رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الريدي.. ورحلة العمر


السفير عبد الرؤوف الريدي - بلدياتي - أعادني أكثر من 60 عاماً إلي الوراء.. ليذكرني -وما أطيبها من ذكري- بالأستاذ محمود أمين ناظر مدرسة دمياط الثانوية، والذي كان يشرف أيضاً علي مدرسة دمياط الابتدائية.. فقد كان السفير في المدرسة الثانوية.. وكنت في الابتدائية وبالمناسبة كنا نقول محمود بك أمين فقد كان الناظر ايامها »بك« بحق وحقيقي.. كما أعادني وذكرني بالأستاذ ابراهيم عبد الهادي مدرس الألعاب والمشرف علي القسم المخصوص عندما كان السفير منضما للقسم المخصوص، وكنت بعده كذلك.. ولا أدري لماذا كان يبدو لنا الأستاذ عبد الهادي عملاقاً.. هل بسبب قامته الرياضية الفارعة.. أم لأننا كنا أطفالاً، أي قصار القامة.

وذكرني سعادة السفير بتلك المدرسة العظيمة التي بنيت عام 1934 وهي في نظري من اعظم واكمل المدارس، ليس فقط مجرد المبني الفخم ولكن ايضا بسبب ما تضمه، كان فيها مدرجات الطبيعة ومعامل الكيمياء وقاعة للمسرح والسينما كانت تقدم لنا أفلاماً تسجيلية علمية رائعة وايضا بملاعبها الرياضية من كرة قدم وسلة.. إلي صالة الجيمانزيوم الرائعة.. ثم مطاعهما ومطابخها التي كانت تقدم لنا وجبات ساخنة باستمرار..

** ذكرنا عبد الرؤوف الريدي بكل هذا وغيره وهو يقدم لنا كتابه الرائع »رحلة العمر« من اصدار دار نهضة مصر من كتاب أو سفر عظيم.. وسط كوكبة من اصدقائه وزملائه يتقدمهم عمرو موسي الأمين العام »للعرب« والدكتو زاهي حواس - بلدياتنا ايضا - والدكتور الدبلوماسي مصطفي الفقي والعشرات من السفراء سيدات ورجال.. حتي من الأجيال الجديدة.

ونلمس من الحظة الأولي وفاء هذا الرجل لأسرته.. فأول صورة تطالعنا في »رحلة العمر« هي صورة والده الحاج السيد شعبان الريدي بطربوشه المكوي جيداً والقفطان الصوف وتحته الصديري من نفس القماش.. وصورة الأب تعلو صورة الابن أبو طربوش أيضاً..

والريدي قدم لنا نفسه من البداية.. من عزبة البرج حيث ملتقي البحر المتوسط بالنيل العظيم، وفي الخلفية بحيرة المنزلة، وأمامها رأس البحر أيضاً.

** ويحكي لنا هذا المشوار الطويل عندما كان يضطر إلي المشي 14 كيلو متراً وسط الأوحال ليصل إلي المدرسة بدمياط عندما كانت تمطر السماء فتعجز السيارات عن السير، ولكن إصراره علي طلب العلم كان يدفعه إلي تحمل كل ذلك.

ومن المؤكد أن عبد الرؤوف الريدي كان يتذكر ذلك، وهو يدخل البيت الأبيض بشارع بنسلفانيا، حيث مقر الرئىس الامريكي رئىس اكبر واقوي دولة في العالم عندما ظل سفيراً لمصر هناك لمدة 8 سنوات.. تري هل كان الصبي ابن العزبة يتوقع يوما أن يدخل البيت الابيض، وربما المكتب البيضاوي حيث مكتب الرئيس الامريكي ريجان.. ثم بعده الرئيس بوش الاب؟!

** وهي في نظري أخطر فترة في تاريخ مصر.. وتاريخ السفير نفسه اذ هي فترة إسقاط الديون العسكرية الامريكية علي مصر وكانت كبيرة، وكان للريدي فيها الدور الاساسي الذي لم تنسه مصر ولا الرئيس مبارك فظل سفيراً في امريكا لفترة لم يقضها سفير مصري آخر هناك.

وما بين بداية عمل الريدي - في الدبلوماسية المصرية بين عام 1955 وعام 1992 عاش الرجل وعمل دبلوماسياً ناجحاً في عدة دول

أوروبية وآسيوية، واذا كان قد عمل مندوبا لمصر في المقر الاوروبي للامم المتحدة.. فإنه عمل في قلب المنظمة الدولية في نيويورك ضمن الوفد المصري.. ومن هناك تابع مأساة النكسة المصرية عام 67 والصراع الدبلوماسي الذي رافقها ومعركة القرار 242.. إلي دوره الكبير في واشنطن بعد ذلك..

** واذا كان الرجل قد ولد في عصر الملك فؤاد.. وعاش شبابه في عصر الملك فاروق ثم ولده الملك احمد فؤاد.. فإنه عاصر رجلاً ناضجاً عصر عبد الناصر وعمل وحضر معه المؤتمرات وعاش معه أحلام بناء عام عربي جديد.. ثم عمل مع الرئيس السادات وعاش عصر زلزال زيارته للقدس 1977.. ثم الحرب الدبلوماسية العربية علي مصر، واذا كان الرجل لا ينسي دور الرئيس الامريكي جونسون في عدوان 67 ويتهمه بأنه كان فاعلاً رئيسياً في تلك المؤامرة علي مصر عام 67 وما بعدها ثم رأيه الصائب بأن صدام حسين هو المجرم الاول الذي دمر التضامن العربي عندما غزا الكويت عام 1990 ثم كان ما كان من غزو أمريكا للعراق عقاباً له علي جريمة رئيسه الديكتاتور الذي حاول الرئيس مبارك ان ينصحه فلم يقبل النصيحة..

** مشوار طويل قطعه الريدي ولكن تظل معركة الغاء الديون وبدء الاصلاح الاقتصادي في مصر هي المعركة الرئيسية التي ساهم فيها الرجل مساهمة فعالة.. وأبلي فيها البلاء الحسن..

ولا أنسي يوم زرته - خلال هذه الفترة - في مكتبه المتواضع في السفارة المصرية بواشنطن فوجدت حجرته حجرة سعادة السفير لاتزيد مساحتها علي ثلاثة امتار في ثلاثة امتار.. فهل هذا هو مكتب سفيرنا في اكبر دولة في العالم..

ولكنني وجدت علي الجدران صوراً عديدة للسفن والمراكب والبحار.. فلما لاحظ دهشتي سبقني وقال: حتي لا أنسي.. عزبة البرج!!

** ومع تقديري لكتاب رحلة العمر كمجلد فخم كبير رائع اتمني أن تصدر دار نهضة مصر منه طبعة شعبية لا يتجاوز ثمنها العشرة جنيهات حتي يقرأها الشباب ليروا ويتعلموا ويعرفوا قصة شاب كان يمشي في الاوحال.. ليتعلم حتي اصبح اسمه السفير عبد الرؤوف الريدي..