رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عودة إسلاميي تونس مع غياب بن علي


برغم أنهم خرجوا من السجون منذ ساعات فقط عقب العفو الذي أقرته حكومة الوحدة الوطنية التونسية عن كافة المعتقلين، فقد أعلن الاسلاميون التونسيون الذي جري قمعهم علي مدار 23 عاما هي فترة حكم الرئيس المخلوع بن علي، عن أنفسهم في مظاهرات وخطب أمس الجمعة لأول مرة، حيث شهدت منابر العديد من المساجد خطب ساخنة وحماسية لموالين لحركة النهضة (حزب الشيخ راشد الغنوشي) وكذا جماعات سلفية أخري تطالب بالحريات الكاملة للإعلام والمحجبات وإنهاء الرقابة التي فرضها النظام السابق علي المساجد، وبلغ الأمر طرح قيادات سلفية فكرة (الخلافة الاسلامية) في شعارات أنصارها خلال المظاهرات التي أعقبت الصلاة .
وبالمقابل شهدت صلاة الجمعة الأولى في تونس في العهد الجديد في عدة مساجد انسحاب من يعتبرهم المصلون ''أئمة بن علي''، وهروبهم من مواجهة المصلين، خاصة الذين ظلوا حتى صلاة الجمعة الأخيرة التي سبقت بساعات هروب الرئيس بن علي، يدعون التونسيين إلى الهدوء والإشادة بإنجازات الرئيس ويثمّنون خطاباته ويعنفون المنتحرين حرقا ويؤكدون أن مصيرهم النار .
حيث أعلن الإسلاميون في تونس عن وجودهم الميداني العلني للمرة الأولى منذ حظر التنظيمات الإسلامية، منتصف التسعينيات أمس الجمعة واليوم السبت، ونظموا مسيرة في العاصمة ومسيرات في عدة مدن غلبت فيها الشعارات الدينية على الشعارات التي ظلت ترفع في الشارع منذ الإطاحة ببن علي في 14 يناير الجاري، بدأت مع أول صلاة جمعة في عهد ما بعد بن علي أمس .
و للمرة الأولى في تونس حاول الإسلاميون استعراض قوتهم وإثبات تواجدهم في الساحة التونسية، بعدما دفعت المساجد بالمئات من المصلين للتظاهر في الشارع للمطالبة بإعادة الاعتبار للدين والقيم والمظاهر الإسلامية، في العاصمة تونس ، عندما انطلقت، من مسجد ''الفتح'' (باساج) مسيرة نظمها شباب ملتحون وشابات يرتدين الحجاب ينتمون إلى مختلف فصائل التيار الإسلامي في تونس، بينهم حركة النهضة وحزب التحرير الإسلامي والسلفية، ورفع المشاركون في المسيرة شعارات إسلامية كثيرة كان أبرزها ''من أجل تحرير المساجد من الرقابة'' و''الحرية للمرأة المسلمة'' و''الحجاب والنقاب يا حكومة الذئاب'' و''أين الإعلام من الدين'' و''الباطل ساعة والحق إلى قيام الساعة''.
وألبس أحد المشاركين ابنته التي لا يتجاوز عمرها الست سنوات الحجاب وكتب عليه ''هذه هي هويتي الحقيقية''، وغيرها من الشعارات التي تعطي الانطباع ببداية اقتحام الإسلاميين للمشهد السياسي والميداني في تونس. وشاركت في المسيرة نفسها عشرات زوجات وأمهات وأبناء الإسلاميين المعتقلين الذين قالوا إنه لم يتم إطلاق سراحهم حتى الآن وفقا لما تعهدت به الحكومة قبل يومين، حيث تتخوف هذه العائلات أن تمنع تهمة الإرهاب والتطرف الموجهة إلى أبنائهم المعتقلين إطلاق سراحهم، ورفعت الفتيات والسيدات من التيار الإسلامي الإسلاميات شعارات تطالب بحقهن في ارتداء الحجاب في الوظائف الحكومية ورفع التضييق على اللباس الإسلامي.
وقال أحد الشباب المنظمين للمسيرة لصحيفة "الخبر" الجزائرية: ''نحن من السلفية وهناك من ينتمون إلى حزب التحرير أو النهضة، نحن ننتظر عودة العلماء والشيوخ من الخارج، لإعادة بعث الصحوة''، مضيفا ''إننا نعلن رفضنا لبقاء من كانوا يمارسون التضييق على المساجد والرموز الإسلامية''.
وسبقت مظاهرات الاسلاميين مسيرة نظمها الطلبة الجامعيون المحسوبون على التيار الإسلامي قبل صلاة الجمعة وسط العاصمة، كما انطلقت مسيرة أخرى للإسلاميين من مسجد ''الزيتونة'' (البراني) في العاصمة، وفي مدينة صفاقس قال الناشط السياسي الهادي الخليفي إن العشرات من الإسلاميين خرجوا من مسجد ''اللخمي'' ورفعوا شعارات تطالب بإقامة الخلافة الإسلامية، وينتمي هؤلاء إلى بقايا (حزب التحرير الإسلامي) المتشدد المحظور، فيما أكد الناشط الإسلامي حمدي الجبالي أن المصلين في مدينة (سوسة) خرجوا في مسيرة بعد صلاة الجمعة رفعت فيها شعارات إسلامية لكنها شعارات تنسجم مع الشعارات التي يرفعها الشارع عموما، كما خرج الإسلاميون في عدد من المدن التونسية للتعبير عن انخراطهم في مطالب الشارع التونسية بإطاحة الحكومة.
