عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عن اليمن والقات.. وتحريك الثورات

 

يوم 22 مايو الماضي شدتني صورة نشرتها جريدة الشرق الأوسط السعودية، علي خمسة أعمدة في صدر صفحتها الأولي..

الصورة لمجموعة من ثوار اليمن.. يتقدمون مئات غيرهم يسيرون في شوارع العاصمة صنعاء، يدقون الطبول المرسوم عليها ـ رسوم وكلمات الثورة ضد علي عبدالله صالح ويطالبونه بالرحيل عن الحكم وعن اليمن.. ولكن ما شدني للصورة هو أن كل من كان بها  كانوا »مخزنين« أي خزنوا القات في أفواههم.. وبالتالي كانت وجوههم منفوخة من كثرة

ما خزنوه بها من القات. ولم يكن القات في فم من يدق الطبول فقط.. بل كان في كل الشباب الذين اشتركوا في المظاهرة.. ولم ينس كثير منهم أن يضع خنجره الشهير..

** والقات يراه البعض نباتاً مخدراً ولهذا يتعامل معه القانون في معظم بلدان العالم.. كمادة مخدرة ممنوعة ـ رغم أن تعدي اليمن إلي ساحل تهامة جنوب السعودية والي كل الساحل الشرقي لقارة أفريقيا من اريتريا الي اثيوبيا الي جيبوتي الي الصومال وحتي تانزانيا وكينيا وأيضاً جزر القمر!!

وللقات سوق مهمة للغاية في صنعاء.. غير بعيدة عن سوق الملح وتجاره من الأثرياء.. أما زارعوه فهم من أغني الأثرياء.. والقات زراعة وتجارة يعتمد عليها عدد كبير من اليمنيين.. وقد اصطحبت يوماً الرئيس الحمدي الي مزارعه الخاصة جنوب صنعاء ليطلعني علي أفضل الأنواع التي يزرعها بالقات.. ويومها سألته  لماذا تفضل زراعة القات علي زراعة البن اليمني الشهير.. أو  العنب الذي تنافس به اليمن أفضل أنواعه.. رغم صغر حباته.. أو لماذا لا تزرع القمح.. فنظر لي الرئيس الحمدي، قبل أن يلقي مصرعه بشهور قليلة، نظرة المستغرب قائلاً.. هل تعرف أننا لو زرعنا فداناً بالقمح سوف يعطينا »مثلاً« 100 ريال يمني وإذا زرعناه بالعنب سيعطينا 120 ريالاً واذا زرعناه  البن سوف يعطينا 150 ريالاً.. أما إذا زرعناه بالقات فسوف يعطينا 200 ريال!! فلماذا لا نزرعه؟!

** ومرة أخري دعتني حكومة اليمن عام 1979 لكي اشترك في مناقشة أول ميزانية لخطة خمسية  في تاريخ اليمن.. وبدأنا الجلسات التي دعي اليها أيضاً أساتذة رئيس الوزراء عندما  كان يدرس في أمريكا.. وفي تمام الساعة الثالثة دعينا الي جلسة نستكمل فيها ما بدأناه.. وكانت المفاجأة انها كانت »جلسة قات« أي واصلنا المناقشة علي.. جلسة قات.. واكتشفت وأنا أراجع ميزانية وزارة التخطيط وجود بند نفقات شراء القات.. لهذه المناقشات!!

وفي اليمن وبالذات وسط الطبقات المثقفة يختتمون جلسات القات بشرب الويسكي وبعض الخمور لإحداث نوع من التعادل.. ولن أطيل!! إذ يقولون إذا كان القات مخدراً فان الخمور فيها نوع من التنبيه!! أي يشربون الويسكي ـ بعضهم  ـ تمهيداً لعودتهم الي العمل.. عند الغروب!!

** وإياك ان تذهب الي الأسواق في وقت التخزين. حقيقة الباعة جالسون فوق بضائعهم.. ولكنهم يستحيل أن يستجيبوا لكلماتك.. فهم دائماً صامتون.. حتي ولو ذهبت لشراء سيارة!!

فقط إن ألححت علي الشراء.. يكتفي البائع »المخزن« بأن يشير لك بأصابعه.. ولكن دون كلام.. ووقت التخزين لا بيع فيه ولا شراء.. ولا حديث وتجد الخدود بارزة للخارج من كثرة ما دفع فيها صاحبها من ورق القات الذي يستحلبه شيئاً فشيئاً ليحصل علي كل ما به من عصارة مخدرة.. ولا يقذف بها خارج فمه الا بعد أن يستحلب كل ما بها.

والقات ومخلفاته يختلف عما يتناوله الهنود من »علكة« صفراء بلون الكركم ملفوفة في ورق أخضر كورق الموز ويظل الهندي يستحلبها ثم يقذف ما يتبقي منها.. إلي أرض الشارع وكانت شوارع ربي في المناطق ذات الكثافة الهندية وحول دور السينما الهندية والأسواق الهندية مشهورة بذلك!!

** وأشجار القات هي الأكثر اخضراراً في كل اليمن وهي أشجار في ارتفاع أشجار الجوافة والبرتقال والليمون عندنا.. ولكنها أكثر اخضراراً وأوراقها أقل قسوة.. وأقل قوة. ولهذا يفضل اليمني  أوراقها وبالذات الأوراق العليا التي تكون »طرية« مثل أوراق الملوخية الي حد كبير.. ولكن شتان بين الملوخية حيث لا توجد بها أي فائدة غذائية حقيقية، فالفائدة في الشوربة التي تطبخ بها.. وفي فائدة »التقلية« من ثوم وسمن وغيرهما.. أما عن فوائد القات.. فاسألوا أي يمني ليشرحها!!

ويذهب اليمني الي أسواق القات ما بين العاشرة صباحاً ووقت الظهر.. وهو وقت الذروة لشراء القات داخل أسوار مدينة صنعاء القديمة.. وتجد الزحام ولا الزحام عندنا علي أفران بيع الخبز.. أو مراكز بيع اسطوانات البوتاجاز!!

** وللعلم.. فإن القات ليس فقط للرجال ومجالس الرجال.. بل هو أيضاً للنساء.. وهناك  مجالس للنساء أيضاً لتخزين القات..  تحبوا أقول لكم أكثر.. والا كفاية عليكم النهاردة..

والقات ليس عيبا في اليمن بدليل أن الثوار أيضاً يخزنونه.. بل ويخرجون للتظاهر في الشوارع.. وهم  »مخزنون«

** ألم أثقل لكم أن الصورة شدتني كثيراً.. وأعادت الي ذاكرتي الكثير مما أعرف.. وما أكثر ما أعرفه!!