رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الدور الإسرائيلي فى الصراع المائي فى حوض نهر النيل

لم يكن اهتمام إسرائيل بدول حوض النيل وخاصة إثيوبيا وليد الساعة، فقد حرصت إسرائيل علي لعب دور نشط في القارة الإفريقية ولاسيما في منطقة حوض النيل،

وذلك انطلاقا من أهمية المياة في تدعيم وجود الكيان الاسرائيلي، وقد عبرت إسرائيل عن أطماعها في المياة العربية منذ بواكير القرن الماضي وقامت مراكز البحوث الاسرائيلية بالتعاون مع الولايات المتحدة الامريكية بإبداء إهتمام متزايد بكل من مصر وإثيوبيا لاعتقادها أن مياة النيل يمكن أن تساهم في معالجة المشكلة المائية لاسرائيل.

المحدد الأول :المكانة المحورية للمياة في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي :

كان رواد المشروع الصهيوني متيقظين منذ البداية إلي أهمية المياه في نجاح مشروعهم الاستيطاني في فلسطين واستمراره وشعارهم المعروف ( حدودك يا إسرائيل من النيل إلي الفرات ) يعني أن البعد المائي كان حاضراً في تكوين الأبعاد الجغرافية للمشروع باعتباره البعد الذي يتوقف نجاح المشروع واستمراره وازدهاره عليه ولذلك وضعت الحركة الصهيونية دائماً التحكم بمصادر المياه في أولوياتها إلي درجة عسكرة المياه وبعد أن نجح اليهود في تحقق هدفهم الأول وهو إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين شرعوا في السعي إلي تحقيق هدفهم الثاني وهو تعيين وترسيم حدود سياسية وقانونية لدولتهم تحوي ضمنها المناطق الغنية بموارد المياه.

والمحللون يعتبرون أن احتلال اسرائيل لهضبة الجولان إنما يعود ليس لاعتبارات استراتيجية أمنية فحسب بل لاحتواء هذه الهضبة مصدراً مائياً يمثل 17% من احتياجات اسرائيل، وقد وصل جدية المواقف الاسرائيلية من موضوع المياه العربية ما صرح به إسحاق شامير في مارس 1991 بأنه        (علي استعداد لتوقيع معاهدة حظر أسلحة الدمار الشمال وقبول التفتيش علي المنشآت النووية الإسرائيلية مقابل إشتراك إسرائيل في إتفاقيات لإعادة توزيع المياه في المنطقة).

ووقائع التاريخ السياسى تثبت أن الحركه الصهيونية وضعت التحكم فى الموارد المائية فى قمة أولوياتها ومنذ التفكير فى إنشاء دولة يهودية فى فلسطين بدء برسم المخططات اللازمة لتعيين حدودها لا لتشمل المقاييس التاريخيه فقط ولكن لتشمل أيضا الاحتياجات الاقتصاديه والاستراتيجيه للدولة الجديدة فلم تكتفى فقط بتسخير كل المصادر المائية فى فلسطين وهى شحيحة بالنسبة لأحلام الإستيطان الصهيونى ولكنها أخذت بعين الاعتبار مصادر المياه فى أعلى نهر الأردن ونهر الليطانى وسفوح جبل الشيخ ونهر اليرموك وروافد نهر الأردن بحيث يمكن القول أن حروب إسرائيل كانت فى معظمها حروب مائية.

المحدد الثاني : ندرة المياه في اسرائيل :

تعاني إسرائيل نقصاً حاداً في مصادرها المائية وقد زادت حدة هذا الوضع بعد موجات الهجرة اليهودية الكثيفة من دول أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق، وقد تنبأ البنك الدولي في عام 1969 بأن استمرار معدل الاستهلاك الحالي في إسرائيل والأردن والضفة الغربية يجعل متطلبات المياه في إسرائيل وهذه المناطق تفوق كافة الامدادات المتجددة بحلول عام 1995، ويقول أحد الخبراء أن إسرائيل والأردن تتجهان بسرعة إلى وضع تستخدمان فيه كافة موارد المياه المتوفرة لهما ولم يبق لديهما من الزمن سوى من 15 الي 20 سنة حتي تتعرض الزراعة والأمن الغذائي فيها في خطر.

