رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الحاج عمر مهندس أسطول محمد على‮.. ‬يعود للحياة‮!‬

سعدت كثيراً‮ ‬بما قرأته أمس الأول من تدشين أكبر سفينة تجارية شيدها جهاز الخدمات البحرية فى ترسانة الإسكندرية‮..‬ ويبدو أن قواتنا المسلحة،‮ ‬تعوضنا خيراً‮ ‬عن عجزنا حتى فى بناء السفن تماماً‮ ‬كما تعوضنا قواتنا المسلحة عن عجز كثير من أجهزتنا المدنية‮.. ‬فى كثير من المواقع‮..‬

فقد كدنا نعقد ترسانة بناء السفن بالإسكندرية بسبب تخبطات سياسية وأطماع‮ ‬عديدة‮.. ‬حتى إننا بعنا معظم سفن الأسطول التجارى المصرى‮.. ‬وأتذكر بحكم نشأتى وسط أحواض بناء السفن فى دمياط،‮ ‬منذ طفولتى،‮ ‬ان ترسانة الإسكندرية كنت أتابع أخبارها منذ بدايات عملى الصحفى فى أخبار اليوم،‮ ‬منذ أوائل الستينيات‮.. ‬وأتذكر زيارتى لها مع المرحوم الدكتور عزيز صدقى وزير الصناعة‮.. ‬والدكتور عزت سلامة وكيل الوزارة‮.. ‬وكان معنا مستر نوفيكوف وزير الصناعة السوفييتى‮.. ‬ويومها وقفت أشرح لزملائى الصحفيين تفاصيل عملية إنشاء السفن‮.. ‬وفجأة وجدت الدكتور عزيز‮ ‬يقف ويستمع لى‮!! ‬فأنا ابن بحر‮!!‬

‮** ‬ومرت سنوات وسنوات إلى أن ماتت ترسانة الإسكندرية أو كادت لغرض فى نفس‮ ‬يعقوب‮.. ‬وللأسف أصبح أكثر من‮ ‬80٪‮ ‬من واردات مصر وصادراتها‮ ‬يتم فوق سفن‮ ‬غير‮.. ‬مصرية‮!! ‬وكنت أخشى أن تطول‮ ‬يد الخصخصة ترسانة الإسكندرية‮.. ‬ونبيعها للغير‮.. ‬رغم أنها ترسانة لها تاريخ‮.‬

وفجأة دبت الحياة فى ترسانة الإسكندرية‮.. ‬ولكن على‮ ‬يد القوات المسلحة المصرية ووزارة الدفاع المصرية،‮ ‬بعد أن انتقلت ملكيتها إلى جهاز الصناعات والخدمات البحرية بوزارة الدفاع عام‮ ‬2007‭.‬

‮** ‬وشهد المشير حسين طنطاوى القائد العام،‮ ‬وزير الدفاع منذ أيام حفل تدشين أكبر سفينة تجارية صنعتها الأيادى المصرية هى السفينة الحرية‮ ‬3‮ ‬والتى تم بناؤها بترسانة الإسكندرية‮. ‬تلك الترسانة التى أعيد تنشيطها مرتين‮: ‬المرة الأولى عام‮ ‬1960‮ ‬وقد شهدتها فى نهضتها هذه كما ذكرت والثانية عندما أصبحت تابعة للقوات المسلحة هذه الأيام‮.. ‬وحضر حفل التدشين أيضاً‮ ‬الفريق سامى عنان رئىس أركان حرب القوات المسلحة وقادة الأفرع الرئىسية ومحافظ الإسكندرية‮..‬

والحرية‮ ‬3‮ ‬حمولتها‮ ‬7700‮ ‬طن وطولها‮ ‬173‮ ‬متراً‮ ‬ويمكنها الإبحار‮ ‬22‮ ‬يوماً‮ ‬متواصلاً‮ ‬دون حاجة إلى تزود بالوقود‮..‬

‮** ‬وقد أعادتنى»الحرية‮ ‬3‮« ‬إلى سنوات الفخار والعظمة المصرية عندما أنشأ محمد على باشا تلك الصناعة البحرية بعد سنوات قليلة من توليه حكم مصر‮.‬

عدت إلى مصر‮ »‬الحاج عمر‮« ‬أبرع صانع سفن مصرى فى أوائل القرن‮ ‬19‮ ‬فقد اكتشف محمد على باشا أهمية أن‮ ‬يكون لمصر أسطول بحرى عصرى قوى‮ ‬يتوافق مع موقع مصر‮.. ‬ويحقق أهداف‮ ‬محمد على الكبرى‮.. ‬حقيقة اعتمد محمد على على شراء السفن الخارجية أو بنائها فى أوروبا‮.. ‬ولكن سرعان ما قرر الاعتماد على بناء هذه السفن‮.. ‬فى الأحواض المصرية‮.‬

