رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صحافة.. غسيل الأموال وغسيل السمعة!

احتفلت الأمم المتحدة منذ ساعات باليوم العالمي للصحافة، حيث برز المشهد في العام العربي أكثر سخونة أمام المراقبين. فالدول العربية دخلت موسوعة المناطق الملتهبة، التي تؤدي إلى قتل الصحفيين أثناء عملهم

، بعد أن كانت متوقفة عند المطاردة الأمنية والسجن والتشريد.

فيكفي أن أكثر حالات القتل التي ترتكب ضد صحفي كل خمسة أيام وقعت في أغلبها على أراض عربية. الملفت أن الصحافة المصرية شهدت نموا غير مسبوق، في عام 2010، وبذلك أصبحت النشاط الاقتصادي الوحيد الذي ارتفع الاستثمار فيه بزيادة بلغت نحو 25%. و أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء فى احصائية بمناسبة اليوم العالمى للصحافة الذى وافق 3 مايو ارتفاع عدد الصحف التي صدرت فى مصر الى  142 صحيفة عام 2010 مقابل 113صحيفة عام 2009 بنسبة زيادة 25,7٪ منها 17 صحيفـة يوميـة مقابل16 صحيفة.

وبلغت الصحف غير اليومـية 125صحيفة مقـابل 97 صحيفة بزيادة  28,9٪خلال نفس الفترة وبلغ عدد الصحف الحزبية 23صحيفة مقــابل 19 صحيفة بزيادة 21,1٪ .
لم تكن الصحافة هي العنصر الرابح الوحيد في معركة خاسرة يشتبك فيه الوطن بأسره، فكلنا نشاهد الهجمة الكبيرة التي ظهرت في مجال الإعلام المرئي، عبر القنوات الفضائية، المصرية والأجنبية التي تبث عامة للمشاهد العربي، وخصيصا للمواطن المصري. ولا يستطيع الشخص العادي رصد أصحاب هذه القنوات ولا الهدف منها، لأنه يتحول إلى مستهلك مواد خطرة دون أن يعلم أنه يتجه معها إلى عالم الإدمان للصنف الذي يعتاد عليه. وتبقي الكلمة الأخيرة حول هوية هذه القنوات للباحثين المهرة الذين يكتفون بنشر ما يرصدونه في الدوائر العلمية، ولا يدري الشعب عنهم شيئا. ونتابع أحيانا بعض المعلومات المتسربة للعامة عبر الأنترنت وبعض الصحف والفضائيات التى تلقى غيرها بالحجارة وهي تعمل في منازل من زجاج.  وتصبح الحقيقة، نتاج شجار أصحاب المصالح المتعارضة، وتتوه بسرعة مع قدرة كل طرف على انهاء الخصومة مع أعدائه في الميدان.

في كل الأحوال نحن أمام ظاهرة معاكسة لحالة الكساد الذي تمر به الدولة. فهناك مليارات الدولارات التي تنفق بسخاء على الإعلام المقروء والمرئي، دون أن نعرف هوية  هذه الأموال ولا الجهة التي تدير الصحف أو الفضائيات. ولم تخلق جهة في الدولة، قادرة على مساءلة هذه الجهات، من أين أتت أموالها وكيف تنفق، بما يجعل الوطن المتناحر في حالة من الفوضي، التي ينظمها طرف خفي دون أن ندري؟!.
فمن المؤكد أن الأوضاع الاقتصادية في الدولة لا تسمح بانشاء كيانات مالية أو غيرها، تضخ ملايين الجنيهات بهذه السرعة والاطمئنان، بينما كافة الأنشطة تعاني من ضعف في الإيرادات أو ندرة في السيولة والائتمان المالي ومخاوف من الاستثمار في دولة على شفا حفرة من الإفلاس والحرب الأهلية. وفي الوقت الذي شحت فيه خزائن المصانع والشركات توقفت حركة الاعلانات، إلا القادمة من الشركات العالمية الكبري التي تعمل في السلع الغذائية، وما شابهها، وهي قادرة على تمويل نشاطها من عوائد خارجية، إلى حين اصلاح الحال في مصر. وكل من يعمل في مهنة الإعلام يشعر بخطورة الأوضاع المالية التي هزت كافة الكيانات الحكومية والحزبية والخاصة، بما يجعل المرء مندهشا من حجم النفقات التي تظهرها كافة المنشآت الجديدة.
من هذه المقدمة  الطويلة، التي يطلق عليها ملاك الاعلام المصري الجدد" نفسنة" أو تصرف من الفئة الحاقدة، نؤكد أن الصحافة  والإعلام المرئي شهدا هجمة غير مبررة اقتصاديا. لذلك عندما نحتفى بعيد الصحافة الدولي لا يجب أن نتوقف فقط عند الذين ماتوا شهداء المهنة في أرض المعركة، ولكن علينا أن نتذكر الملايين الذين ستتعرض عقولهم للهلاك، وقوتهم للتشرذم في حالة إذا ما تجاهلنا دور الإعلام الصحافة والفضائيات فيما يحدث الآن في البلاد. فلا يقبل عاقل أن يدعى أصحاب الملايين أن مشروعاتهم الإعلامية التي تنفق المليارات ذات أهداف اجتماعية ، أو تسعى إلى الربح مثل أي مشروع تجاري. فالقاصي والداني يعلم أن مهنة الإعلام غير مربحة كثيرا في مجتماعتنا الاستبدادية المتقلبة ، فما بالنا ونحن نمر بمرحلة خطيرة سياسيا واقتصاديا.