وتجدر الإشارة أن إسرائيل قد أعلنت رسمياً حالة الجفاف في 15 إبرايل 1995 وطالب شارون وزير خارجيتها آنذاك الدول الأوروبية بمساعدتها لمواجة الأزمة المائية وخلاصة القول أن حالة العجز المائي الإسرائيلي ليست نتاج متغير واحد فقط وهو محدودية الموارد المائية المتجددة في إسرائيل وإنما هي محصلة تفاعل جملة من المتغيرات كالزيادة السكانية الطبيعية والتدفق المستمر لليهود والتوسع الزراعي وتزايد معدلات التنمية الصناعية والتلوث البيئي وتفاعل تلك العوامل مع بعضها البعض.

استراتيجيات الدور الإسرائيلي في الصراع المائي في حوض نهر النيل

ينتج من تفاعل المحددين السابق ذكرهما وهما المكانة المحورية للمياه في الفكر السياسي والاستراتيجي الإسرائيلي وندرة المياه في إسرائيل لجوء السياسة الإسرائيلية إلي تبني استراتيجية عسكرة المياه وذلك علي الصعيدين الداخلي والخارجي فعلي الصعيد الداخلي تزداد سيطرتها علي مصادر المياه التي احتلتها بالقوة وعلي الصعيد الخارجي يمتاز سلوكها السياسي بالسعي إلي السيطرة المباشرة أو غير المباشرة علي مصادر المياه المحيطة بها لسد احتياجاتها المحلية المتزايدة.

ويتم ذلك من خلال ستراتيجيتين متباينتين رغم كونهما متزامنتين لتحقيق أهداف سياستها المائية التوسعية الاستراتيجية الأولي هي استراتيجية الدور المباشر وتسعي من خلاله إلي مقاصة مصر في مياه النيل وذلك من خلال تنفيذ مشروعات لنقل مياه النيل إليها، والاستراتيجية الثانية هي استراتيجية الدور الغير مباشر وتسعي من خلالها إلي محاصرة مصر في محيط دائرتها النيلية.

ويقول أحد خبراء إسرائيل في المياه ( أنه يمكن حل جميع مشكلات المياه في إسرائيل باستخدام 1% من مياه النيل أي 800 مليون متر مكعب من أصل 80 مليار متر مكعب متوسط التدفق السنوي ) ومعلوم أن أحد ثوابت السياسة المصرية المائية الراسخة هو رفض مسألة بيع المياه دولياً ومن ثم رفض تحويل المياه خارج المجرى الطبيعي لخارج لحوض النهر الدولي.

وفي ذلك يقول الدكتور محمود أبو زيد ـ وزير الموارد المائية والري السابق ـ أنه ( من المستحيل توصيل مياه النيل إلى إسرائيل وأن القيادة السياسية في مصر ترفض هذا الأمر ) ولذلك لم يعد أمام إسرائيل إلا الضغط علي مصر من خلال استراتيجية الدور الغير المباشر في حوض نهر النيل وذلك بغرض محاصرة السياسة المصرية في الدائرة النيلية، ويتم ذلك من خلال إتباع استراتيجية التطويق لمحاصرة دولتي المصب مصر والسودان، وذلك بالعمل علي شد أطراف السياسة المصرية وتشديد انتباهها بإثارة المشكلات تارة وافتعال الصراعات تارة أخرى للتأثير علي المحيط الإقليمي لمصر.

وفي هذا السياق يمكن تفسير التقارب الإسرائيلي الإثيوبي لأن إثيوبيا تسيطر علي 85% من مصادر مياه النيل وتشكل المنبع الأساسي والمصدر الأهم لها.