وجاء اعتلاء شباب وشيوخ الحركة الإسلامية لمنصة الخطابة في هذه المساجد عقب هروب أئمة نظام بن علي، أو هروبهم من الخطابة، ففي مسجد ''الفتح'' وسط العاصمة غاب الإمام عن المنبر، واستخلفه في الخطبة أحد الأئمة الشباب المحسوبين على التيار الإسلامي، وألقى خطبة نارية حرّض فيها على الجهاد في سبيل الله وأنواعه وتحدث عن المبررات الشرعية للجهاد من أجل رفع الظلم، ودعا الشباب التونسي إلى العودة إلى المساجد، بيد أن القيادي في حركة النهضة الإسلامية والمتحدث باسمها، حمدي الجبالي، علق على بعض الخطب النارية التي شهدتها المساجد والشعارات قائلا إنها ''ليست شعارات المرحلة وتغيير لوجهة المطالب التي يرفعها الشارع التونسي''، مشيرا إلى أن هذه الشعارات ''ليست عنوان المرحلة وهي شعارات شاذة تشوّش على المطالب الشعبية''،

موضحا أن الحركة الإسلامية الواعية لا تريد تبني هذه الشعارات في الوقت الحالي ولا علاقة لها بأدبيات الحركة الإسلامية. ويعتقد محللون تونسيون أن بعض الإسلاميين الذين رفعوا شعارات متشددة من قبيل إقامة الخلافة الإسلامية وخرجوا في مسيرات أمس لا يمثلون التيار الإسلامي الواعي الذي تمثله حركة النهضة'' بزعامة رشاد الغنوشي وباقي القيادات الإسلامية التي ستعود لتونس قريبا.
سبب غياب الإسلاميين
وغاب الاسلاميون عن تونس عقب المحاولات المتعاقبة لأنظمة الحكم التونسية على مدار خمسين عاماً في إقصاء الإسلاميين من الحياة العامة، أبرزها حكومات الرئيس بن على الذي سعي منذ مطلع 1990 للزج بمئات من عناصر حزب النهضة، أكبر حركة إسلامية بتونس، في غياهب السجون، في محاكمات لم تخل من اتهامات واسعة النطاق بالتعذيب، ومعاقبة قادة الحزب بالسجن مدى الحياة أو النفي، ما دعا معظم قادة الحركة الإسلامية للهرب الي الخارج .
فالحبيب بورقيبة مؤسس الدولة التونسية بعد نهاية الاستعمار الفرنسي، استولى على الأوقاف الإسلامية وحول المحاكم الإسلامية إلى محاكم قضائية علمانية، وسن العديد من القوانين العلمانية مثل قانون الأحوال الشخصية، وكان - مثل مصطفى كمال أتاتورك في تركيا- يعتبر أن الإسلاميين يمثلون خطرا على طبيعة الدولة التونسية، وأن تعزيز العلمانية يقوي دعائم الدولة، ولم يشاطره الإسلاميون نفس الاعتقاد لذا تم إقصائهم من الساحة، ولم يبد بورقيبة أي تنازل عن مبدأ علمانية الدولة، فدعا إلى حملة إعدامات واسعة النطاق للإسلاميين على خلفية تفجيرات تعرضت لها منتجعات سياحية.
ولم يخف بورقيبة تهكمه على الحجاب واصفا إياه "بالخرقة الكريهة" أو كما جاء فى المرسوم رقم 108 لعام 1981 والذى حظر على الطالبات والمعلمات وموظفات القطاع العام ارتداء الحجاب، واصفا إياه بــ "الزى الطائفي" في المدارس والجامعات والمستشفيات والإدارات العمومية، وسار بن على، والذي شغل منصب رئيس الوزراء فى حقبة بورقيبة، على نفس النهج المتشدد من استئصال كل ما يرمز للإسلاميين من حجاب للنساء واللحية للرجال، وجدد مرسوم حظر ارتداء النقاب بالمرسوم 35 الصادر في 2001، ولم يبد أي تفاهم مع الإسلاميين واستمر في استبعادهم بالكامل من الساحة.
لولا غيابهم لفشلت الثورة
وتقول دراسة أمريكية نشرتها مجلة فورين بوليسي الأمريكية يوم 14 يناير 2011، تحت عنوان "لماذا خلت الثورة التونسية من الوجود الإسلامي: وكيف سرع غيابهم سقوط نظام بن"، للباحث الأمريكي بجامعة جورج تاون (ميشيل كوبلو)، أن "غياب" الإسلاميين عن مشهد الصدارة في الثورة كان سببا في نجاحها، وأنه "لو تبين للنظام وجود أى دور للإسلاميين فى أحداث تونس السابقة لما استجاب النظام بكل هذه السرعة لمطالب الجماهير المحتجة ولتوسع في استعمال القوة والقمع بشكل مضاعف من أجل إخماد تلك الاضطرابات، فالطبيعة العلمانية والقومية للنظام التونسي تبدو متأصلة في صلب النظام بشكل أكثر حدة من باقى الأنظمة العربية المجاورة " .
وتؤكد الدراسة أن غياب الإسلاميين أدي إلى دعم قوي من القوى السياسية المؤثرة بالداخل وإلى تعاطف غربي بالخارج، تجلى في رفض الجيش المشاركة فى كبح عنان الجماهير أو أن يصوب نيرانه إلى أجساد المحتجين فى محاولة لإنقاذ النظام وإخماد الاحتجاجات.