رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أزمة سفينة الحرية ونجاح إدارة الأزمات

نبدأ الرواية من النهاية وهو ما ذكرته صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية، الثلاثاء 7-12-2010 أن الأزمة الدبلوماسية بين إسرائيل وتركيا على وشك الانتهاء، وأن إسرائيل وافقت من حيث المبدأ على الاعتذار عن حادث أسطول الحرية المتجه إلى غزة ودفع تعويضات للضحايا.
وقالت الصحيفة - في تقرير أوردته على موقعها الإلكتروني- إنّ إسرائيل وتركيا يقتربان من الاتفاق على وثيقة تسمح لهما بوضع نهاية للأزمة في علاقاتهما، وإن نتائج جولتين من المحادثات بين الجانبين في جنيف تعتبر "إيجابية للغاية"، وسوف تستأنف المناقشات، حسبما قالت مصادر تركية.
وأشارت الصحيفة إلى أن ممثل إسرائيل في لجنة الأمم المتحدة التي تحقق في حادث أسطول الحرية المتجه إلى غزة يوسف تشيشانوفر التقى للمرة الثانية الاثنين، مع كبير الدبلوماسيين الأتراك فيريدون سنريلاوجلو، وتركزت المناقشات حول صيغة من شأن إسرائيل أن تعتذر بموجبها عن الحادث، وترتب لتعويضات للضحايا والمصابين من المواطنين الأتراك.

 

وبطريقة الفلاش باك نتساءل أولا من الذى صنع الأزمة؟

والجواب بإختصار أن إسرائيل هى التى صنعتها فمن الضروري أن نعرف أن الحكومة التركية لم تلعب أي دور ملموس في تنظيم قافلة الحرية سواء التخطيط لمسيرها، أو الإشراف عليها. كانت الحملة - مثل سابقاتها- عملاً قامت به مؤسسات عمل مدني وخيري في أوروبا وتركيا.

وبانطلاق القافلة، اقتصر دور الحكومة التركية على دعوة الحكومة الإسرائيلية للسماح لسفن القافلة بالوصول إلى قطاع غزة، ولكن الهجوم الإسرائيلي المسلح على السفينة التركية "مرمرة"، التي حملت على ظهرها الأغلبية العظمى من المتضامنين الأتراك، وعددًا من النشطاء من  بلدان أخرى، هو الذي ولَّد رد الفعل التركي، لا سيّما بعد أن اتضح عدد الضحايا الأتراك المرتفع .

لم يكن باستطاعة أية حكومة تركية غض النظر عن الهجوم الإسرائيلي ونتائجه، فضلاً عن حكومة أعلنت في أكثر من مناسبة سابقة معارضتها للحصار الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية على قطاع غزة، وللسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين عمومًا، وبانطلاق حركة الاحتجاج الشعبي الواسعة النطاق ضد إسرائيل في عدد من المدن التركية، أدركت حكومة العدالة والتنمية أن عليها أن ترتفع إلى مستوى الحدث، وأن الموقف يمكن أن يتحول من أزمة دبلوماسية كبيرة إلى فرصة سياسية أكبر أي توظيف الأزمة إلى أقصى درجة ممكنة وإدارتها بحيث لا تحصد منها إلا المكاسب وتتجنب أية خسائر .

لقد خاطبت الرأي العام التركي، لتوضيح رؤية الحكومة للحدث والجهود التي تقوم بها لمعالجته؛ وهذا ما قام به رئيس الحكومة أردوغان في الخطاب الذي ألقاه أمام البرلمان التركي بعد عودته المتعجلة من جولة في أميركا اللاتينية.

ثم التحرك في مجلس الأمن للحصول على موقف دولي ضد التصرف الإسرائيلي؛ وهذا هو الدور الذي قام به وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، وبالرغم من نجاح التحرك التركي في الحصول على بيان رئاسي من مجلس الأمن، إلا أن من الواضح أن نص البيان لم يحمل الإدانة القاطعة التي أرادها الممثلون الأتراك في المجلس؛ ولأن البيان الرئاسي لا يرتقي إلى مستوى القرار الدولي، لم يكن من المتوقع أن تستجيب الحكومة الإسرائيلية بسهولة وسرعة كافيتين للمطالب بالإفراج عن المتضامنين الذين ألقت القوات الإسرائيلية القبض عليهم، أو لتشكيل لجنة تحقيق دولية في الحادث.

