعامات زائفة ويفرض على الناس والعاملين في القطاع وصاية، لا يحتملها حال ما بعد الثورة، ولا يرتضيها العاملون أنفسهم، ولو كان على شاكلة تامر أمين وكافة فلول التلفزيون المصري، الذي تحولوا عن زعيمهم، واختطفوا سفينة الثورة.
من غرائب القدر أن وسائل الإعلام المشبوهة، تمارس دورها جهاراً نهاراً، وبكل جرأة، فنجد الست أم الفلول أصبحت نجمة الاستجوابات، وأبو الفلول هو الذي يدير المساجلات، ومع ذلك يكتفى الشعب بالفرجة. وتتلقف أجهزة الإعلام هذا الشبق عند الساسة ومشاهير الفتاوى وبعض ممن شاركوا في صناعة الثورة، فتضمهم إلى قوافلها أو عضوية مجالس إداراتها وبرامجها، كي تغسل بها ماء وجهها وأموالها، وتلبس من خلالهم ثوبا تم تبييضه وتنظيفه من كافة الأوساخ.
للأسف لا يفلت من هذه الدائرة إلا ندرة من الناس التي تحترم عقائدها وضميرها، وتدفع الثمن غالياً، فالنظام الإعلامي لم يعد مهنة بسيطة. فلم تعد الكتابة والعمل الإعلامي هواية أو رسالة خاصة، بل صناعة لها أدواتها المكلفة ودونها لن تستطيع أية منشآة الظهور أو الاستمرار في الحياة دون الأخذ بكل ما هو جديد في عالم التقنية والإدارة والتدريب. ومع تنامي هذه المسئوليات على المؤسسات الإعلامية التقليدية، أصبح وجودها على المحك، فأغلب المؤسسات مهددة بالإفلاس، حتى الحديث منها إذا لم تعتمد على قوة المال الذي يضخ في شرايينها ستلقى نفس المصير. ويبين هذا كم أن طريق الحرية الإعلامية مرتبط بشدة برأس المال المحرك له، لذا لا تتعجب إذا عاد الفلول للسلطة عبر توظيف ما نهبوه من أموال في أجهزة الإعلام، للسيطرة على عقول وقرار المواطنين. ولا تستغرب إذا ما أصبحت وسائل الإعلام ستاراً لتجار الأعراض والمخدرات والسلاح والصفقات غير المشروعة، وساحة للمبارزة بين مافيا الأعمال من المصريين والعرب، ورجال المخابرات حول العالم.
لا ننكر أن هناك تجارب إعلامية ناجحة، ولكنها بسيطة الأداء والتأثير، فالبقاء في سوق الصحافة والإعلام أصبح للأغنى والأقوى. وفي ظل غياب الرؤية لدى أجهزة الدولة، وضعف الموارد لدى التنظيمات السياسية والفكرية المختلفة، وتشتت قوة المؤسسات النقابية المشرفة على إدارة الإعلام المصري، وعدم وجود قوانين حرية تداول المعلومات، وأجهزة تراقب أموال المؤسسات الصحفية والفضائيات وغيرها، ستظل الساحة تحت سيطرة أباطرة من خارج المهنة، وكل أنواع المافيا التي تحرك الأقلام والأصوات نحو أهدافها بقوة المال أو غواية الشهرة. فأمر المواجهة أصبح يتوقف الآن عند الجمهور، الذي تبهره أضواء الصحافة وبهرجة الفضائيات، ولم يعد يتوقف عند المضمون. فالقارئ في الأغلب جاهل بما يدور حوله، وتحول إلى ببغاء تتناقل ما تبثه تلك الوسائل دون أن يدلي برأيه في شيء. وقد علم النظام الفاسد ومن بعده مافيا الإعلام، هذه العادة السيئة فدلعوه بما يهوى، في إطار سياسة» الجمهور عاوز كده». فإذا كنت أنت أيها القارئ تريد اللهو والمشي وراء الإعلام الفاسد والمزيف فأنت تستحق نتاج اختيارك، أما إذا أردت الخروج بالبلاد من النفق المظلم الذي أصبحنا فيه، فأنت وحدك القادر على وقف الغش الجماعي الذي يمارس عليك ليل نهار.
فأنت وحدك صاحب المصلحة والحق في أن يسير الإعلام في ركابك، لا أن تصبح مطية لأصحاب رؤوس الأموال والمتحولين وفئران المراكب.
[email protected]