عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الشعب بين شرعية البرلمان ونار العسكر

يبدو أن الحرب المؤجلة بين المجلس العسكري والتيار الديني قد اشتعل فتيلها، فبعد هدنة من المعارك المتصلة بين الإخوان والسلفيين من جهة ورجال النظام السابق الموجودين في المجلس العسكري وأجهزة الأمن، ظهرت بوادر الحرب علي الملأ،

فالتيار الديني المتحصن بأغلبية شعبية كاسحة جاءت به إلي قلب ورأس برلمان الثورة، أصبح في مواجهة مباشرة مع مجلس يتحصن في شرعية نظام عسكري، حكم البلاد طوال 60 عاماً، شكل الساسة علي هواه، ويعرف كيف يصيب خصومه في مقتل!
فها هي الحرب تستعر بين الطرفين، بعد شهر عسل، امتد نحو العام، بين جماعة الإخوان المسلمين التي تدير البرلمان بأغلبية انضم فيها التيار السلفي، بعد أن كشر نواب حزب الحرية والعدالة عن أنيابهم، ضد حكومة عينها المجلس العسكري، «لا تهش ولا تنش».. اعتبر المجلس العسكري المساس بحكومة الجنزوري، تدخلاً من البرلمان في سلطاته التي استحوذ عليها بنصوص الإعلان الدستوري، لم تقدر شعرة معاوية التي حافظ الطرفان علي استخدامها في مد الوصال بينهما طوال العام المنصرم، أن تدفع العلاقة بينهما للأمام.. وجاء اليوم الذي انقطعت فيه تلك الشعرة، فها هو المجلس العسكري يهدد ويتوعد الإخوان في بيان رسمي بألا ينسوا ما حدث في الماضي.. وكلنا نعرف ما وقع من انقضاض علي الإخوان بعد ثورة يوليو وسحقهم في السجون وتشريدهم عبر الفيافي والبلاد، وها نحن نستمع للإخوان المسلمين يعلنون عن تنظيم مليونيات تبرز للمجلس العسكري بأن فياقل شباب الإخوان أُعدت لهذا اليوم ما استطاعت من قوة ورباط الخيل ترهب بها أعداءها.
هذه الحرب المستعرة بين الطرفين، لم تسل فيها الدماء، لأن الخاسر في المعركة حتي الآن هو ذلك الشعب المسكين الذي يدفع دائماً تكلفة الفواتير، فعندما التزم الطرفان بالهدنة، انهيا فوران ثورة الشباب في ميدان التحرير، فالمجلس العسكري قاد الحرب علي كافة التيارات السياسية المناهضة لوجوده في السلطة، وأخرج الأحزاب الأخري من قوة المعادلة السياسية، وشن حملة شعواء علي شباب الثورة من التيارات اليسارية والليبرالية.. ولم يتورع المجلس العسكري عن الضرب في المليان أمام ماسبيرو ومجلس الوزراء في ادعاءات لحماية الأمن والمنشآت الحيوية بالدولة، رغم أن الأحداث أثبتت بعد ذلك مسئوليته عن إشعال تلك الحرائق في هذه المناطق، وفي قلوب المتظاهرين.
في المقابل حصنت الأغلبية البرلمانية التي تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين، الأفعال المشينة التي مارسها المجلس العسكري، التي أضافت إلي شهداء الثورة عدة مئات آخرين.. سياسة الموالاة بين الطرفين خلقت رأياً عاماً مضاداً للثورة في الشارع المصري، فالناس التي كانت تحتاج إلي التقاط أنفاسها وجدت الدنيا تنتفض كل يوم، دون أن يقدم مسئول للمحاكمة أو يعرفون من هم وراء الجرائم، حتي عمت الفوضي في البلاد بصورة لم نشهدها إلا في عهد الانقلابات الدموية في دولة المماليك.. إذاً الصلح بين الطرفين لم يكن أبداً في صالح المصريين، فها هو الشعب وقد تحمل كافة الضغوط الأمنية والاقتصادية، أملاً في أن يأتي اليوم الذي يصبح لديه برلمان قوي ورئيس أفضل، فإذا به يجد الوطن يُقاد كرهاً إلي طريق مسدود.
ربما تبدو الحرب بين المجلس العسكري والإخوان المسلمين مقصورة علي الصراع السياسي علي السلطة في الحاضر والمستقبل، ولكن المواطن البسيط يعلم تماما أن تلك الحرب تشتعل نارها في منزله يومياً.. فأزمة الوقود المتكرر بلا سبب ولا معني ونقص الغذاء والعلاج وشح الوظائف وفرص الاستثمار وهروب الأموال للخارج، تمر عبر فتحات يديرها أو مسئول عنها المجلس العسكري، ويعلم خفاياها البرلمان وكافة الأجهزة الرسمية في الدولة.. وبينما يكتوي الناس بنار هذه الأزمات، لا نجد أيادي تمتد لإطفاء تلك الأزمات إلا عندما يشعر من بيده الأمر أن النار ستمسك في جلبابه، ساعتها، تختفي أزمة الدقيق أو البنزين وتظل أزمات أخري كي تبقي علي أعناق الشعب محشورة في عنق زجاجة، فلا هو قادر علي تنفس رحيق الحياة ولا يطول الموت دون حياة كئيبة لهذا الحد.
ليس بخاف علي أحد أن المجلسين المتباريين في السيطرة علي البلاد، يسعي كل منهما إلي التخفيف من حدة الصراع، حتي لا تتسبب الحرب في حرائق