وهذا ما جعل الدبلوماسية التركية تتحرك أيضًا في اتجاه الإدارة الأميركية، لاسيّما بعد أن عملت الولايات المتحدة على التخفيف من الصيغة الأولى لبيان مجلس الأمن، حيث استغل وزير الخارجية التركي موعدًا حُدّد مسبقًا مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ليؤكد على أن أنقرة كانت تتوقع موقفًا أفضل من واشنطن تجاه دولة شريكة في حلف الناتو، تعرَّض مواطنوها للاعتداء من قوات دولة ثالثة.

ولكن الوزير التركي لم يكتف بمحاولة الضغط السياسي على الإدارة الأميركية، بل قام أيضًا خلال لقائه بوزيرة الخارجية الأميركية بتوجيه رسالة صريحة لإسرائيل، تهدد بقطع كامل للعلاقات بين البلدين ما لم يتم الإفراج عن كافة المتضامنين الأتراك وإعادتهم وجثث الضحايا إلى تركيا خلال أربع وعشرين ساعة. وهذا ما تم بالفعل، ولعل المهم هنا أن كلينتون لم تتردد في إيصال رسالة التهديد التركية، في إشارة - مستبطنة ربما- إلى امتعاض إدارة أوباما من الموقف الإسرائيلي.

تمثل المسار الرابع للتحرك التركي بالضغط المباشر على إسرائيل، سواء بسحب السفير التركي في تل أبيب، أو وضع شروط لتطبيع العلاقات بين البلدين، تتعلق برفع الحصار عن قطاع غزة وتعويض الضحايا، مع الإصرار على فتح تحقيق دولي شفاف في الحادث، أو توصية الادعاء العام التركي بفتح تحقيق جنائي في الحادث .
تعزيز وضع تركيا ودورها الإقليمي

أصبح  من الواضح أن الهوّة بين الشارع التركي وإسرائيل تزداد اتساعًا، وهو ما سيجعل من الصعب على أية حكومة مقبلة أن تعود بالعلاقات التركية-الإسرائيلية إلى المستوى الذي بلغته في النصف الثاني من التسعينيات.

ولأن كل السياسات هي في النهاية سياسات داخلية، فقد كانت الأزمة مناسبة لرئيس الوزراء أردوغان للقيام بحملة سياسية داخلية سريعة، لم يتوانَ خلالها عن الهجوم على خصومه السياسيين ومعنى ذلك أن الحزب وظف الأزمه فى تعزيز قاعدته الشعبيه .

عمقت الأزمة من الشكوك المتراكمة في العلاقات التركية-الإسرائيلية، لا سيما بخصوص الصلات الإسرائيلية المحتملة مع حزب العمال الكردستاني التركي المعارض.

فثمة تقارير تفيد بأن ضباطًا إسرائيليين سابقين - وربما عملاء في جهاز الموساد الإسرائيلي- يقدمون المساعدة لحزب الحياة الحرة الكردي المعارض لإيران، الذي تربطه صلات تنظيمية وثيقة بحزب العمال الكردستاني، ولكن هجوم مجموعة مسلحة من حزب العمال بالصواريخ على قاعدة بحرية تركية في ميناء الإسكندرونة في ذات اليوم الذي تعرضت فيه قافلة الحرية للهجوم الإسرائيلي، ولَّد جدلاً واسعًا في تركيا حول ما إن كان الإسرائيليون يحتفظون بصلات سرية مباشرة مع حزب العمال الكردستاني أيضًا.

واشنطن أمام خيارات صعبة

صحيح أن أزمة قافلة الحرية لم تشكِّل لحظة مصيرية بالنسبة لتركيا وإسرائيل بأي حال من الأحوال، فهذه لم تكن مثلاً لحظة حرب، لتجبر واشنطن على اختيار جانب أيٍّ من حليفتيها، ولكن الأزمة بالرغم من ذلك مثَّلت امتحانًًا لعلاقة واشنطن الخاصة بإسرائيل. ويمكن القول: إن الأمريكيين اختاروا الانحياز لإسرائيل

ضد الحليف التركي الإستراتيجي؛ ولكن الانحياز لم يكن كاملاً وسافرًا كما في مرات سابقة. وقد أظهر الموقف الأميركي من الأزمة شعور واشنطن المتزايد بثقل العبء الذي باتت إسرائيل تمثله على وضع أميركا في الشرق الأوسط والعالم.

ولكن تعزيز مصداقية السياسة التركية في الشارع العربي والإسلامي، وازدياد تأثيرها على القوى العربية والإسلامية (التي توصف عادة بالراديكالية) المعادية لإسرائيل، لابد أن يُنظَر إليه في واشنطن باعتباره تطورًا إيجابيًا في الشرق الأوسط، ليس فقط لأنه يوفر للإدارة الأميركية قناة يمكن الثقة بها للوصول إلى هذه القوى، ولكن أيضًا لأن الصعود التركي يتم على حساب دور إيران وتأثيرها، وإن كان استبدال المواقع بين تركيا وإيران لم يزل نسبيًا .

