رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

اقرأوا التاريخ واعتبروا يا أولي الألباب

نحن في فبراير 1942.. روميل على رأس جيش ألماني له وزنه ومعه أحدث الأسلحة على بعد كيلومترات من الإسكندرية.. عسكر روميل في مدينة العلمين ليستعد للمعركة الكبرى.. كان سقوط الاسكندرية في يد الألمان معناه وقوع مصر كلها في قبضة الاحتلال الألماني.

في هذا الجو الحالك بالسواد والظلام لمبدأ الديمقراطية العالمية التي تكافح بقدر الإمكان النظام الدكتاتوري العسكري البغيض.. في هذا الجو كان لابد من إنقاذ مصر والاسكندرية بأسرع ما يمكن ومهما كان الثمن.. وكان الانجليز يرون أن مصطفى النحاس بشعبيته الضخمة مع حكمته وبعد نظره، هو الوحيد الذي ينقذ مصر وينقذ العالم.. وكان 4 فبراير التي تم تصويرها على أنها خيانة وخضوع للانجليز وهى في الحقيقة أحد مفاخر وإنجازات الوفد على مدى التاريخ.. عدو على الأبواب وفي الداخل ملك البلاد وجزء كبير من الشعب متعاطف مع روميل والمظاهرات تملأ الشوارع «تقدم ياروميل»!! فجاء مصطفى النحاس ينقذ العالم كله!! لاينقذ مصر وحدها ثم يقولون إنها خيانة!!

- لماذا أقول هذا الكلام اليوم؟
- لأن في الأربعينيات.. في هذا التوتر الذي يسود العالم كله خصوصاً مصر، بدأ الكلام عن ضعف شخصية الملك فاروق وأن النحاس مكنه في لحظة أن يكون رئيساً للجمهورية!!.. في جلسات وموائد ومنتديات رجال ونساء المجتمع الكبير والصغير كثر الكلام عن الملك فاروق ومصطفى النحاس بدرجة أن الملك كان يفضل التنازل عن العرش ويقبل المطالب التي عرضها عليه الانجليز بدلاً عن أن يتولى النحاس الوزارة بل قيل إن أحمد باشا حسنين لحق بسن قلم الملك قبل أن يلمس الورق!! لحق في آخر «فمتو ثانية» توقيع الملك علي وثيقة التنازل وقال له المقولة المشهورة:
- النحاس اليوم في الوزارة.. وغداً في الشارع.
- وانت دائما علي هذا الكرسي.
ولكن هذا لم يمنع من استمرار توتر الملك وخوفه من النحاس الذي يرى أن وراءه الانجليز.. وكان لابد من حل ما!!
هنا بدأت مرحلة جديدة.
أنشأ مصطفى أمين جريدة «أخبار اليوم الأسبوعية».. ولا داعي أن أقول: كيف.. فهذه قصة طويلة أخرى.. المهم أن بدأت المجلة الوليدة التي أقبل عليها القراء من أول عدد نشر ما أسماه مصطفى أمين «لماذا ساءت العلاقات بين السراي والوفد».
كانت سلسلة مقالات في الصفحة الأولى لمدة طويلة في محاولة للتقليل من شعبية النحاس دون جدوى.. واشتهرت هذه الفترة بالمظاهرات صباح كل يوم سبت موعد ظهور «أخبار اليوم» وإلقاء المتظاهرين الطوب على دار «أخبار اليوم».. وكان أسلوب علي أمين الرشيق اللعوب الرائع هو الذي يقاوم هذه المظاهرات حتى إن بعض عباراته مازالت متداولة حتى الآن.. خاصة عندما كتب أن «الشجر المثمر هو الذي يلقى عليه الطوب».. ما أكثر تداول عبارته هذه في نفس المناسبات.

لم تؤثر مقالات مصطفى أمين على شعبية مصطفى النحاس قط!!
واسمحوا لي هنا بالخروج عن الموضوع من أجل حكاية «جانبية» قبل أن أنساها.
عندما توفى المرحوم علي أمين وكانت الجنازة من أمام دار الاخبار.. لاحظ الجميع أن مصطفى أمين وحده يقف عند باب السرادق يتلقى العزاء.. فأسرع فؤاد سراج الدين وأحمد أبو الفتح في الوقوف بجانبه يتلقون العزاء باعتبار علي أمين ليس شخصية عادية. هكذا تغيرت الدنيا والأفكار والانتماءات بعد الثورة غير المباركة!!

