عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محاولة لإيجاد إسلام ليبرالى 1ـ 2

منذ سقوط الاتحاد السوفييتي وتأهب أمريكا للسيطرة الكاملة على العالم رأى منظّروها أن العقبة الأساسية التي تعترض هذه الخطة هي الإسلام لأنه يملك الأيديولوجية الوحيدة التي تستطيع أن تتصدى للمنظومة الرأسمالية الليبرالية البراجماتية التي تقودها أمريكا.

وعندما أقول منظرو أمريكا فأنا لا أقصد ما اعتادت وسائل الإعلام ترديده من أن النظرة العدائية قد تصاعدت بوجه عام مع مجيء المحافظين الجدد إلى السلطة من أمثال "ريتشارد بيرل" و"بول وولفويتز" مع الرئيس بوش ولكني أقصد المنظرين الكبار الذين يرسمون السياسات الأمريكية أياً كان القائمون على السلطة، جمهوريون أم ديمقراطيون،

خصوصاً الثلاثة الكبار هنتجتون وفوكوياما وبرنارد لويس فهؤلاء الثلاثة تحدثوا بلا مواربة بأن مشكلة أمريكا هي مع الإسلام نفسه وليست فقط مع الجماعات المنطلقة منه أو على حد قول هنتجتون في كتابه (صدام الحضارات): "أن المشكلة لا تتعلق فقط بالإسلاميين الأصوليين وإنما بالإسلام نفسه".

ويحدد فوكوياما هذه المشكلة في تصادم الإسلام مع مبدأ العلمانية الذي تحتم فرضه السيطرة العالمية للنظام الرأسمالي وذلك لتفريغ المجتمعات من القيم الخاصة بها وهو الأمر الذي يتطلبه هذا النظام لتصبح قيم السوق النفعية هي القيم الوحيدة الحاكمة.

ومن ثم تمثل الحل الأمريكي إما في القوة العسكرية وإما في تأويل الإسلام بالطريقة التي تفرغه من مضمونه الذي يتناقض مع العلمانية

فالعلمانية في فحواها الأخير هي الاقتصار على العقل البشري وخبراته في تصور حقائق الوجود وتصريف شئون الحياة وهو الأمر الذي يعني التصادم الحتمي مع الإسلام، حيث ان مرجعيته في النصوص المقدسة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم. والذي يقول قرآنه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} [1] ويقول أيضا: {.. مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ..} [2]

ومن ثم لزم تفريغ الإسلام من قواعده الأساسية ليتوافق مع هذه العلمانية تحت مسمى  (الإسلام الليبرالي) ، ف (الإسلام الليبرالي) هو الإسلام المفتوح للتوافق مع كل المفاهيم والقيم الغربية، أي الإسلام المتوافق مع العلمانية والديمقراطية والعلاقات التحررية بين الرجل والمرأة وقواعد حقوق الإنسان الغربية والمصالح الأمريكية النفعية والذي يمكن أن يتوافق مع كل شيء في الوجود إلا مع حقائق الإسلام نفسه.

ولقد كانت الخطوات الأمريكية متقدمة في هذا الموضوع فقد أعلن عالم السياسة الأمريكي ليونارد بياندر نظريته عن  (الإسلام الليبرالي) في كتابة (الليبرالية الإسلامية) عام 1988 والتي ذهب فيها إلى أنه: "بغير تيار الليبرالية الإسلامية فإن الليبرالية السياسية لن تنجح في الشرق الأوسط".

ثم جاء عالم السياسة الأمريكي وليم بايكر عام 2003 ليكتب عن الإسلاميين المستقلين الليبراليين تحت عنوان ذي مغزى هو (إسلام بلا خوف) أما التنظير الأكبر في هذا الموضوع فيتمثل في التقرير الإستراتيجي لشيرلي برنار العامل بلجنة الأمن القومي بمؤسسة راند المعروفة بصلاتها بالمخابرات الأمريكية عن الإسلام المدني الديمقراطي عام 2003.

وهي تقسم الاتجاهات الأساسية في العالم الإسلامي إلى أربع فرق: الأصوليون والتقليديون والعلمانيون والحداثيون وتقسم اتجاه الأصوليين إلى أصوليين تقليديين وتضرب لهم مثلاً بالوهابيين في السعودية وأصوليين راديكاليين (متطرفين) وتمثلهم الجماعات الجهادية المختلفة.

أما التقليديون فتقسمهم إلى تقليديين محافظين وهم الأكثر تعاوناً مع مؤسسات الدولة والقيم التقليدية للمجتمع وتقليديين إصلاحيين وهم الأكثر استعداداً للتنازل عن التطبيق الحرفي للنصوص حفاظاً على روح الشريعة

وهي ترى أن العلمانيين يعتقدون أن الدين ينبغي أن يكون مسألة خاصة منفصلة عن السياسة والدولة وأن التحدي الرئيسي يكمن في منع التعدي في أي من الاتجاهين وتضرب المثل في ذلك بالنموذج الكمالي ( نسبة إلى كمال أتاتورك ) في تركيا.

