رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ورقة حزب الله الاستباقية لتقويض المحكمة الدولية

يلخص ديفيد هيرست الكاتب البريطاني الخبير بقضايا الشرق الأوسط ولبنان بشكل خاص في كتابه الذي صدر مؤخرا بعنوان: "احذروا الدول الصغيرة..Beware of small states " مجمل الوضع في لبنان

ويساعدنا في فهم أبعاد الأزمات التي تندلع هناك بين الفينة والأخرى، حيث يشير إلى أن لبنان يعتبر في التحليل الأخير نموذجا مصغرا لما يجري في الشرق الأوسط من صراعات وأن تركيبته الداخلية عززت تحوله إلى ساحة لتصفية حسابات القوى الكبرى.
على خلفية هذا الفهم يمكن لنا استيعاب أبعاد أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية والصراع بين سعد الحريري ممثل تيار الأغلبية ونجيب الميقاتي ممثل تيار المعارضة علي تشكيل هذه الحكومة والذي انتهي بتكليف الرئيس اللبناني ميشيل سليمان نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة الجديدة وحصوله على الأغلبية النيابية رغم ما يبدو من غليان الوضع هناك بفعل المظاهرات من قبل أنصار تيار سعد الحريري رئيس حكومة تصريف الاعمال.

بدأت الأزمة التي أعادت البلاد الى المربع (صفر) بقرار حزب الله الانسحاب من الحكومة اللبنانية ما أدى إلى سقوطها، الأمر الذي اعتبره الحريري وفريقه المعروف بفريق 14 آذار بمثابة انقلاب على اتفاق الدوحة وإذا كان موقف حزب الله ألقى بلبنان في ساحة المجهول مرة ثانية، فإن فهم أبعاد الأزمة قد يساعد في استشراف أفق حلها الذي من المتوقع أن تنتهي إليه.

وجاء موقف حزب الله بالانسحاب من الحكومة وفق ما أعلنه نصر الله الأمين العام للحزب على خلفية المخاوف بشأن طبيعة قرار محكمة العدل الدولية حول اغتيال الحريري والذي يرى الحزب أنه سيتضمن توجيه الاتهام له، الأمر الذي قد ينتهي إلى مطالبات تفقده فعاليته وتأثيره على الساحة اللبنانية وكان منطق الحزب أن خطوته تأتي انطلاقا مما اعتبره عجز الحكومة عن حماية لبنان ومواجهة تداعيات القرار الظني.

أزمة داخلية بدوافع خارجية

هنا يتبدى لنا تشابك الداخل والخارج في الساحة اللبنانية على النحو الذي يصعب معه الفصل بينهما، عكس الكثير من القضايا النزاعية في دول المنطقة. فمحاولة تحجيم حزب الله ليس مسعى لبنانيا خالصا رغم الإقرار بعدم الارتياح تجاه تزايد نفوذه من قبل قوى لبنانية مختلفة غير أنه يمثل مطلبا أمريكيا إسرائيليا بالأساس باعتباره امتدادا للمشروع الإيراني ويقف عقبة أمام أهداف الجانبين بالمنطقة. وإذا كانت هناك العديد من المؤشرات التي تؤكد صحة هذا الطرح، فإن أقربها ذلك التحذير الذي أطلقه نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي سيلفان شالوم أمس الأول، من أن التشكيل المحتمل لحكومة لبنانية يقودها «حزب الله» سيكون «تطوراً خطيراً جداً جدا" ما يعكس القلق الإسرائيلي من تنامي قوة حزب الله السياسية.

وقد أشار سعد الحريري في سبتمبر الماضي إلى تسييس قضية اغتيال والده بقوله: إن شهود الزور في التحقيق باغتيال والده ضللوا التحقيق وألحقوا الأذى بسوريا ولبنان وخربوا العلاقات بينهما و"سيسوا الاغتيال" ما يؤكد أن مسعى تفعيل محكمة العدل بشأن قضية اغتيال الحريري هو غربي بالأساس وأمريكي بشكل خاص !.

غير أن ماكينة المحاكمة يبدو أنها تجاوزت الحريري الابن بشكل أصبح معه من الصعب إيقاف حركتها، الأمر الذي أكده وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط في معرض تعليقه على الأزمة بقوله: إن "المحكمة الدولية لا يمكن إيقافها". وفي ذات الوقت وفيما يكشف عن الدور الخارجي في تصعيد الأوضاع على الجبهة اللبنانية لا يمكن إنكار أن محاولة تعزيز وضع حزب الله يمثل مسعى إيرانيا خالصا حيث إنه بالإضافة إلى تحالفها مع سوريا يعتبر ورقة تمكنها من مواجهة الضغوط التي تواجهها على صعيد عدد من الملفات ومنها الملف النووي.

