رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مستقبل الليبرالية في العالم العربي 2 ـ 2

1 ـ الليبرالية كأي جهد بشرى يلحقه القصور، وأول عيوبها أنها أعلت من شأن الفردية والحقوق الفردية إلى الدرجة التى تهدد الحقوق الجماعية وفى المقدمة منها حقوق الشعوب، ولذلك نجد الغرب فى حركته الحقوقية لا يعطى بالا لحق تقرير المصير للشعوب ولا لمقاومة المحتل إلى الدرجة التي يربط فيها بين المقاومة والإرهاب.

2 ـ أن تعريف حرية الأفراد بالدرجة التى لا تصطدم بحقوق الآخرين هو منحى خطير يمكن أن يدمر المجتمع ويهدد بسيادة قانون الغابة، ومهما قيل عن سيادة القانون فإن الأمر مرتبط فقط بالخوف من العقاب، وقد أثبتت حالة انقطاع الكهرباء فى نيويورك والأمن من الحساب إلى حدوث حالات نهب واسعة للمحلات وذلك لغياب الضمير الفردى الذى يقف حاجزا أمام الانحراف والتفكك الأسرى الحادث فى الغرب يبين بوضوح الأثر المدمر لتنحية الدين والقيم الخلقية على المنظومة المجتمعية.

3 ـ أن  إصرار الغرب على تطبيق الليبرالية بخيرها وشرها أمر تأباه العقول السليمة، بل إن الأمر وصل إلى درجة الابتزاز خاصه للنظم المستبدة التى لا تملك شرعية جماهيرية والتى دفعها لانتهاج سياسات وسّعت من أعداد الفقراء وأضاعت حقوق العمال بعد أن تم بيع معظم المصانع بأسعار لا تماثل حتى ثمن الأرض الفضاء المقام عليها المصنع.

4 ـ مع تيار العولمة بدأت الشركات الدولية المتعددة فى غزو الاقتصاديات الناشئة إلى الدرجه التى انتهكت فيها سيادة الدول، حيث أصبحت هذه الاقتصاديات رهنا لهذه الشركات خاصة فى ظل النموذج الليبرالى الذى يسمح لشركات الأفراد فى غيبة من الدولة بالعمل بدون قيود تذكر، وبإعفاءات لا توجد حتى فى مواطن الليبرلية نفسها حيث توجد ضوابط قانونية لا مكان لها فى عالمنا العربى حيث التحالف غير المقدس بين رأس المال والحكم.

إن إصرار الغرب على تطبيق نموذجه والذى يعتبره نهاية التاريخ كما قال فوكاياما يوما لأن تطبيقها النموذج يضعف الدولة ويجعل البلد أسيرا للنفوذ الغربى خاصة مع فساد النظم الحاكمة التي لا تضع أى اعتبار سوى لمصالحها الضيقة.

5 ـ أن هناك ارتباط وثيق بين الليبرالية والمشروع الاستعمارى الغربى فالغرب ينظر إلى عالمنا العربى كمورد للنفط وسوقا رائجه لمنتجاته ومستفيدا من رأسمالية فى ترسيخ نظامه المالى وللمحافظة على استمرارية المشروع الغربى يسعى الغرب حثيثا على عولمة مشروعه وإزاحة أى مشروع منافس، ومن هنا يمكن أن نفهم الهجوم على التوجهات والحركات الإسلامية لأنها تقدم مشروعا نهضويا يختلف في كثير من منطلقاته عن الرؤية الغربية للحرية، ويملك قاعدة شعبية تقبل المنهج وترى أن يكون هناك فرصة لتطبيقه كما تركت الفرصة من قبل للتيارات الأخرى من اشتراكية ورأسمالية.

6 ـ  الليبرالية فى طورها العولمى تحولت إلى ليبراليه متوحشه تسعى إلى مجتمع الخمس حيث يعيش خمس السكان فى رغد من العيش ويعيش الباقى على الهامش وأصبحت تتجه فى بلادها إلى تقليص الجانب الاجتماعى والذى كان معلما لليبرالية الكينزية والتى توصف بأنها ليبرالية اجتماعية.

وتوحش الليبرالية زاد مع انتشار العولمة والتي رافقت ثورة الاتصالات والتكنولوجيا وبدأت انطلاقتها المحمومة مع تفكك الاتحاد السوفييتى وانفراد الولايات المتحدة بالنظام الدولى حيث انطلق الغرب فى محاولة محمومة لنشر نموذجه الحضارى والذى هو ليس مجرد نموذج اقتصادى وسياسي ولكن أيضا نموذج ثقافى وحضارى.