وكان بالإسكندرية ترسانة تبنى السفن على الطراز القديم فعهد برئاسة قسم الهندسة بها إلى شاكر أفندى الإسكندرى وكان‮ ‬يعاونه مهندس بارع من أهالى الإسكندرية اسمه الحاج عمر،‮ ‬وهو من مشاهير المعلمين فى بناء السفن فعينه محمد على رئىساً‮ ‬للإنشاء وعمارة السفن وكان ذلك عام‮ ‬1821‮ ‬وتم بناء السفن التى شاركت فى حرب اليونان وكان قائد الأسطول‮ ‬يومها صهره محرم بك محافظ الإسكندرية أيامها‮..‬

‮** ‬ولكن محمد على حزن حزناً‮ ‬شديداً‮ ‬على تدمير أوروبا لهذا الأسطول فى أكتوبر‮ ‬1827‭.‬‮. ‬ولكن محمد على قرر ان‮ ‬يقف من جديد وأن‮ ‬يعيد بناء هذا الأسطول‮.. ‬وقرر هذه المرة ان‮ ‬يتم ذلك فى‮.. ‬ترسانة الإسكندرية ـ فأنشأ الرجل ترسانة كبرى‮.. ‬وهى تحريف لكلمة دار صناعة واستعان فى ذلك بمهندس فرنسى اسمه سريزى الذى جاء إلى مصر عام‮ ‬1829‮ ‬وعثر سريزى هذا على الكنز العظيم وكان اسمه‮: ‬الحاج عمر رجل الترسانة القديمة فجعله اكبر

معاونيه فى الترسانة الجديدة‮.. ‬وفى بناء الأسطول الجديد‮.‬

وفى‮ ‬يونية‮ ‬1829‮ ‬قدم سريزى مشروعه إلى محمد على الذى أمره بالبدء فوراً‮.. ‬وتم بناء الترسانة فى عام‮ ‬1831‮ ‬بينما كان سريزى والحاج عمر‮ ‬يقومان على تدريب الشبان على التعلم البحرى حتى تخرج منهم أوباتشية والجاويشيه والضباط ممن امتازوا بالهمة والنشاط والذكاء وصاروايعملون تحت قيادة الحاج عمر الذى ذكره كلوت بك فى كتابه العظيم عن مصر وذكره أيضاً‮ ‬على باشا مبارك فى كل ما كتبه عن عصر محمد على‮..‬

‮** ‬ومن شدة اهتمام محمد على بهذه الترسانة انه كان‮ ‬يزورها باستمرار وكان‮ ‬يستحث العمال على العمل ويعطيهم المثل فى الجد والمثابرة‮.. ‬وكان القائد العسكرى العظيم إبراهيم باشا‮ ‬يفعل نفس الشىء ولم تنقطع زيارات محمد على وولده إبراهيم أبداً‮ ‬للترسانة‮. ‬وكم كانت فرحتهما طاغية‮ ‬يوم‮ ‬3‮ ‬يناير‮ ‬1831‮ ‬عندما تم انشاء بارجة حربية ذات‮ ‬100‮ ‬مدفع نزلت الى البحر تتهاوى‮.. ‬ورأى محمد على فى إنزال هذه البارجة الى البحر إحياء لمشروعه البحرى وإحياء للبحرية المصرية بعد معركة نفارين البحرية‮.. ‬وصارت ترسانة الإسكندرية من أعظم المنشآت البحرية والحربية فى المنطقة كما كانت معهداً‮ ‬لتعليم المصريين بناء السفن وترميمها‮.. ‬بل تحولت الترسانة إلى جامعة بحرية أشادت بها كل الدول الكبرى وفى مقدمتها إنجلترا وفرنسا وإيطاليا‮.. ‬بل قام سريزى والحاج عمر ايضاً‮ ‬بتعميق البحر من ناحية الترسانة حتى جعلاه فى عمق كاف لرسو أكبر السفن الحربية‮.. ‬وفى هذا العصر صار‮ ‬يعمل بالترسانة‮ ‬8000‮ ‬مصرى واستغنت مصر عن شراء السفن من الخارج‮..‬

‮** ‬وامتد نشاط الترسانة من السفن الحربية إلى السفن التجارية وجعل لهذا القسم من الترسانة إدارة خاصة تولى رئاستها محمد قرافيش قبودان‮.. ‬وكانت السفن التى‮ ‬يتم انشاؤها تقام لها احتفالات فخمة ابتهاجاً‮ ‬بنزولها إلى البحر كان‮ ‬يحضرها محمد على باشا بنفسه ولا ننسى أن محمد على أنشأ مدرسة بحرية لتخريج الضباط البحريين على ظهر احدى السفن كان ناظرها حسن بك القبرصلى‮.‬

‮** ‬والآن تجئ القوات المسلحة المصرية لتحيى هذه الأعمال العظيمة‮.. ‬وتعيد مجد البحرية المصرية المدنية‮.. ‬بعد أن صار للبحرية العسكرية مكانها المرموق فى القوات المصرية‮.. ‬ونحمد الله أن عشت حتى رأيت الحياة تعود من جديد إلى ترسانة الإسكندرية‮.. ‬وكل ذلك بفضل القيادة الواعدة للقوات المسلحة المصرية ووزارة الدفاع‮.. ‬فنزلت‮ »‬الحرية‮ ‬3‮« ‬باكورة هذا العمل العظيم‮..‬

 

 

‮ ‬