أما الحداثيون وهم الذين تعول عليهم الجانب الأكبر في تنفيذ خطتها، فهي تصفهم بأنهم الذين يسعون بنشاط إلى إدخال تنقيات هائلة في الفهم التقليدي للإسلام فهم يؤمنون بتاريخية الإسلام (أي أن الإسلام الذي كان يمارس في عهد الرسول لا يعكس حقائق ثابتة وأن ذلك يتعلق بالظروف التاريخية التي كانت ملائمة لذلك العصر ولكنها لم تعد صالحة اليوم)

أما لماذا يتم التعويل على هؤلاء الحداثيين بالذات فإن ذلك يرجع في الحقيقة لامتلاكهم القدرة الأكبر على التزييف والتضليل فهم بعكس العلمانيين التقليديين علمانيون متلونون يصرون على الاحتفاظ بالأطر والشعارات الإسلامية الشكلية الأمر الذي يمنحهم القدرة الأكبر على تدليس المفاهيم بالنسبة للجماهير الإسلامية التي تم تسطيحها بفعل أجهزة الإعلام المعولمة المسيطرة.

أما المضمون الداخلي لأفكارهم فهو مضمون علماني تماماً يجعل المرجعية النهائية لكل التصورات والمفاهيم والقيم والسلوك للعقل والمصلحة فقط لا غير ومسألة تاريخانية النصوص هذه لا يقصد منها سوى نزع القداسة عن النصوص ومن ثم فقدانها الثبات الحافظ لقواعد الدين وبذلك يسهل تفكيكه وإعادة تشكيلة بحسب المخططات العلمانية. ويوجه هؤلاء كل جهودهم الفكرية في تأويل الآيات والنصوص لتتفق مع هذه المعايير.

ومن الواضح هنا أن الخطة لم تعمل على صناعة هؤلاء الحداثيين من العدم ولكنها على علم بكل هؤلاء الذين يحملون هذا العوار ومن ثم فإن غاية الخطة هي العمل على دعمهم وعلى هذا فقد كانت مقترحات "شيرلي برنار" في دعم هؤلاء الحداثيين أولاً ويكون ذلك بالتزام المخطط التالي:

• نشر وتوزيع أعمالهم في شرح وطرح الإسلام بتكلفة مدعمة.

• تشجيعهم على الكتابة للجماهير والشباب.

• تقديم آرائهم في مناهج التربية الإسلامية المدرسية.

• إعطاؤهم مناصب شعبية للتواصل مع الجماهير.

• جعل آرائهم وأحكامهم التأويلية للقضايا الدينية الكبرى متاحة للجماهير على مستوى الفضائيات والإنترنت.

• وضع العلمانية والحداثة كخيار مضاد لثقافة الشباب الإسلامي التي يجب وصمها بثقافة العنف.

• تيسير وتشجيع الوعي بالتاريخ والثقافة قبل عهود الإسلام في وسائل الإعلام ومناهج الدراسة.

• تنمية المنظمات المدنية المستقلة لتدعيم الثقافة المدنية.

ومن السذاجة الإعتقاد أن المخططات الأمريكية على قناعة بقدرة هؤلاء على إيجاد بديل للفكر الإسلامي الحقيقي متمثلاً في  (الإسلام الليبرالي) وإنما المقصود فقط هو صنع الخلخلة اللازمة لنفاذ الفكر العلماني البراجماتي الأمريكي إلى الجماهير،

ومن ثم فإن شخصيات  (الإسلام الليبرالي) والتي كان يطلق عليها من قبل شخصيات الفكر الإسلامي المستنير تستخدم من قبل المخططات الأمريكية كخيال مآته يمكن الإشارة إليه  كدليل على تعدد الآراء في الإسلام، ومن ثم إثارة البلبلة والفوضى التي يبنى

عليها العلمانيون حجتهم في شرعية فرض أفكارهم برضى جميع الأطراف وإن كان في الحقيقة ضد جميع الأطراف.

وإن كان هذا هو المقصود، أي الاستفادة من الحداثيين في إطار الخطط الأمريكية لنشر  (الإسلام الليبرالي) فهل يعني ذلك أن تلك الخطط ستترك باقي الفرق الأخرى دون استفادة؟ سؤال يحتاج إلى إجابة.

الليبرالية الجديدة  = الليبرالية المتوحشة

في حين أن المدافعين عن النموذج الليبرالي الجديد قد طرحوا التغييرات التي أتوا بها كعقيدة دينية (أو حقيقة مطلقة)، وليس كنموذج أيديولوجي كما هو الأمر في الحقيقة، فإنهم قد بشّروا بها أيضا باعتبارها تغييرات "محايدة طبقيا".

بيد أن التوجهات الاقتصادية لهذا النموذج، أو أسسه الفلسفية والسياسية، لم تثبت أبدا أنها محايدة طبقيا (والحياد الطبقي في السياسات الاجتماعية أصلا فكرة وهمية)، بل الحقيقة إنه أكثر انحيازا لمصالح الرأسماليين الكبار مقارنة بالنماذج/المراحل السابقة للتنمية الرأسمالية.

