رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أنا الثورة ( 2)

بدأ العد التنازلي لمرور العام الأول للثورة، وسط أجواء عصيبة. فتحت الثورة باب الحرية على مصراعيه، فأسرع الأوباش لاحتلال مكانة لهم تحت الضوء، يزاحمون بها مكانة الثوار، الذين خرجوا من الميدان، فور خلع النظام السابق. لم تكتمل حلقات الثورة بعد، وها نحن نحصل مؤخرا على اعتراف رسمي من أعمدة النظام السابق،

بأن ما قام به الشعب ثورة تستحق أن نحتفي بها ونقيم لها احتفالا رسميا، تعطل فيه المدارس والجامعات والأجهزة الحكومية. اعتراف شكلي جاء متأخرا، ربما تفاديا لصدام مرتقب بين الشعب والسلطة، أو هاجس أمني جعل المسئولين يرتعدون من قدوم الذكري الأولي للثورة العظيمة.
في كل الأحوال، لا يستطيع أحد أن ينكر أن ما قام به الناس ثورة شعب حقيقية، خرج فيها الملايين، ضد الظلم والطغيان مطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية. وعندما نرصد ما حصدناه خلال عام فائت، سنجد أن الثورة لم تحقق أية انجازات كبرى، حتى الآن. فلا يكفي أن الثورة مكنت تيارا بعينه من التواجد في الساحة السياسية، والفوز بأغلبية ساحقة في البرلمان، بينما السلطة مازالت جميعها في يد مجلس سلطوي ينتمي إلى زمن انقضى. ولا يمكن أن نحتفى والشعب لم يعرف بعد جزاء الذين قتلوا حتى الآن 1200 شهيد وشوهوا أجساد آلاف الشباب والبنات، ونهبوا مليارات فقراء المصريين.
الكارثة الكبري أن طائفة من الشمبانزي، الذين يطيرون مثل بهلوانات السيرك، من خدام النظام السابق قفزوا على الثورة، ويظهرون بكل بجاحة في أجهزة الإعلام التي كانت أدوات التضليل في العصر البائد. هؤلاء القردة محترفو « النط» على المقاعد والمواقف، يخلعون على أنفسهم، خلعة الثوار، بدون حياء ولا خشية ظهور لمواقفهم المسجلة بالصوت والصورة وما زالت محفوظة على شبكة الانترنت. فهم يتحكمون في الإعلام، أكثر من الماضي، ويلمعون من يرونه في دائرتهم الجهنمية، ويطاردون من يقف في طريقهم أو يذكرهم بأيامهم السوداء، حيث عملوا خداما للسلطة، وبعضهم أثرى من الفساد الذي كان يمارسه رجالها جهارا، دون رهبة أو حياء.
وهناك طائفة أخرى احترفت التكسب من حالة الفوران السياسي في المجتمع، لجلب المال الحرام من السفارات ، عن طريق كتابة تقارير ملفقة. هذه الطائفة التي تحولت بين عشية وضحاها إلى نخب مالية متوحشة، أرادت أن تمارس نفس الدور الذي لعبته في الماضي، بتسهيلات من النظام السابق وأجهزة الأمن، مع تبوئها مراكز مرموقة، في مجتمع الثورة. فمنهم من أصبح ضيفا دائما على الفضائيات التي يديرها بعض بهلوانات النظام السابق، وفلوله الذين أنشأوا قنوات جديدة، وآخرون متصلون بمؤسسات إعلامية لا تستحي أن تكون لسان إسرائيل أو أمريكا وغيرها، ليظلوا جميعا في مقدمة الصفوف.لم يتورع بعض هؤلاء العراة من ثوب الحق، أن يشنوا حربا علينا عندما واجهناهم بحقائق التمويل الذي رصدته وثائق وكيليكس وما ينشر على موقع وزارة الخارجية الأمريكية رسميا.
تحالف الأوباش لم يتورعوا عن قولهم إنهم رموز للثورة لا يجب المساس بها. غاب عن فهمهم الضيق أن نار الثورة لم تعرف الشارع إلا بعد أن قدم شهداء السويس أنفسهم فدءا للوطن، وسقط عشرات القتلى في ميدان التحرير تحت عربات الشرطة وطلقات الرصاص. سقط من ذاكرتهم صورة الملايين التي تدفقت عبر ميادين مصر، وهي رافعة شعار واحد «يسقط حسنى مبارك» ثم « ارحل ..ارحل» دون أن يكون لهذه الملايين رأس واحد، ولا

زعامة ولا تيار يجمعهم. فات عليهم أن زعماء الثورة كان منهم الشيوخ والشباب والنسوة اللائي رفعن رايات العصيان ضد الظلم والقهر والاستبداد مما عانين فقدان الولد وضياع الشرف.

ذكرتني وقفات الأوباش بما قاله صاحب نوبل الأديب نجيب محفوظ في حواره مع الأديب الراحل رجاء النقاش: «من خلال قراءتي في التاريخ، وبخاصة تاريخ الثورات الكبرى، وجدت أن هناك قاعدة مشتركة تنطبق عليها جميعاً، وهي أن الثورة يدبرها الدهاة وينفذها الشجعان ويفوز بها الجبناء». (نجيب محفوظ: صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته. ص 216). ويكتب الأديب السوري أدونيس: «لا يتم تغيير المجتمع بمجرد تغيير حكّامه. قد ينجح هذا التغيير في إحلال حكّام أقل تعنفاً أو أكثر ذكاء، ولكنه لا يحل المشكلات الأساسية التي تنتج الفساد والتخلف. إذاً، لا بد في تغيير المجتمع من الذهاب إلى ما هو أبعد من تغيير الحكام، أعني تغيير الأسس الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية». (في ضوء اللحظة السورية، 31مارس 2011، جريدة الحياة اللندنية.
لقد ذكرتني كلمات نجيب محفوظ بحالنا الآن، فقد ركب الثورة الآن فئة من الجبناء الذين اعتادوا اشعال المعارك في المكاتب، ولم يقدروا على مواجهة القنابل المسيلة للدموع، فما بالكم بطلقات الرصاص التي حصدت أرواح الشباب في الميادين. في الوقت نفسه فضل الآباء الحقيقيون للثورة، العودة إلى العمل لملاحقة لقمة العيش، التي لا يستطيعون توفيرها إلا بالتعب ومزيد من الشقاء، وتركوا الساحة فارغة لفئة من المتنطعين القادرين على مد اليد للأجانب وأخذ الأموال بطرق ملتوية، بدون عمل أو مجهود.
كم تمنت أن يحتفل المصريون جميعا بثورتهم التي قام بها الشعب بأسره، ولكن كيف يكون ذلك وهناك من ينصبون أنفسهم ثوارا، بينما الثوار الحقيقيون، يرفضون أن تظهر صورهم على شاشات التلفزيون وأوراق الصحف؟. فإذا رغبنا في أن يكون الاحتفال مهيبا فما علينا إلا أن يحمل كل فرد منا مشعله وليعلن على الملأ؛ أنا الثورة وهذا شعبي الذي فجرها، حتى لا نترك الميادين شاغرة أمام محترفي الظهور أمام الفضائيات وأجهزة الإعلام. فهؤلاء هم لصوص الثورة وما قبلها، ما قدموا شيئا وإلا تكسبوا من ورائه، أما الشعب فآن الأوان بألا يترك ثورته يظفر بها حفنة من اللئام.
[email protected]