كي نختصر الطريق والكلام حول هذه المقدمات التي سقتها في الحوار، علينا أن نلقى الضوء على أول عدد صدر من جريدة جديدة في الوطن، حيث حملت بشرى الدفاع عن الوزير السابق رشيد محمد رشيد، وأشادت بدوره الجليل في انقاذ الصناعة المصرية، وكيف أن التهم

التي تطارده بعيدة تماما عن أرض الواقع. وفي اليوم  التالي ظهرت قناة فضائية بما تسميه انفرادا مهنيا في حوار مع رجل الأعمال حسين سالم الرجل القوى في عهد مبارك. وبجرأة غريبة أعادت نشر الموضوع صحيفة يومية أخرى يملك أغلبية أسهمها نفس الشخص المالك للجريدة الأولى، كي تظهر صورة الرجل بطريقة  مكثفة على الجمهور المصري الذي قد يكون غير مدرك لما نشرته الفضائيات.

ذكرتني وقائع النشر هذه بما أحدثته موجة الاصدارات الصحفية في السنوات الأخيرة من حكم مبارك. فقد سمح النظام السياسي بإنشاء العديد من الصحف والقنوات، بشرط  أن تكون دائرة في فلكه وخاصة أجهزة الأمن والحزب الوطني. وكان الرقيب الأمني يراقب هذه المنشآت من بعد، أو عبر بعض المسئولين داخلها، فيمنع المعارضة من الظهور بها، ويرفع لهم شعار: عليكم أن تكون القنوات في خدمة النظام والحزب الوطني, فإذا رغبتم في المعارضة فعليكم أن تستعينوا بالاشخاص المعارضين من داخل الحزب نفسه. ويمكن للجمهور أن يتعرف على حجم المعاناة التي كان يجدها الإعلاميون المشاهير إذا ما أخذته النشوة وخرجوا على النص.

هذه الضغوط التي أنشأت ما يسمى بصحف معارضة تلعب مع النظام، بطريقة " اضرب وألاقي"، تعمل في خدمة طرف داخل النظام، لصالح طرف آخر وتحتمي ببعض رجال الأعمال القادرين على مساعدتها في الاستقرار المالي. وتعرضت شخصيا للدخول في هذا العالم، عبر تجارب عديدة، وفشلت في التواصل معها، ووضعت في قائمة المنبوذين إعلاميا لعدم قدرتي على مجاراة هذه الفئة، وكان أشدها، حينما طلبت تخفيضا في المصروفات الدراسية  لأبنة أختى من شخصية مهمة  للغاية في الأكاديمية العربية للنقل البحري. كان المقابل المطلوب منى أن أكتب مقالا فقط عن عدم علاقة المدعو ممدوح اسماعيل بجريمة مقتل أكثر من ألف شخص على عبارة السلام، باعتباره مالكا للسفينة وغير مسئول عن اجراءات السلامة والغرق.
عندما رفضت المشاركة في غسل سمعة الرجل، لاحظت أن هناك كتبية من أصحاب الأقلام اصطفوا للترويج لهذه القضية، عبر الصحف التي يديرونها أو يعملون لحساب ملاكها، وذلك قبل أيام من صدور الحكم النهائي الأولي في القضية. جاءت النتيجة القضائية صفعة للمجتمع اذ اعتبرت التهمة جنحة للرجل، ومع شدة وطئة الحكم على الناس والدولة اضطر النائب العام، لاستئناف الحكم الشاذ في منطقه. علمت ساعتها أن البعض يحترف المشاركة في صناعة الإعلام على طريقة النظم الفاسدة، لتمويه العيون عن غسيل أمواله، وأيضا لغسيل السمعة التي تهون الملايين أمامها إذا ما نجحت في تحقيق الهدف المنشود. الآن علينا أن ننظر جميعا إلى وضع الصحف والقنوات ونفكر قبل أن ندمن عليها، لحساب من تعمل وما الهدف منها، وكيف تنفق مالها؟ ولماذا في هذا التوقيت؟، قبل أن تستخدم هذه الوسائل في اجهاض الثورة، ليس بقوة السلاح، ولكن بقدرتها على استخدام الأموال المغسولة في غسل وجوه اللصوص والفاسدين.
[email protected]