فهذا النموذج لم يؤد فقط إلى إعادة هيكلة اقتصاديات العالم، ولكنه كذلك قام بتغيير ديناميات الدولة ومفاهيم المواطنة، والمجتمع، والفرد.

يؤدي بنا ذلك إلى الإجابة عن السؤال المحورى: هل يمكن إصلاح هذا النموذج من الداخل؟ .

الجواب المختصر هو لا. حيث أن الليبرالية الجديدة مع ما تنطوي عليه من تحيز "كلاسيكي جديد" وفهم مختزل للإنسان وظروفه ولدور الدولة، مع ما يترتب على ذلك من آثار على كل جانب من جوانب حياتنا، لا يمكن إصلاحها لتصبح "أكثر إنسانية".

لكن من المهم القول إنه كما أن تغيرات سابقة في الاقتصاديات الوطنية، والسياسة، والنظام الاقتصادي العالمي، أدت إلى صعود الليبرالية الجديدة، فإن تغييرات جديدة أخيرة في نفس هذه المجالات منحت الإنسانية فرصة للتغيير في اتجاه مضاد لليبرالية الجديدة.

فالأزمة المالية العالمية وفشل نموذج الليبرالية الجديدة/ الكلاسيكي الجديد في إنقاذ الاقتصاديات الوطنية من الأزمات المتتالية (المكسيك 1994، آسيا 1997، روسيا 1998، الأرجنتين 2001، وأخيرا العالم بأسره 2008) أدت إلى اهتزاز الهيمنة الاقتصادية والتناغم الأيديولوجي لهذا النموذج، أي إلى تدميره بنيويا (في أساسه الاقتصادي)، وتدميره كذلك على المستوى الفكري (كفكرة ومفهوم)

ومع ذلك، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن سقوط الليبرالية الجديدة سيكون تلقائيا أو أنها ستستبدل بنموذج أقل قسوة بدون الجهود الصادقة الدءوبة من جانب الذين تضرروا بسببها، أي من جانب غالبية سكان العالم.

وكبداية، فإن هناك حاجة لعكس الاتجاه الليبرالي الجديد/ الاختزالي التكنوقراطي الكلاسيكي الجديد وإعادة تسييس المظاهر السياسية، أي تفسير المظاهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على حقيقتها، أي كانعكاسات لتوزيع السلطة وعلاقات القوة في المجتمع.

بعبارة أخرى، فإن المطلوب هو الابتعاد  عن الهموم التكنوقراطية الصغيرة ، وإعادة التأكيد على العلاقات السببية الهيكلية المشتملة على تقسيم واستخدام الموارد وتركيز أو توزيع السلطة.

وثانيا، من المهم أن نتذكر أن جزءا من عولمة النموذج الليبرالي الجديد كان، على عكس عصور التنمية الرأسمالية السابقة، بسبب عدم وجود خطاب بديل يشكك في هذا النموذج، مثل الماركسية، أو حتى الخطابات الديمقراطية الاجتماعية التي كانت موجودة في سنوات الخمسينيات والستينيات وأوائل السبعينيات.

لقد ظهرت الليبرالية الجديدة في لحظة تاريخية لم يوجد فيها نموذج بديل آخر. ومن ثم، إذا كنا جادين بشأن استبدال الليبرالية الجديدة، يجب علينا أن نكون قادرين على توفير رؤية بديلة وفهم آخر للنظام العالمي. وبالنسبة للماركسيين على سبيل المثال، الذين أعتقد أنهم الأفضل استعدادا لمثل هذه المهمة، فإن الرؤية لا ينبغي أن تقوم على قراءة عقائدية لتراثنا، ولكن على فهم حي لعالمنا المعاصر.

الأمر الأخير الذي أعتقد أن الليبرالية الجديدة وأزمتها الراهنة توضحه لنا هو أن الرأسمالية، ذلك النظام الذي أنتج النموذج الكينزي الأكثر اعتدالا ونموذج الليبرالية الجديدة الأكثر قسوة، عرضة للأزمات بطبيعتها.

ولم يكن لنموذج الليبرالية الجديدة أن يكون ممكنا بدون استنفاد النموذج الكينزي، وكذلك استنفاذ نموذج الدولة التنموية، الذين سادا في العالم بعد معاناة حربين عظميين وكساد كبير.

بالتالي، فإن فيما وراء الصورة الكينزية (اليسارية!) للرأسمالية، أو صورتها الليبرالية الجديدة اليمينية)، تكمن حقيقة أهم هي أن الرأسمالية ذاتها معطوبة ولا تحقق مصالح البشر، وأن النضال ضدها، سعيا إلى عالم أكثر إنسانية، هو أمر ضروري وممكن.

وللحديث صلة

[1] (36) سورة الأحزاب.

[2] (38) سورة الأنعام