أعود الى أهم جزء في هذا التاريخ.
عندما رأى الملك وأحمد حسنين فشل المحاولة الصحفية.. قرر أحمد حسنين اللجوء الى وسيلة أخرى اتبعها الانجليز من قبل.. وسيلة اسمها «فرق تسد».. كان الانجليز بالشائعات والإغراءات والعروض المذهلة «يشترون» ضعاف النفوس ليتركوا الوفد.. وكان يستجيب لهم بعض أعضاء الوفد.. ولكن احمد حسنين قرر أن «يضرب ضربته القاصمة»!! قرر إخراج أهم وأخطر شخصية من الوفد، بل أكثر شخص قرباً وحباً وإخلاصاً لمصطفى النحاس شخصياً - فضلاً عن أنه سياسي اقتصادي مفكر خطيب ذو شخصية وكاريزما.. ألا وهو مكرم عبيد!!
يبدو أن اجتماعات أحمد حسنين بمكرم عبيد وربما بوجود الملك شخصياً كانت في أماكن ومواعيد لا يعلمها أحد قط.. لأن اعلان مكرم عبيد انفصاله عن الوفد كان

مفاجأة مذهلة لم يصدقها أحد قط لفترة ما.. حكاية أكثر من غريبة غير متوقعة قط بل غير متصور.
تصور الملك وأحمد حسنين - بعد أن شعرا بأهمية رد فعل هذا الخبر المفاجئ - تصورا أنهما ضربا الوفد بصاروخ قسم الحزب الى قسمين وسيقفان بجانب قسم مكرم وستنتهي اسطورة النحاس!!
بالفعل أعلن مكرم عبيد عن تشكيل حزب «الكتلة الوفدية».. تمسح بكلمة «الوفد» ليجذب أكبر قدر من رجال الوفد. وأصدر جريدة اسمها «الكتلة الوفدية» أيضاً!! وانضم له فوراً أحد كبار صحفيي الوفد استاذنا جلال الحمامصي!! ثم أصدر مكرم ما سماه «الكتاب الأسود» كلها فضائح وفي حياة مصطفى النحاس!!.. وظن الجميع أن هذا الكتاب ومن قبله الجريدة ومن قبلهما بعض اخواننا المسيحيين من كبار رجال الوفد.. ظن الجميع أن الوفد أصبح يعاني من التفتت والانقسام كما كان يريد الملك وأحمد حسنين.. وسيقفان بجوار «قسم مكرم عبيد»!!
طبعاً هناك حكايات كثيرة جداً في هذا الشأن.. ولكن في هذا المقال اكتفى بحكاية واحدة.. حكاية قيل إنها منشورة بالمستندات.. سفير مصر في لندن أرسل هدية لزينب الوكيل زوجة مصطفى النحاس رئيس الوزراء لكي يبقى في منصبه!! كانت الهدية هى «بالطو فرير».. أخذ النحاس البالطو وذهب الى مجلس النواب وعرض البالطو على المجلس ومعه خطاب من سفير مصر بلندن يقرر فيه أن زوجته تلقت خطاباً شخصياً من صديقتها «زينب الوكيل» ترجوها شراء هذا البالطو غير الموجود بمصر وأن مقاسها كذا كذا.. وتم الشراء وأرسل معه الفاتورة وتم سداد ثمن البالطو بالتحويل لبنك كذا بلندن والخطاب والتحويل قدمهما النحاس لرئيس المجلس.. وقال النحاس إن هناك شخصاً مصراً أن يلقي بشهادته.. موجود في الاستراحة.. كان رئيس جمرك المطار الذي قرر أن رئيس الوزراء أصر على أن يدفع الجمرك المطلوب.. وحاولت مع أحمد السقا سكرتير الباشا المستحيل أن هذا لا يصح فطلب السكرتير النحاس باشا على التليفون الذي قال لي: «اذا كنت وفدياً بحق وتحب رئيس الوفد أرجوك أن تقبل معاملته مثل أي شخص».. وقال رئيس الجمرك الذي بكى وهو يتكلم!! قال ثم دفع الجمرك ثم أجهش في البكاء.
ماذا حدث بعد ذلك؟
قرر مجلس النواب لأول وآخر مرة في التاريخ طرد مكرم عبيد من المجلس وإسقاط عضويته.. وعاد الوفد أقوى مما كان.. وازداد مصطفى النحاس شعبية وحباً لدى الشعب كله.

فهل نعتبر يا أولي الألباب!! أم لم يعد هناك أولو ألباب الوفد الجديد!! ونحاول الانفصال والانقسام في هذه الظروف التي نمر بها!! رغم أنها ظروف مهيأة جداً لعودة «الوفد المصري» القديم بحق.. وهذه قصة أخرى فالى العدد القادم بإذن الله تعالى.
عبد الرحمن فهمي