عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حزب الرئيس..أسقط النظام!

بعد شهرين من فوز الحزب الوطني بـ97% من مقاعد مجلس الشعب، هبت ثورة الغضب التي قادها شباب غض أغلبهم نزل الشارع  لأول مرة، لم يعرف السياسة إلا عبر الفيس بوك والانترنت. جاء سقوط الحزب الوطني مدويا أمام ثورة الغضب، فلم يظهر رجاله الذي أعلن أمينه العام منذ أيام أنهم بالملايين، ولم يطل علينا كباره الذين اعتادوا تعليق اللافتات وملأ الجلسات التي يحضرها الرئيس. اختفى الحزب من الساحة إلا من بعض منشآته التي أحرقت عمدا من قبل عناصرأرادوا إخفاء معالم جرائم ارتكبت، أو أشعلها غاضبون. وعندما اشتدت ثورة المواطنين، هربت جحافل الحزب إلى جحورها، حتى زعيمهم أمين التنظيم الذي تباهي بانتصاره العظيم في معركة انتخابات فاسدة جلبت العار والخراب للنظام ولمصر بأثرها، أعيد من مطار القاهرة أثناء محاولته الفرار بطائرته الخاصة، التي جهزها منذ اللحظات الأولى لثورة الشباب التي انطلقت في 25 يناير.

تحسرت على الحزب الوطني عندما شاهدت ألسنة اللهب تلتهم مبناه الرئيسي كما أتت على الكثير من مقاره في المحافظات، ومع خوفي أن تمتد النيران للمتحف المصري المجاور له، تساءلت أين رجاله الذين كانوا يمنعون الشعب من الاقتراب منه طول السنوات الماضية؟، حيث كان مقره يشبه أجهزة الجستابو النازي، خاصة عندما يكون بداخله أحمد عز ورفيقه جمال مبارك. كنا مع الشباب الذي استدعى القوات المسلحة لإطفاء نيران الحزب الوطني، وتطويق المتحف قبل أن يتسلل إليه اللصوص، مع دخول الظلام ليلة جمعة الغضب. وكم أحزنني أن تترك محتويات الحزب الحاكم تحترق بالكامل طيلة 3 أيام، حتى أتت النيران على مبناه وكافة المنشآت المحيطة به، خاصة المجلس الأعلى للصحافة والمجالس القومية المتخصصة وحقوق الإنسان.

شاهدنا غاضبون ومندسون وهم يأتون على مقر الوطني يخطفون منه بقايا السيارات وأوراقه المحترقة، فلم نجد فيه رجلا يحميه، واستغثنا بالقوات المسلحة في اليوم الرابع للأحداث كي تمنع اللصوص من قتل أنفسها داخل مبنى مكون من 9 طوابق يوشك على الانهيار. كانت الأحداث تتداعي بسرعة، بينما الشباب الغاضب يصر على رحيل الرئيس، مع تزايد الشهداء وضرب الرصاص الحي ودهس العشرات تحت عجلات سيارات الشرطة، أمام كاميرات وعيون المشاهدين. وعندما أعلن الرئيس مبارك أنه سيتنحى عن الحكم بعد انتهاء ولايته ووعده بتنفيذ مطالب الشباب للإصلاح المنشود، في هذه اللحظة عادت ذيول الحزب الحاكم  التى اختقت فجأة  لتظهر من جديد.

جاءت عناصر الحزب الوطني، في وقت بدأت فيه غضبة الشباب تقل حدتها، ووسط تعاطف شعبي مع خطاب الرئيس، وبروز دعوات تطالب المتظاهرين بالكف عن أفعالهم حتى لا يخرج رئيس البلاد مذموما مدحورا، بل مكرما ورمزا للجيش المصري العظيم. ظن هؤلاء أنهم سينقضون ثانية على مكاسب الشباب والشعب، كما فعلوا مرارا من قبل، فمارسوا نفس المهمة التي تعلموها ورقصوا نفس الرقصات أمام كاميرات التليفزيون الرسمي وكرروا كلمات النفاق التي لم يتقنوا غيرها، بل وبنفس أساليب البلطجة حملوا الطوب والقنابل المولوتوف لضرب المتظاهرين العزل أمام الجيش وشاشات التليفزيون. لم يتحرك أي منهم لحماية مقاره أو مساعدة رجال الأمن في عودة الهدوء المفقود في البلاد، بل كان منهم من يخطط للهرب بما نهبه من مال الشعب أو يدفع مالا لبلطجي أو مرشد أو ناضورجي لإخراج المتظاهرين من ساحة التحرير بقوة البغال والجمال والقنابل الحارقة.

