رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دروس من مقاومة الوفد للاستعمار

.. في أغسطس 1951 ألغي مصطفي النحاس باشا معاهدة 1936.. وقف شامخا واثقا من نفسه يقول لأعضاء مجلس النواب قولته المشهورة:
- كما طالبتكم من قبل بالموافقة علي معاهدة 1936 أطالبكم اليوم بإصدار قرار بإلغائها..

ثم طالب النحاس باشا الإنجليز بالجلاء فورا بسلام .. وإلا ستعلن الحكومة الجهاد المسلح ضدكم..
طبعا استنكرت الحكومة الإنجليزية إلغاء المعاهدة من طرف واحد.. وأعلنت عدم انسحابها.. وبدأ الجهاد ضد معسكرات الجيش الإنجليزي في القناة.. ولأول مرة في تاريخ مصر.. بل في تاريخ العالم كله يقوم شعب بالجهاد المسلح ضد مستعمر تؤيده الحكومة وتمده بالمال والسلاح..
كانت البلد كلها متحمسة.. ولكن أستاذي عبدالرحمن الخميسي (شارلي شابلن العرب) كان متحمسا بجنون .. ومن بين مقالاته الساخنة التي تدعو للجهاد كتب يطالب العمال المصريين الذين يعملون في معسكرات الإنجليز بأن يتركوا العمل فورا لإجبارهم علي الرحيل .. استجاب العمال لنداء الخميسي.. حتي أن بعض العمال قاموا بتصوير المقال الذي كان منشورا في جريدة (المصري) وقاموا بتوزيعه علي كل المعسكرات.. وفي اليوم المتفق عليه ترك الجميع العمل - جميعاً بلا استثناء - وتجمعوا في المعسكر الرئيسي علي شط القناة ليعلنوا انسحابهم من العمل في شبه مظاهرة حتي يكون لعملهم هذا البطولي صدي عالمي يهز القيادة البريطانية في مصر وفي إنجلترا معا!!
بالطريقة الاستعمارية (القذرة) بدأ النداء بمكبرات الصوت بالعودة إلي العمل مع تهديد بالقتل!!!.. نعم القتل!!!.. لم يتحرك أحد فتم فتح النيران علي العمال!!! جري كثيرون منهم خارج المعسكر ونجوا بأعمارهم ولكن كثيرين جدا سقطوا شهداء وهو المنظر الذي بكي له مصطفي النحاس كثيراً.. لم يكن هناك تليفزيون طبعا ولكن الصور في الصحف أبكت مصر كلها.. ولكن النحاس كان يشعر بأنه هو سبب قتل كل هؤلاء فكان أكثر حزنا.
ثم بعد شهر أو أقل أو أكثر جاء يوم 25 يناير 1952 الذي حطم فيه الإنجليز مديرية أمن الإسماعيلية وقتلوا كل من فيها بطريقة وحشية انتقاما لحادث القطار!!!.. ما هو حادث القطار؟؟.. علمت مباحث إلاسكندرية ان هناك باخرة إنجليزية ستدخل الميناء بعد ساعات مليئة بالجنود والضباط الإنجليز ومعهم دباباتهم وآلات القتل المختلفة.
في وزارة الداخلية برئاسة فؤاد سراج الدين وهي (إدارة العمليات الفدائية) تقرر مقاومة هذا الهجوم المنتظر.. تم تشكيل لجنة لرسم خطة لمواجهة هذا الجيش القادم.. فتقرر نسف القطار الخاص الذي سيستقله القادمون ومعهم أسلحتهم.. كانت اللجنة برئاسة وجيه أباظة ابن الشرقية لان القطار سيمر بمدن الشرقية في طريقه إلي القنال.. في بلدة أبوحماد تم وضع الديناميت اللازم علي قضبان السكة الحديد في الوقت المناسب ليتم نسف القطار نسفا بكل ما

فيه.. كان مانشيت جريدة (المصري) صورة القطار المنسوف علي ثمانية أعمدة!!! وكان تدمير مديرية أمن الإسماعيلية ردا علي نسف القطار.
أعود إلي عبدالرحمن الخميسي الوطني المتحمس بدرجة الجنون.. كان ومعه بعض الوطنيين من الشباب ينتظرون العمال المصريين بعد مظاهرة إعلان تركهم العمل .. ولم يكن أحد يتصور أن الإنجليز سيفقدون عقولهم إلي هذا الحد ويقتلون هذا العدد الكبير..
المهم العمال الذين نجوا من الموت هرولوا إلي المكان المتفق عليه ليركبوا الأتوبيسات المعدة لهم بقيادة الخميسي.. وذهبوا إلي وزارة الداخلية وتم قيد أسمائهم جميعا في الوزارة مع العناوين والتليفونات إن وجدت.. مع ظرف فيه المال الذي سيصرفونه خلال الأسبوع الذي سيبحثون لهم فيه عن الأعمال التي يجيدونها..
ثم هؤلاء العمال سيسجلون أيضا أسماء زملائهم القتلي خوفا من عدم تسلم أهاليهم للجثث.. لكي تتولي وزارة الداخلية التكفل بهم.. من معاش وتكملة تعليم الأبناء وغير ذلك.

- لماذا أكتب هذا الكلام اليوم؟
- لأن الحكومة الوفدية اتخذت قرارا رائعا آخر بعد إلغاء المعاهدة.. بمجرد أن وقعت هذه الأحداث تقررت مصادرة أموال القيادة الإنجليزية في بنك (باركليز) والصرف منها علي ضحايا الاستعمار.
ثم درس آخر من طريقة حصر ضحايا الاستعمار سواء من قتلوا أو فقدوا أعمالهم.. بأسرع وقت.

نحن نقابل الإرهاب بطريقة عشوائية.. لماذا لم نصادر بعد أموال الجماعة الإرهابية ونصرفها علي ضحايا الإرهاب!!!.. ولماذا لا نقوم بحصر الضحايا وتعويضهم؟.. صورة طفل (4 سنوات) الذي كان يمسك بيد وزير الداخلية ويسير بجانبه في جنازة والده مازالت تمزق قلبي.. هذا الطفل وغيره لماذا لا نفتح لهم وديعة في البنك للصرف منها عليه؟ وديعة من أموال القتلة المتوحشين!!! قولوا لي لماذا؟ مازالت الأيدي مرتعشة ونحن في وقت حرج .. لنا الله ونعم بالله تعالي.