رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

برلمان تائه.. ورئيس يبحث عمن يحميه!

لم يستمع مجلس الشعب إلى النصيحة عندما حذرنا نوابه من الانجراف إلى حرب الشوارع، حتى يتفرغوا لقضايا البلاد الكبرى، وعلى رأسها وضع الدستور الدائم للبلاد. وبدلا من مناقشة المشاكل المهمة للمواطنين، وجدنا قاعاته تتحول من بيت الشعب، إلى مصطبة للوقيعة والدسائس. ولم يخجل بعض النواب أن يحولوا خلافاتهم المذهبية والسياسية إلى معارك على الهواء مباشرة.

لم يكن المشهد الذى ظهر به النائب محمد أبو حامد، ومعه زمرة من الذين كفروا بما فعله نواب الإخوان والسلفيين بزميله زياد العليمى بغريب، عندما طالب بمعاقبة النائب مصطفى بكرى، لأنه تطاول على زعيمه الروحى محمد البرادعى. فقد سن مجلس الشعب سنة سيئة فى الأسبوع قبل الفائت، عندما خصص عدة أيام من وقته لمناقشة كلمات النائب «أبو لسان زالف» زياد العليمى فى حق المشير طنطاوى بمدينة بورسعيد. فقد أراد «أبو حامد» أن يكيد لمصطفى بكرى، لأنه وراء إثارة قضية «العليمى» تحت قبة البرلمان، عندما أمسك بما نطقه فى حق محمد البرادعى ووصفه له بأنه خائن وعميل.
نطق «بكرى» بكلمات يعاقب عليها وفقاً لقانون الجنايات الذى نحاكم به نحن باقى البشر من خلق الله، تماماً كما فعل زياد العليمى فعلته النكراء، ولكن فى الحالتين لم يكن لمجلس الشعب أن يحيل الأمر إلى التحقيق بهذه الصورة البشعة. فليس من حق رئيس مجلس الشعب ولا غيره أن يضيع وقت البرلمان الثمين فى التحقيق بأمر تافه، ويهدر أموال الشعب التى تنفق على رواتبهم وبدلاتهم من ميزانية دولة خاوية. فما قاله زياد العليمى لا يعدو إلا سبا فى حق مسئول كبير فى الدولة خارج البرلمان، فمن له حق الدفاع عن المشير أو غيره، كان عليه أن يلجأ لمحاسبة النائب، لدى القضاء. وما تفوه به النائب مصطفى بكرى وإن قال كفراً، لا يحق لأحد أن يحاسبه عليه، لأنه نطق به تحت قبة البرلمان، التى تمنحه حصانة تصون له حرية القول وممارسة حقه النيابى فى توجيه النقد لمن يشاء.
هذه الحصانة الممنوحة للطرفين المتضادين، ليست مبدأ غائبا عن أحد. فالدكتور الكتاتنى الذى يسير على نهج قائد البرلمان السابق تماما، يعلم أن الدكتور فتحى سرور الذى عمل معه نحو 10 سنوات، لم يعط الفرصة لإثارة مثل هذه القضايا تحت القبة إلا ما كان يضطر له من قبل النظام أو أجهزة الأمن، كما فعل مع النائب الراحل طلعت السادات، عندما تفوه بلفظ طائش فى حق قادة عسكريين سابقين. وكان سرور يرفع كلمته المشهورة «ما قيل عن النواب فى الصحف يرد عليه فى الصحف، وما يذكره النائب خارج المجلس يحاسب عليه خارجه، وما يذكره النائب تحت القبة، له حصانة مقدسة». تلك الكلمات التى كان يرددها سرور، حفظها عن ظهر قلب، بعد أن خاض معارك خاسرة لصالح بعض النواب، ضد الصحافة والشعب، وأدرك خطورة التدخل فى أمور لا تعنى أداء النواب أو أعمال المجلس فى شىء، بل كانت تفجر عليه نار الصحافة وكراهية المواطنين. لذا تخلى عن المعارك التى يدفعها إليه البعض، إلا ما كان يراه ماساً بكرامة المجلس أو أعمال السيادة التى يمارسها.
لو كان الدكتور سعد الكتاتنى لديه حصافة «سرور» فى الهروب من الفخاخ التى ينصبها له البعض، أو يدفعونه إليها دفعا، لهرب من المعارك الوهمية التى خاضها فى الأسبوعين الماضيين. الناس أصبحت تنظر للدكتور الكتاتنى بأنه يدار من نظام أو مسئول أعلى منه شأنا، وأصبحت ترى أن البرلمان تحول إلى دوار العمدة الذى ينصب حلقات يومية، لتأديب الراجل أبو لسان زالف أو الدفاع عن محترف اللعب مع الأنظمة المختلفة. فالخاسر الأكبر فى تلك المعارك لم يكن البرلمان وحده، وإنما الشعب بأسره. فالناس دفعت من جيوبها ثمن الجلسات التى بلغت تكلفتها نحو 5 ملايين جنيه، على الأقل، فى بدل الجلسات واللجان التى يتحصل عليها النواب فقط، فما بالنا بتكاليف انتقالاتهم وأكلهم وشربهم، وحوافز الموظفين والأمن وما أهدرناه فى ساعات الإرسال التلفزيونى والصحف وغيرها من التكاليف السيارة التى كنا فى غنى عنها، بينما لا يجد المرضى ولا العاطلون أى أموال تعوضهم عن حالة الفقر التى تفتك بهم.
لم تتوقف خسائر الدولة عند الممارسات الصبيانية تحت قبة البرلمان، ولا تغيير صورة المجلس سلبيا فى نفوس المواطنين، بل جاءت المصيبة الكبرى، بعد تكرر الاعتداء على المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية.