أوقعت الأزمة عطبًا بالغًا في دور مصر وتأثيرها في الجوار العربي-الإسلامي؛ فقد كان الموقف المصري يعاني ضعفًا وتراجعًا قبل الأزمة، ولكن ما بدا أنه توافق مصري- إسرائيلي تجاه قافلة الحرية -من ناحية-، والتحرك التركي السريع لتحويل الأزمة إلى فرصة - من ناحية أخرى- يعزز من صورة السياسة المصرية كما يراها معارضوها، بأنها سياسة مشاركة في حصار قطاع غزة، وفي اتجاه التخلي عن قضايا العرب الكبرى. ولن يستطيع القرار المصري بفتح معبر رفح لأجل غير محدد إزالة الشكوك الشائعة في الشارعين العربي والفلسطيني حول حقيقة المسوغات التي تُوظَّف عادة لتبرير إغلاق المعبر.

تدل اللغة التي يستخدمها المسؤولون الأتراك على صعيد العلاقات مع إسرائيل أن خيار أنقرة لا يزال عدم التصعيد

مع الإصرار على أن تدفع إسرائيل ثمن تصرفها تجاه قافلة الحرية والمتضامنين الأتراك؛ بمعنى أن تركيا لا تسعى إلى قطع العلاقات مع إسرائيل ولا إلى الانضمام إلى ما يعرف بمعسكر الممانَعَة في الجوار،  بل تعمل في هذه المرحلة على إنزال إسرائيل من موقع الدولة فوق القانون.

ولا يقل أهمية ما تتضمنه التسريبات المتزايدة في الصحف التركية من أن حكومة أردوغان تتوجه إلى إلغاء ترتيبات التعاون العسكري بين البلدين، التي وُضِعت في النصف الثاني من التسعينيات، وأنها لا تعتزم توقيع اتفاقات جديدة في مجال التصنيع العسكري بعد إنجاز الاتفاقات الحالية.

وفى النهايه نقول أن تركيا لم تكن لتنجح فى إدارة الأزمه بهذه المهارة إلا لأنها دولة ديمقراطية يتم صنع السياسة فيها من منظور علمى وإستراتيجي ويلاحظ فى هذه الإدارة:

ـ  وجود رؤيه واضحه لعلاج الأزمه تنطلق من الإستفاده من أخطاء الخصم والتصعيد المحسوب الذى لا يترتب عليه أى خسائر ومن ثم كانت الإداره منذ البدايه دبلوماسيه وقانونيه ودوليه من خلال الأمم المتحده

ـ أن تركيا نجحت فى حصار إسرائيل مع التوظيف الإعلامى الفعال للأزمه بشكل أظهر إسرائيل فى صوره بربريه إلى الحد الذى جعل وقوف أمريكا معها محدودا بل إنها أظهرت شيئا من الإمتعاض لموقفها.

ـ الحرص على التوظيف الفعال للرأى العام بحيث تبدو تركيا وهى تتحرك تحت ضغط الشعب.

ـ الحرص على استمرار الاتصالات مع الحليف الأمريكى لتجنب أى ضغوط على أوباما ضد تركيا وعدم الإصرار على إحراج الحكومه الإسرائيليه بل كا هدفها هو الحصول على إعتذار إسرائيلى واضح وكذلك تعويض الضحايا ولذلك وافقت على أن المباحثات فى الخفاء لفتح مجال أمام إسرائيل للتراجع لأن هناك علاقات إستراتيجيه بين إسرائيل لا يمكن لأى من الطرفين التضحيه بها مع حرص تركيا على إتمام صفقة الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبى بنجاح.

ولأن تركيا نجحت فى إدارة الأزمة فقد إستطاعت تحقيق أهدافها وهو ما وضح من التسريبات التى ذكرتها الصحيفه الإسرائيلية، فمتى ننجح نحن فى إدارة أزماتنا ونتوقف عن مسارنا العجيب وهو الإدارة بالأزمة؟ والإجابة يسيرة وهى: أننا سوف نفعل ذلك عندما يصبح نظامنا ديمقراطيا، والتزييف الفج الذى حدث فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة والذى كان فضيحة دولية بكل المقاييس يثبت أن الحلم مازال بعيدا، وأن الأمر كما كانت تشدو كوكب الشرق" فات الميعاد"  ليس يأسا ولكن كما يقول المثل الشعبى وهو الوعى الجمعى للأمة الحداية لا ترمى كتاكيت.

*دبلوم الدراسات الإسرائيلية

كلية الإقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة

 

مقالات أخرى للكاتب