رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كيف نصنع الديكتاتور؟

أخيرًا فهمنا كيف نصنع الديكتاتور.. فالشعب يصنع الديكتاتور، ولكن كيف؟!

انها طول مدة الحاكم فوق مقاعد الحكم، عندما لا يري الحاكم إلا نفسه.. وما علي الشعب إلا الخضوع.. والصمت علي سرقة رأيه الانتخابي..

 

كان عندنا دستور صدر يوم 11 سبتمبر 1971- أيام السادات- وكانت المادة 77 منه تنص علي أن مدة الرئاسة ست سنوات ميلادية ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمدة تالية ومتصلة.. ولكن وفيما عرف بتعديل الهوانم، تقدمت العضو فايدة كامل باقتراح لتعديل هذا النص.. وووفق عليه في 22 مايو 1980 وجاء النص الرهيب بأنه »ويجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية »لمدد« أخري!!« أي أن التاء قلبت دالاً.. وهكذا صنعنا الديكتاتور!!

** كانت المدة 6 سنوات ثم اضفنا- بموافقتنا- مددًا أخري. لم يقنع الحاكم بأن يحكمنا 12 سنة.. فأطلقنا له العنان، دون سقف محدد حتي جاء حاكم حكم البلاد 5 دورات أي 30 عاماً. والطريف أن من تم المد لصالحه وهو الرئيس السادات لم ينعم بهذا المد فاستشهد ولم يكمل بعد المدتين.. لتصبح الجمهورية، ملكية بالفعل.. وان كانت جمهورية بالاسم.. وهنا السوء كله..

** وعندما نشأت الفكرة الجمهورية كان الهدف أن يكون الحكم محدد المدة.. فأي حاكم يستطيع أن يقدم كل ما عنده- لمصلحة الشعب- في مدتين علي الأكثر وهكذا جاء النص علي فكرة المدتين كحد أقصي، مدتين متتاليتين: قبل أن تنشأ حوله الشلل ويصبح لرجال الرئيس السلطة الأكبر.. فيستشري الفساد ويتوغل ويتحول الرئيس من حاكم محبوب إلي حاكم يكرهه شعبه وقد تنبهت الدول الديمقراطية إلي هذا الداء..

** منها ما حددت مدة الحكم بأربع سنوات.. ومنها ما حددتها بست سنوات.. ومنها ما حددتها بسبع سنوات.. كل دولة حسب ظروفها وأوضاعها.. ولهذا اختلفت اتجاهات دول مثل فرنسا التي كانت لمدة 7 سنوات ولكنها عادت وقلصتها.. وإيطاليا واسبانيا.. بل منها ما جعلت مدة الحكم لا تزيد علي عام واحد ويتم تدوير الحاكم، أي حاكم كل عامين مثل سويسرا ولا نريد أن ندخل هنا إلي عالم أمريكا اللاتينية فهذه أم المشاكل والانقلابات، وبالمناسبة سويسرا يحكمها مجلس رئاسي مكون من 7 أعضاء وينتخب في ديسمبر من كل عام يحكم من أول يناير إلي 31 ديسمبر من العام نفسه.. ثم يتم انتخاب رئيس للمجلس غيره من باقي الأعضاء.. وهكذا كل عام..

** ونأتي إلي الولايات المتحدة الأمريكية فنجد أن مدة الرئيس هي 4 سنوات ويجوز أن يعاد انتخابه لمدة تالية هي 4 سنوات أيضا.. وبعدها يعتزل الحكم.. ولهذا نجد الآن في أمريكا العديد من الرؤساء السابقين مثل كارتر وريجان وكلينتون وبوش الأب والابن.. وهكذا..

ولكن حدث أن تجاوزت الأمور رئيساً واحداً لأمريكا هو فرانكلين روزفلت.. فهو الوحيد الذي تم انتخابه 4 مرات متتالية بين عامي 1933 و1945 ولكن كانت له ظروفه..

** فالرجل رغم اصابته المتأخرة بشلل الأطفال عام 1921 وابتعاده عن السياسة حتي عام 1924 خاض انتخابات الرئاسة عام 1933 وفاز ليصبح الرئيس رقم 32 وكان عمره وقتها 51 عاماً.. وذلك

في ذروة الأزمة الاقتصادية العالمية فتقدم بمشروع يحمل اسم »الصفقة الجديدة« عبر بأمريكا سنوات الأزمة.. ثم أعيد انتخابه عام 1937- في الأولي حصل علي 7 ملايين صوت وفي الثانية حصل علي 11 مليوناً- واحتارت أمريكا وقد دخلت الحرب العالمية الثانية بعد أن ضربت اليابان بيرل هاربر عام 1943 ماذا تفعل؟.. ووجد عقلاء أمريكا الحل في تعديل الدستور لإنقاذ البلاد وتم هذا التعديل.. ورشح روزفلت نفسه لمدة ثالثة.. ثم لمرة رابعة لتستمر قيادته لبلاده خلال هذه الحرب.. ولكن مات يوم 12 أبريل 1945 فاستكمل هاري ترومان مدته الرابعة هذه.. وبمجرد وفاة روزفلت عاد العمل بالنص الدستوري القديم أي للرئيس حق الترشح لمرتين فقط متتاليتين.. وقد كان.. وتلك هي المرة الوحيدة التي تم فيها تعديل الدستور لمصلحة البلاد.. لا لكي تستمر مدي الحياة..

** وإذا كانت فرنسا سمحت في الماضي أن تكون مدة الرئيس 7 سنوات ودون حد أقصي للمرات، إلا أننا لم نعرف رئيساً تجاوز المدتين.. وتلك قمة الديمقراطية.. حتي ولو كان ذلك هو بطل فرنسا القومي الجنرال شارل ديجول!!

أما عندنا فالأمر مختلف.. حتي وجدنا الرئيس ينتخب 5 مرات وكل مرة 6 سنوات.. وياليتها كانت 4 سنوات للمرة الواحدة. وهكذا وجدنا رئيس مصر يحكم أكثر مما حكم حاكم لمصر الحديثة من بعد محمد علي باشا الكبير..

** وطول مدة حكم الرئيس- أي رئيس- يصنع منه الحاكم الأوحد.. ومهما كانت أفكاره الإصلاحية إلا أن طول المدة يعني »الاسترخاء« وبطء اتخاذ القرارات.. وأيضا تتكون الشلل ونري نوعاً غريباً من »رجال حول الرئيس« يتحول كل واحد منهم إلي ديكتاتور داخل منطقة نفوذه.. وهنا يكمن الداء.. بل والبلاء.. ومهما كان الحاكم المستنير ديكتاتورًا إلا أنه في النهاية لا يري إلا رأيه..

** من هنا كان قرار ألا يحق للرئيس إلا مدتان اثنتان فقط.. وكل مدة 4 سنوات.. لا غير. أي كل مدة حكمه أن أعيد انتخابه تكون 8 سنوات.. وهي مدة لا تسمح لصنع الديكتاتور.