فها هو المرشح عمرو موسى تطارده حفنة من البلطجية فى محافظة الشرقية، لتعتدى عليه وعلى موكبه للمرة الثالثة فى شهر واحد. وجاء الاعتداء على موسى، بعد أيام من محاولة خطف سيارة الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح وضربه بكعب رشاش ميرى، على أم رأسه. ولم يناقش البرلمان الكارثة إلا بعد أن اصابة وكيل لجنة الصحة على طريق مصرـ اسكندرية الزراعى، المسئول الكبير فى جماعة الإخوان المسلمين وحزب الأغلبية البرلمانية، وزعمه أن الحادث كان مدبرا. لم يتوقف البرلمان عند مسألة خطيرة وهى ضرورة حماية رئيس الجمهورية القادم، فى ظل تردى الأوضاع الأمنية فى البلاد، بما يكفل لكل مرشح وجود قوة أمنية رسمية تسهر على حمايته من أى مكروه أو ما يعكر أمن البلاد. فقد كان أولى أن يبدأ البرلمان فى سن قانون يوفر الحماية لهؤلاء، من قوات الجيش أو الشرطة، بدلا من أن يدفعهم دفعا إلى استخدام قوات أمنية خاصة، وتصبح البلاد مليئة بالمليشيات العسكرية، على غرار ما يحدث فى العراق، أو يقع الرئيس القادم فى قبضة عصابات البلطجة، ويصبحون سدنته، كما كان يفعل الوزير السابق حبيب العادلى، لضرب خصومه أو عند افتعاله أزمات سياسية كبرى، وإثارة فتنة تضمن بقاءه فى السلطة.
لهو البرلمان عن القضايا الحيوية فى الدولة، وعدم ادراكه لما يحاك بنا فى الخارج، جعل إمرأة مثل هيلارى كلينتون وزير الخارجية الأمريكية تذكر فى جريدة نيويورك تايمز الأمريكية منذ أيام، أثناء تفاوضها على اطلاق سراح الأمريكيين المتهمين فى قضية التمويل الأجنبى، أنها لم لا تجد فى مصر من تحاوره فى تلك القضية. بالأحرى وفقا للترجمة الحرفية، حكومة تحاورها، بينما القصد من المعنى «رجلا تتكلم معه». تماما كما كان يفعل اللورد كرومر عندما قامت ثورة 1919، عندما رد على ثورة المصريين بأنه لا يجد فى مصر من يتفاوض معه باسم الشعب، فما كان من سعد زغلول ورفاقه إلا أن شكلوا الوفد المصرى، من أعيان البلاد وشيوخها وطوائفها، ليقول للانجليز بأن هنا شعباً له رجال يمثلونه عند لقاء العدو. وها هى المرأة الأمريكية تكسر شوكة مصر بأكملها، بما جعل الصحافة الأمريكية تصف قضية اطلاق سراح المحتجزين الأمريكيين فى القضية، بأن مصر ركعت أمام أمريكا بسرعة «تناول طبق من السلطة». فقد طاشت كلمات رئيس الوزراء فى الهواء حينما قال تحت قبة البرلمان إن مصر لن تركع لأمريكا فى القضية ذاتها، وها هو القضاء يترنح على عرشه، عندما ارتعشت إرادته، وغير كلمته فى ثوان معدودات فى قضية اعتبرها من أكثر القضايا خطورة على الأمن القومى المصرى. وها هو رئيس المجلس العسكرى الذى انتفض البرلمان لكرامته ضد أحد نوابه، يدبر أمرا فى الخفاء حول قضية تمس السيادة الوطنية، لم يعرف بها الشعب ولا البرلمان، ولم يمنح القضاء فرصة الخروج الآمن من حفرة نصبتها له الأجهزة الأمنية والسيادية التابعة له.
[email protected]