وباعتبار الاعتمادية الكبيرة لدولتي المصب وخصوصاً مصر علي الوارد المائي من نهر النيل ناهيك عن التوترات في العلاقات المصرية الاثيوبية تاريخياً بسبب ما تثيره إثيوبيا دوماً من قدم إتفاقيات مياه النيل وعدم صلاحيتها للتنفيذ الآن فضلا عن أن إثيوبيا بحكم امتداد حدودها مع السودان وبحكم تفاعلات الصراع الذي كان دائراً في الجنوب السوداني تملك أوراقاً عديداً في هذا الصراع فضلاً عن إدراك إسرائيل للمعطيات الجيواستراتيجية الأمنية والمتمثلة في وجود تسهيلات عسكرية لإسرائيل ووجود مركز سياسي إسرائيلي في جنوب نطاق الأمن الإقليمي لمصر من شأنه أن يضيف أعباء جديدة علي أجهزة الأمن القومي المصرية.

 كما أن قيام ارتباط إسرائيلي إثيوبي عسكري من شأنه تكريس وضع إسرائيل كقوة إقليمية عظمى وهو أمر يحسب بالخصم من حساب القوة الشاملة المصرية ويزيد من الضغط علي مصر إقليماً ودولياً والواقع أن كل الضغوط التي تفرض علي مصر من خلال التغلل الإسرائيلي في حوض النيل وخاصة في أثيوبيا غرضه الأساسي أن تسلم مصر بنصيب من مياه النيل لإسرائيل عند المصب مقابل ألا تتلاعب إسرائيل بمجريات المياه لغير صالح مصر عند المنابع.

وفي النهاية نخلص أن الدور المائي لإسرائيل في حوض النيل

يعتبر دوراً محفزاً علي الصراع المائي علي ذلك الحوض وإذا أدركنا أن الدور الأمريكي في النظام الإقليمي لحوض النيل هو دور مساند للسياسات الإسرائيلية لأن محاصرة وتطويق وشد أطراف السياسة المصرية في محطيها الإقليمي يخدم تثبيت النفوذ الأمريكي سياسياً واستراتيجياً في ذلك الإقليم ولذلك فهو يمهد للدور الإسرائيلي الفاعل في تلك المنطقة.

وإذا أدركنا أن الولايات المتحدة تسعي إلي إعادة ترسيم الخريطة الجيوبولوتيكية للسودان وإعادة خلق وتشكيل سودان جديد وبالتالي فإن انفصال جنوب السودان الذى حدث سيكون له أثار بالغة الخطورة علي الأمن المائي المصري والسوداني بل وعلي الأمن القومي لتلك الدولتين إن لم يتم التعامل بحصافة ووعى مع التطورات الحادثة فى حوض النيل وأظن أن السياسة المصرية بعد الثورة بدأت تدار طبقاً لإستراتيجية واضحة تعظم المصالح المصرية وتسعى إلى توسيع أطر التعاون وتجنب الصراعات مع دول حوض النيل خاصه تلك التى لها تاثير مباشر على الأمن المائى المصرى.

وإدراكنا أن الدور الأمريكي في النظام الإقليمي المائي لحوض نهر النيل هو دور محفز للصراع المائي الدولي في ذلك الحوض يستلزم منا أن ندير علاقتنا مع الولايات المتحدة بإستقلالية وعلى أساس قاعدة المصالح الراسخة الأمر الذى يتطلب توظيف كل أوراق الضغط التى نملكها .     

والواقع أن مصر لا يمكن أن تستجيب أبداُ لإلحاح إسرائيل فى مقاسمتها  نصيبها من مياه النيل لأسباب موضوعيه يمكن إجمالها فيما يلى :

1 وصول المياه للنقب عن طريق مصر من خلال ترعة السلام فى سيناء يعطى لإسرائيل الحق فى أن تصبح من دول حوض النيل.

