رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الولاء للوطن.. عاد أخيرا

بكيت مرة وأنا أتحاور مع مجموعة من الشباب. كنت أقول لهم إن شباب جيلنا كانوا يتسابقون للتطوع في القوات المسلحة.. ليشاركوا في الدفاع عن الوطن.. الآن نجد من يتهرب من إعطاء حق الوطن في أداء الخدمة العسكرية.. وقلت لهم: حتي كنا نتطوع في العمل الفدائي لتحرير الوطن من الاحتلال.. فردوا علي في نفس واحد: هذا كان فيما مضي عندما كان الوطن ملكا للمواطنين.. الآن وكان ذلك قبل ثورة 25 يناير الوطن لم يعد ملكا للمواطنين.. بل صار نهبا لفئة قليلة هي المنتفعة وحدها بكل نعم الوطن.. بسبب قربها من السلطة والسلطان.. وقال آخر كيف تطالبني بالولاء لوطن لا يحترم مواطنين ولا يوفر لهم أبسط ظروف الحياة.. بينما تلك القلة تستولي علي كل شيء؟!

نحن لم نعد ننتمي لهذا الوطن.. ولا نحن إليه.. لأنه ببساطة لم يعد لنا.. وقال شاب آخر: هل تعرف لماذا يصر الشباب علي الهروب من الوطن.. بحثا عن ظروف أفضل للحياة خارجه.. حتي ولو تعرضوا بسبب ذلك للغرق في المياه الباردة.. أو يتحولون إلي طعام لأسماك القرش المتوحشة.. علي الأقل هذه الأسماك أقل توحشا من القروش البشرية التي نراها كل يوم.. وتعيش بيننا كل يوم!!

وصدمتني هذه الأقوال من شباب هم ذخيرة الوطن.. وهم جنوده إذا تعرض هذا الوطن لأي اعتداء.. فهل هذا الشباب كان يمكن أن يتقدم الصفوف ويعبر المخاطر ويضع حياته دفاعا عن هذا الوطن.. أشك كثيرا.

كنت أري الضياع في عيون هؤلاء الشباب.. ولكنهم كانوا يرون ما هو الأسوأ. يرون الأقل كفاءة يفوز بفرص عمل تدر أموالا طائلة.. أما الأفضل فمازال ينتظر والحسرة تأكله.. ثم هذا الشباب وهو يسمع عن مليارات ومليارات سرقها هذا أو نهبها ذاك سواء من السلطان أو أسرة السلطان.. أو من حاشية السلطان.. لهذا كان من الشباب من يعاود الهرب إلي الخارج مرة ومرات. بل ويقترض ليدفع إلي سماسرة الموت ليسهلوا له.. الهروب من الوطن.

وجاءت ثورة 25 يناير علي غير موعد، وبدون قائد أو تخطيط جاءت لتقلب كل الأوضاع.. ونكتشف أن جنودها -كلهم- هم من هؤلاء الشباب، الذين خرجوا لتصحيح الأوضاع.. فقط كان مطلبهم الأوحد في البداية هو الإصلاح.. أي ضرب الفساد والحمد لله أن النظام لم يستجب لهم في البداية.. إذ كانت مكابرة النظام أو بدء التعامل مع هذه الحركة من أهم أسباب تصعيد الشباب لمطالبهم.. إلي إسقاط الحكومة.. ثم إسقاط النظام ووصلوا إلي ضرورة إسقاط الرئيس..

وطوال أول أمس، الجمعة، رأيت أطول علم في حياتي لأي وطن علم واحد يرتفع فوق الرءوس.. فوق رءوس كل المتظاهرين بجميع مناطق ميدان التحرير وتوابعه حتي ميدان الشهيد عبدالمنعم رياض ثم إلي بداية كوبري قصر النيل إلي شارع قصر العيني.. علم واحد. قطعة واحدة يحملها الشباب.. وكان ذلك في قمة الولاء لهذا الوطن ولعلم هذا الوطن.. وأحسست بالفخر بشباب بلدي..

الذين حملوا علم بلدي الذين عادوا إلي الانتماء للوطن.. وبكيت.. والله بكيت للحظات عديدة وأنا أشهد علم بلدي فوق رءوس شباب بلدي.

ومن بلكونة شقتي في العجوزة رأيت صورة أخري من صور الانتماء للوطن رأيت شبابا وصبية في عمر الزهور عمرهم يتراوح بين 12 عاما و18 عاما لا أكثر يكنسون الشارع ويجمعون الزبالة ويضعونها في أكياس علي النواصي كانوا يرتدون ملابس تدل علي أنهم من أبناء العائلات.. وكانوا يبتسمون وهم يؤدون هذا العمل اليدوي البسيط.. ولأول مرة منذ 60 عاما هي عمر إقامتي في هذا الشارع رأيت هذا الشارع يلمع من شدة النظافة بل إن ما قام به هؤلاء الشباب دفع تجار الشارع والباعة الدائمين فيه أن يساهموا -لأول مرة- في عملية التنظيف وأسرع كل واحد منهم يمسك مقشة.. أو يأتي بخرطوم مياه ليساهم في غسل الشارع.. وعرفت أن هناك رجلا كبيرا في السن يشرف عليهم.. وسيارات صغيرة تمر لتجمع أكياس القمامة.. وكان ينقصني أن أنزل وأنام علي أرضية الشارع من شدة نظافته.. وعرفت أن هذا العمل يتكرر في شوارع العجوزة.

ولم أسعد لنظافة الشارع بقدر سعادتي لعودة الانتماء للوطن، الذي يبدأ من الشارع.. وسعدت أيضا بأن مثل هؤلاء الشباب الذين كانوا يتعرضون للضرب والإهانة من بعض ضباط الشرطة هم نفس الشباب: شبانا وفتيات، الذين يقومون بإعادة طلاء مباني أقسام الشرطة من الداخل والخارج وكل ذلك من أموالهم الخاصة.

إنها الروح الجديدة التي دبت في جسد الوطن، وتوغلت في وجدان شبابه وفتياته. روح اسمها الولاء للوطن. فالذي يحمل العلم لم يكن يعرف هل يتوسطه صقر قريش.. أم نسر صلاح الدين والولاء للوطن ولعلم الوطن، وشوارع الوطن كله يجعلنا نتذكر أياما عظيمة، أيام حرب أكتوبر وانتصارات العبور.

ووقفت وزوجتي نتابع مشهد الشباب وهم يفعلون كل ذلك غير مصدقين أن ثورة 25 يناير هي التي أحدثت هذا المعني الكبير في حياة كل المصريين.