لم يكن الحزب الوطني إلا كالدبة التي قتلت صاحبها، فلم يجن الرئيس مبارك من وراء هذا الكيان اللقيط إلا الفساد الذي اتصفت به فترة حكمه والعار الذي لحق برجاله، والكراهية التي حملها الناس لنجله وأسرته. فعندما بدأ مبارك الحكم كان مرحبا به بين كافة الطوائف السياسية، خاصة بعد أن بدأ عصره بالإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين من الوفد والإخوان والناصريين والشيوعيين. كان الشعب لديه قدرة على التفاعل مع الرئيس، في أحلك الظروف التي مرت بها البلاد، في الثمانينات من القرن الماضي. فقد أطاعه الشعب حينما طلب منه شد الأحزمة على البطون عدة سنوات ارتفعت خلالها الأسعار ومعدلات البطالة وانخفضت قيمة الأجور والجنيه. صبر الشعب كثيرا، فإذا به يكتشف أن ثمار صبره تحول إلى رأسمال لطغمة في الحزب الحاكم استباحت المال العام، ونهبت أراضي ومصانع الدولة، وخطفت فرص العمل الكريمة لنفسها أو أسرها ومحاسيبها. تعمدت تلك الطغمة

أن تقصى وتطارد كل صوت أو قلم يشير إلى فسادها، وتزوير إرادة الشعب بفجور ووضع رجالها في الأماكن الحساسة حتى جعلت من أحكام القضاء ألعوبة، والأجهزة الرقابية لا قيمة لها.

فساد الحزب الحاكم لم يكن خافيا على أحد، وهناك من الصحفيين الذين نهلوا من خيراته المسمومة، وقضاة استفادوا من هباته وضباط  وموظفين استفادوا من وساطاته، ورجال أعمال كرسوا ميزانية الدولة لخدمة مشروعاتهم، وأحكموا قبضتهم على خيرات البلد، في الوقت الذي كانت تزداد معدلات الفساد والبطالة والهوة بين الفقراء، وطبقة الأغنياء الجدد. لم يهتم أي منهم إلا بخدمة رئيسه حتى يكون شريكا في النهب والسلب، حتى سدوا منافذ الرحمة في وجوه الناس وخاصة الشباب الباحثين عن فرصة عمل وحياة كريمة تدفعهم للأمام. لم يكن الفساد خافيا على أحد، فالكلام كان مباحا أما الأفعال فمخولة إلى أجهزة الأمن كي ترد على خصوم الحزب الحاكم، على طريقتها، حتى أصبحت مهمة تلك الأجهزة قاصرة على خدمة كل فاسد ومتسترة على أي فساد.

لم يترك الحزب الوطني فرصة لأي حزب آخر أن يتحرك بجواره، فالمعارضة في نظره إما أن تكون ملوثة مثله وإما خائنة للوطن الذي يحدد بنفسه معالمه وألوياته. ولم يتورع رجال الوطني أن يحصلوا على أموال من جهات أجنبية لإقامة جميعات تجرعوا الآن من أعمالها السم الذي أنتجوه في عقول الشباب. ولم يتوان رؤسائهم في إقصاء من بينهم أصحاب العقول النيرة وذوي الرأي الصائب، اعتبروهم من الشواذ على قاعدتهم العريضة في البلاد.  ومن الغريب أن صوت العقلاء منهم لم يصل لأذن الرئيس، فلم يستمع لتحذيراتهم التي قالوها أمامنا مرارا في البرلمان والندوات عن وجود عناصر داخل الحزب تخرب البلاد، وتدفع الناس إلى ثورة لا يعلمون نتائجها. وبدلا من أن ينصت الرئيس لأي منهم كان أباطرة الحزب الحاكم  يتهمون الناصحون بالخروج على الجماعة التي تتحرك آليا بأصبع أحمد عز، ذلك الشخص الذي كتبنا عنه مرارا بأن قصوره الجسماني يحرك فيه دوافع جنونية ستحرق البلاد مثلما فعل نيرون في روما!. وكان عجبا أن يطلق الرئيس على معارضي التزوير بأنهم جماعة تتسلى!.

كان أمام الرئيس فرصة لإصلاح نظامه لو استمع يوما لنصائح فؤاد باشا سراج الدين  زعيم الوفد الراحل بأن يتخلى عن رئاسة الحزب الوطني ليصبح رئيسا لكل المصريين. ولطالما نادى العقلاء من السياسيين والمفكرين وأحزاب المعارضة بأن يكون الرئيس حكما بين السلطات، وأن تصبح المنافسة الانتخابية مفتوحة بين الأحزاب لتشكيل الحكومات، حتى لا يصبح رئيس الدولة وهو الرمز الوطني، محط غضب الثائرين  والشاتمين. فقد نهب رجال الحزب ثروات مصر، على مدار 4 عقود، واليوم تفرقوا من حول زعيمهم عندما عصفت به الأنواء، وقد حان الوقت أن يتبرأ الرئيس منهم، حتى تذرهم الرياح أمام عينه، قبل أن ينظروه عن بعد، يوم الرحيل.

[email protected]