2 توصيل وبيع المياه لإسرائيل يفتح الباب لمطالبات دول الحوض الأخرى للتصرف بالمثل وهو أمر يمكن أن يكون قاتلا لها فى المستقبل لأنه سيؤثر على حصتها من المياه لأن معظم دول الحوض تعتمد على مياه الأمطار ومع ذلك فهى تطالب من الآن بتعديل إتفاقيات توزيع المياه بين دول الحوض.

3 الخطر الرئيسى يتأتى من أن توصيل المياه إلى إسرائيل يزيد من قدرتها على زراعة ما يقارب من 2مليون وستمائة ألف دونم من الأرض مما يرفع من مقدرتها على استيعاب قرابة مليون وربع مهاجر دون ضغط إضافى على مواردها  وهذه الزياده ستضاعف من قدرة إسرائيل على حشد مزيد من الجنود للإحتياط دون أن توثر على الأوضاع الإقتصاديه وذلك له تأثير داهم على الأمن القومى المصرى لأن إسرائيل فى العقيدة العسكرية المصرية هى العدو.

وإذا كان الأمر كذلك فإن الحل الوحيد أمام مصر هو الإصرار على إفشال مخططات إسرائيل فى حصار مصر مائياً من خلال سياسة شد الأطراف :

1. إعادة تقييم سياسة مصر تجاه دول الحوض ومد جسور التعاون مع دولة من خلال مشروعات مشتركة تعود بالفائدة على الجميع .

2. تعميق العلاقة بين شعوب حوض النيل من خلال التعاون الثقافى والإعلامى ومن خلال الدبلوماسية الشعبية ووضع الأولوية للتوجه الأفريقى بعد الدائرة العربية وهو ما بدأت تباشيره فى زيارات الوفود الشعبية بعد قيام ثورة 25 يناير.

3. الإلتزام بسياسة ضبط النفس تجاه أية استفزازات من بعض دول الحوض كأثيوبيا والإصرار على أن التفاوض هو الحل الوحيد لأى اختلافات بين دول الحوض والكف عن أية تهديدات كما كان يحدث أحياناً قبل الثورة.

4. الأخذ بعين الاعتبار لوجهة نظر دول الحوض فى تعديل الأنصبة والتركيز على المشاريع التى توفر عائداً إضافياً من الإيراد المائى كقناة جونجلى فى جنوب السودان ويكفى أن نعلم أنه من 1600 مليار متر مكعب يستقبلها النهر سنوياً لا يتم الاستفادة إلا بكمية قليلة لا تتجاوز 84 مليار متر مكعب أى أن قرابة 95% من إيراد النهر يتم هدره   فى مناطق المستنقعات الناشئة فى بعض المناطق بسبب ضعف إنحدار النهر وكذلك كميات المياه الكبيرة التى  ترمى فى البحر بسبب إرتفاع منسوب النهر عن البحر المتوسط .

5. أكثر المناطق التى يمكن أن تؤثر على الإيراد الواصل إلى مصر هى جنوب السودان أو ما يسمى دولة الجنوب والتى أعلنت مصر أنها ستعترف بها فى يوم قيامها وهى سياسة حصيفة من الدبلوماسية المصرية لأن هناك إمكانية حقيقية لإقامة سدود فى جنوب السودان بسبب طبيعة الأرض السهلية مما يؤثر بشدة على حصة مصر من المياه.

6. أن مشكلة مصر ليست فى الاحتفاظ بنصيبها من المياه التى لا تتجاوز 55 مليار متر مكعب.

وكن فى زيادة الإيراد المائى حتى تتجاوز وضع الندرة المائية الذى تعيشه وذلك يتأتى من خلال زيادة مواردها من المياه العذبة بوسائل كثيرة من أهمها ترشيد طرق الرى وتوفير المياه المحلاه من المحطات النووية.