في معرض تقييم الموقف حتى اللحظة يمكن القول: إنه من الواضح أن حزب الله أعد لخطوته جيدا، فيما يمكن أن نلمس بوضوح ارتباك المعسكر المضاد ممثلا في فريق 14 آذار. وبغض النظر عن الأبعاد السياسية في موقفه، فقد أحسن الحزب عرض قضيته بتأكيده على مبدأ أساسي هو احترام تمثيل الجميع في الحكومة وهو ما يقوض دعاوى سعيه إلى الاستئثار بتشكيل الحكومة وتقويض حقوق الجماعات الآخرى وبشكل خاص السنة في لبنان.

في مقابل هذا الموقف جاء موقف فريق 14 آذار بالغ الضعف، الأمر الذي يبدو واضحا في رسالته للرئيس ميشيل سليمان التي بدت تحريضية وكذا وصفه لما قام به حزب الله بأنه انقلاب على السلطة، وهى التهمة التي كان رد الحزب عليها واضحا بتأكيده أنه في ذلك يمارس حقه الدستوري في إسقاط الحكومة

وأنه ليس بصدد إلغاء أو اغتيال أحد.

وقد كان من التهافت البالغ أن يستخدم فريق 14 آذار لغة تخوينية تتردد في الخطابات المناوئة لحزب الله بالتأكيد على رفض وضع "ميليشيا مسلحة يدها على الدولة والبلاد. لن نقبل تغيير وجه لبنان وتحويلَ النظام فيه الى دكتاتورية قائمة على التعصُّب الديني شبيهة بتلك التي يعاني منها الشعب الإيراني. لن نقبل العودة إلى زمن الوصاية التي انتفضنا ضدّها وأسقطناها"، في شبهة استخدام حزب الله كفزاعة بالتلويح باعتباره امتدادا للنفوذ الإيراني. ورغم محاولة تيار المستقبل تعزيز موقفه باللجوء إلى الشارع إلا أنه يبدو أن تلك الورقة لن تحقق الأهداف المرجوة منها في ضوء انقسام فريق 14 آذار بخروج النائب وليد جنبلاط زعيم كتلة اللقاء الديمقراطي عن التحالف وما يمكن اعتباره خروج ميقاتي كذلك الذي قبل ترشيحه لرئاسة الوزراء.

والسؤال الذي يفرض نفسه هو: ما هي حدود الخارج في توجيه مسار الأزمة؟ وإلى أين تمضى؟

بعيدا عن رد الفعل الإسرائيلي الذي أشرنا إليه تبدو هناك حالة من "اللاموقف" من قبل الأطراف الدولية الفاعلة يمكن إرجاعها إلى حقيقة ما أشار إليه أبو الغيط من أن المحكمة سائرة في طريقها وأن بمقتضاها سيتم النيل من حزب الله، على نحو تبدو معه وكأن قرارات المحكمة "قدر مقدور" وهو ما يمكن تلمسه من تصريح الرئيس الأمريكي أوباما من أن تسليم القرار الاتهامي في لاهاي حول التحقيق في الاعتداء على رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري عام 2005 يمثل خطوة حاسمة نحو إنهاء عهد الإفلات من العقاب في لبنان،على حد تعبيره.

على الصعيد الإقليمي فقد تراجعت جهود الوساطة بانسحاب الأطراف الرئيسية منها على خلفية ما ذكرت هذه الأطراف أنه تصلب للقوى الداخلية في لبنان وهو ما قد يعقد الأزمة اللبنانية ويعزز دور القوى الخارجية التي تحرك المواقف من الخلف.

ورغم تأكيد الحريري عدم مشاركته في أي حكومة يترأسها مرشح قوى 8 آذار، إلا أننا نرى أن الأزمة يمكن احتواؤها في النهاية، فصراع القوى في الداخل متكافئ ومن الصعب لطرف أن يفرض إرادته على الآخر، وإلا فالمصير هو الدخول في اتون حرب أهلية ، الأمر الذي من الصعب أن يتحمله لبنان أو حتى الأوضاع في المنطقة.

وعلى ذلك فإن خطوة حزب الله في رأينا لم تكن سوى ورقة استباقية لمحاولة مواجهة ما قد تفرضه عليه استحقاقات القرار الظني لمحكمة العدل الدولية، الأمر الذي قد ينعكس في تخفيض سقف الأهداف الدولية من المحكمة. وعلى ذلك فإن تكليف ميقاتي بتشكيل الحكومة يمثل اتجاها بالأزمة الى الحل باعتبارها تولي حكومة تكنوقراط لإدارة الأوضاع في البلاد.. صحيح أن هذه النتيجة قد تمثل هزيمة لفريق 14 آذار، إلا أنها قد تمثل مخرجا مؤقتا باعتبار أن الوضع في لبنان أشبه بالمباراة، حيث يتحين كل طرف الفرصة ليلحق بالآخر الهزيمة وهو الأمر الذي قد تقبل على أساسه جبهة الحريري هذه النتيجة.