واسعة الانتشار لا تبقي ولا تذر.. فها هو رئيس البرلمان يهرب إلي خارج البلاد، في مؤتمر دولي مصطحباً قادته، بعد أن هدد وتوعد بإقالة الحكومة المسماة من المجلس العسكري، كي يستريح، ويعيد السكينة  في قلوب وزراء الجنزوري.. وعلي الجانب الآخر نشهد المجلس العسكري الذي قاد عملية انسحاب منظم من اللجنة التأسيسية للدستور، وقد أعاد الود مع الأحزاب القديمة التي لفظها خلال الأشهر الماضية، ويمد يده للقوي السياسية التي أهانها بشدة، وعرض بعضها لضرب النار.. فحالة التهدئة من طرف يقابلها مهادنة واستقواء من جانب آخر، بينما الشعب يغلي من غلاء المعيشة وندرة السلع الحيوية وفرص العمل وانعدام الأمن والأمان.
ترك الطرفان الشعب في حيرة شديدة، فالناس عليها أن تختار بين نقيضين كلامها مر، إما مناصرة البرلمان بما يمثله من قوة يديرها الإخوان المسلمين أو المجلس العسكري، وما انضم إليه من قوي سياسية لم يناصرها الشعب في انتخاباته الأخيرة، بدرجة تصبح هي المعبرة بحق عنه وعن طموحاته وآماله.. فنحن الآن أمام شرعيتين، شرعية برلمانية جاءت بانتخابات شعبية نزيهة، وشرعية مجلس عسكري سلم له الناس بإدارة الحكم، لفترة زمنية محددة، لحين انتخاب رئيس جديد.. من المؤكد أن الصراع بين الشرعيتين سيؤدي إلي كارثة، ولكن الكارثة الأكبر أن يكون الشعب مخير بينهما كرهاً.. فالرأي عندي أن العسكر في أي دولة لا يحفظون عهدهم، فما بالنا بنظام عسكري وضعنا فيه العهود ولم يصنها، منذ عام 1952.. فعندما قامت حركة 23 يوليو، لتطهير الجيش والحياة السياسية من الفساد، مع التزام العسكر بالعودة للثكنات خلال عدة أشهر، لم يفعلوا ذلك أبداً حتي وصلنا إلي ما فيه حالنا من فساد وإهدار لآدمية البشر وثروات البلاد، حتي جاءت الثورة الشعبية داعية إلي تطهير البلاد وخروجها من حكم العسكر.. وعندما ننظر إلي الأغلبية البرلمانية، نجد معظمها لا يعرف فقه الواقع، بما جعل قلوبهم وعقولهم تضيق أثناء تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور، وترفض إفساح الطريق لكافة ممثلي الطوائف والمهن وقمم علمية قادرة علي المشاركة في صنع مستقبل أفضل للبلاد.
إذن نحن أمام شرعية برلمانية لها ما لها وعليها ما عليها، يجب أن نحاسبها علي أفعالها، وأخري عسكرية لا نستطيع أن نأمن علي أنفسنا إذا ارتمينا في أحضانها.. ففي نهاية المطاف إذا احتدم الأمر بين الشعب والإخوان سيكون الشعب هو صاحب الكلمة العليا للتغيير، أما إذا بدأ الصراع بين العسكر والشعب، فلن يتنهي ذلك إلا بثورة جديدة أو حروب لن تنتهي.. ربما وضعتنا العلاقة الساخنة بين الطرفين في مأزق، ولكن من المؤكد أن الشعب الذي صنع ثورة مجيدة، قادر علي الخروج من بين المتخاصمين، أقوي بينة وأشد إصراراً علي الاستمرار في مسيرة التغيير.
[email protected]