رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عبدالله النغيمشى يكتب : الإخوان في الميزان!

بوابة الوفد الإلكترونية

درجت الثقافة الإخوانية حال قراءتها ونقدها للآخر أن تعبر بلغة الميزان تحت رغبوية الاعتدال والعدل ودعوى قوامين بين الناس بالقسط إمعاناً في القطعية أحادية الصواب. استعرت عنوان المقالة من عناوين بعض كتبهم ككتاب «الحداثة في ميزان الإسلام» للكاتب الإخواني السعودي عوض القرني، وكتاب «طه حسين حياته وفكره في ميزان الإسلام» للكاتب أنور الجندي، وكتب أخرى جعلت ميزان نقدها هو ميزان الإسلام، ولا شك في أن ذلك تهوين ووهم وتعد على الإسلام الذي يتعالى أن يكون له ناطقون مخولون بالحديث والنقد باسمه وميزانه، أنا أضع ميزاناً نقدياً أو قراءتي واستعادتي للفكر الإخواني رأيي المحض، من خلال أقصى مدركاتي التي شارفها اطلاعي واستقرائي النسبي.

بعد إدراج جماعة الإخوان ضمن الجماعات الموشومة، تكاثف الحديث والنقد والاستعادة للفكر الإخواني، خصوصاً الإخوانية السعودية، التي تنتهي سلالياً إلى مشيمة الأيديولوجيا الإخوانية المصرية، وإن تهجنت بالإخوانية السورية أو السلفية السعودية، ثمة سؤال حول الفكر الإخواني وحول نقاده، هل كان الفكر الإخواني شراً محضاً كما يصور ذلك كتّاب من المناوئين للأيديولوجية الإخوانية، خصوصاً ما بعد سقوط ولاية الفقيه الإخوانية في مصر؟ بظني أن الفكر الإخواني كغيره من الأفكار الوضعية المحتملة للأفكار الأضداد، ذلك أنها تحمل الطروحات الإيجابية والخيرية بقدر ما تحمل في الآن ذاته الأفكار السلبية والتدميرية كطبيعة متلازمة للعقائدية.
حينما نتقصى مشكلة الإخوان لمعرفة أسباب تراجع قيمتهم المعنوية في الوطن العربي، سنجدها ماكثة خلف فكرهم السياسي والديني الشمولي الذي يعتمد الهيمنة السلطوية والذهنية الأبائية كما رغبة الاستبداد في الحكم وإدارة الشأن العام، إن عبر السياسة أو عبر سلطة الدين، إضافة إلى ضيق بطانتهم الشعورية بالآخر المختلف مهما تكن خلفيته ما لم تكن إخوانية أو تعلن المهادنة للفكر الإخواني.
اللحظة الفارقة في الفكر الإخواني هي تحوله السريع من الوعي المدني واللغة المدنية الذي عبر خلالها ناحية السلطة والحكم إلى العنف، وذلك ما شكل صدمة للعقل العربي الذي كان يأمل بالإسلامية المعتدلة، والذي كانت الإخوانية تبشر به، ليتكشف أن الفكر الإخواني لم يكن يستبطن السلم الأهلي والحس المدني وقابليته السريعة ناحية الانزلاق في العنف. أخلص من ذلك إلى العودة لسؤال هل كان الفكر الإخواني شراً محضاً؟ يبدو لي أن الفكر الإخواني في رأسه السياسي كان غير موفق، ذلك أنه حاول توريط المقدس الروحي في الزمني الدنيوي في المجال السياسي مع أول فرصة تماس فيها مع الحكم، وذلك ما كان خلف تداعي رواقات الإخوان المعنوية لدى غالبية الوعي العربي، الذي وصل لمرحلة الرفض لمشروع الإخوان السياسي وحتى الفكري والديني جراء تبخيسهم الدولة لمصلحة الجماعة والحزب.
رأس الفكر الإخواني (السياسي) أتى على عامة الفكر الإخواني وتاريخه بما فيه الإيجابي والخيري الذي يتم راهناً شيطنته وإقصاؤه بسبب التجديف السياسي، أعني من ذلك أن الفكر الإخواني ليس شراً محضاً، ذلك أنه وإن كان يشتمل الأفكار الغالية، فإنه يشتمل الأفكار المعتدلة، لكن تم التجريف لعامة هذا الفكر بسبب هيمنة البائسين فكرياً وسياسياً من الجماعة الذين انخرطوا ناحية تهديم دولهم لمصلحة جماعتهم، وأقول من باب (العدل والقسط) في النقد إن فكر جماعة الإخوان ليس كله شرٌ

محض كما هم ليسوا خيراً محضاً، ولا بد أن يحفظ لهم منتجهم ومشاركاتهم الإيجابية عبر تاريخهم (الثقافي / التطوعي الاجتماعي / الديني)... ولست هنا في مقام الدفاع عن الإخوان أو مناوأتهم، كما أنني لست مع لغة (الفسططة) المتقلبة، كما أنني لا أدعي الموضوعية والحياد، لكنني مع العقلانية في المحبة والكراهية حتى لا نعود لإنتاج الفرقة والكراهيات التي لا تنتهي. كما أدعو لنقد فكر الإخوان من خلال النقد العلمي العقلاني الأخلاقي، خصوصاً أننا نتحدث عن جزء من نسيجنا وبعض ممن يشاركوننا جغرافياً الوطن والثقافة.
وهنا أدعو إلى تحديد الخطيئة في الآخر، حتى لا نحوله كله إلى خطيئة ليكون نقدنا موضوعياً وأخلاقياً، ذلك أن النقد بذهنية شمولية قد يدفع نحو المنابذة والاحتراب الذي نمتلك أن نمنعه من خلال تعاطينا مع المختلف بلغة نقدية وازنة تنزل الآخرين منازلهم من دون تعد أو استعداء، وذلك إن كنا نستدعي الوفاق والصدقية.
(الحصاد) لو أخذنا الإخوانية السعودية (السرورية) نموذجاً للإخوانية الأم، لوجدنا أن بدايات السرورية كانت تنحى البعد المعرفي والتربوي والتطوعي الاجتماعي ونشر الوعي بالقيم الدينية والأخلاقية، وذلك أيام كانت صحوة قيمية، ولو ظلت على ذلك لربما كان لها دور خيري إيجابي، لكنها إبان حرب الخليج (غزو الكويت) اشرأبت بعيداً عن دورها، وانقلبت نحو المناكفات السياسية مخلية ومتجاوزة مواقعها القديمة (الاهتمام بالمعرفة ونشر الوعي والعمل التطوعي الإنساني).
ومنذ ذلك الحين وهي تدنس الديني بالدنيوي حالها كحال مشيمتها (جماعة الإخوان) التي تخلقت في بداياتها كجماعة خيرية، ثم تحولت إلى حيث إرادة السلطة والحكم والهيمنة على مصائر البلاد والعباد.
أنا شخصياً لا أجد الود لجماعة الإخوان وأجد عليها الكثير، لكنني أتحاشى أن أبادلها اللغة الشمولية الدوغمائية، وأتجه إلى نقدها من دون هجائها، ذلك أن القطعية في النقد ما هي إلا شيء من تجليات الاستبداد.
على المنضوين تحت مظلة الفكر الإخواني والمتعاطفين معه أن يراجعوا عقيدتهم السياسية وألا يقدموا مصلحة جماعة وحزب على مصلحة واستقرار وسيادة دولة، خصوصاً أننا نعيش زمن الدولة العربية العليلة التي بالكاد تفي بمسؤوليتها تجاه أفرادها.
نقلا عن صحيفة الحياة