والحقيقة أن الأزمة المالية العالمية كشفت عورات الليبرالية فقد أثبتت بما لا يدع مجالا للشك خطر المبالغة فى الحرية الاقتصادية على الاقتصاد مهما توافرت التشريعات المنظمة، وذلك لأن الفساد بأرباحه الخيالية يفسد الساهرين على تطبيق القانون ويجعلهم يتجاوزون عن متابعة الانحرافات، وقد وجدنا الولايات المتحدة وهى قلعة الرأسمالية تضطر إلى إجراءات تدخلية صارمة من الإدارة الفيدرالية لإنقاذ الشركات والبنوك المفلسة، وهو إجراء يكشف بوضوح عن ضرورة وجود دور فاعل للدولة مما يكشف عن قصور بنيوى فى هيكل النظام الرأسمالى نفسه.

7 ـ الجزء الذي قد يجد قبولا وترحيبا فى الليبرالية وهو الجزء السياسي المتمثل فى الديمقراطية هو عين الجزء الذى لم يتمتع به أهلنا فى العالم العربى وذلك لاستبداد حكامنا وإصرارهم على الانفراد بالسلطة واحتكار القرار، أما الجزء القبيح من الليبرالية وهو الجزء الاقتصادى-وبالطبع الاجتماعي- فقد تم تطبيقه بحزافيره بدون أرضية حقوقية، وهذه هى المأساة فالعمال الذين ضاعت حقوقهم لا توجد لهم نقابات

فاعلة تدافع عن حقوقهم ففى الغرب تستطيع أن ترى نموذج ليبرالى مرضى عنه إلى حد كبير لأن أطراف اللعبة جميعا لهم الفرصة فى صناعة القرار المجتمعى وهذا لا مجال له فى الدول السلطوية.

إذن لكى نشعر بميزات الليبرالية لابد أن تطبق كمنظومة كاملة وبغير ذلك فإن التطبيق سيكون مشوها كما يحدث فى عالمنا العربى.

8 ـ أن الأرضية الفكرية لليبرالية وهى العلمانية لا تحظى بأى قبول مجتمعى فى عالمنا العربى والإسلامى لأننا كمسلمين الإسلام بالنسبة إلينا دين ودولة ولا يقبل المسلمون أن يتحول الإسلام إلى مجرد شعائر تعبدية، فالإسلام عقيدة وشريعة وليس مجرد شعائر تعبدية كالمسيحية التى تقرر هى نفسها أنها لا علاقة لها بإدارة الدولة وحتى إذا قبلنا بفصل الدين عن الدولة كما هو الحال فى تركيا، فإن الأمر الذى لا يمكن الاستغناء عنه هو وجود سيادة للقانون حتى وإن كان القانون الوضعى وإلا فلن يكون هناك أى عدالة فى تطبيق الليبرالية وهذا هو أيضا غير متوافر فى الدول السلطوية التى لا يطبق فيها القانون على ذوى النفوذ.

9 ـ الليبرالية لكى تؤتى ثمارها لابد من توافر شروط ضرورية؛ أولها وجود سيادة للقانون وتعددية سياسية حقيقية ومجتمع مدنى حر، وممكّن، أى لابد من وجود كل مقومات الديمقراطية ولا يمكن تطبيق الليبرالية فى مجتمع  ليس فيه أرضية حقوقية، أما الشرط الثانى فهو توافر حد أدنى من التقدم التقنى والتطور الصناعى وطبقة صناعية على مستوى عالى، وإلا فإن القطاع الصناعى لن يستطيع المنافسة فى عالم الأسواق المفتوحة كما أنه من المحتم وجود دور فاعل للدولة للمحافظة على الاقتصاد الوطنى من خلال التشريعات الحمائية وتدعيم الصناعات الوطنية حتى يستطيع القطاع الوطنى مواجهة البضائع الأجنبية وفى الدول ذات الاقتصاديات الضعيفة، فإن الليبرالية بصورتها الأوروبية والأمريكية غير مناسبة؛ لأن الاعتماد على القطاع الخاص الناشئ غير ملائم وإنما يجب أن يكون هناك دور محورى للدولة حتى تتواجد طبقة رأسمالية راشدة تحمل الهم الوطنى وتتحرك من خلال إطار محدد بدقة من قِبل الدولة تحدد فيه الأدوار وتنظيم صارم للسوق يوفر الضمانات الكافية لحماية الاقتصاد الوطنى.

10 ـ السؤال الذى نسأله لأنفسنا لماذا نتطفل على موائد الآخرين إذا كان عندنا الإمكانية لإدارة الشأن الوطنى بطريقة تتناسب مع ظروفنا، ولأن التجربة الليبرالية فى مصر قبل عام 1952 لم تكن ناجحة مع الاعتراف بوجود نماذج ناجحة كطلعت حرب، أما النتيجة العامة فهو تبلور طبقة رأسمالية طفيلية امتصت عوائد النمو الحادث، أما بعد 1952 ثم الدخول فى مرحلة الانفتاح الاقتصادى فقد اتسعت الهوة بين الفقراء والأغنياء، وصارت حركات الاحتجاج من أجل لقمة العيش حدث يومى. ولعل ذلك هو الذى عجل بثورة 25 يناير المجيدة


روابط ذات صلة