عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

.. ولماذا وصلنا إلي.. الانفصال؟ (10)

لا أفهم لماذا يتعجب البعض من إقبال الجنوبيين علي استفتاء يتبعه انفصال جنوب السودان عن شماله.. فما حدث أيام الاستفتاء تعبير عما يجيش في قلوب الجنوبيين.. وسبب كل ذلك ما حدث من الانجليز ومن الحكم الوطني علي حد سواء.. فالكل شركاء فيما وصلنا إليه الآن.. سببه طول سنوات الحرب.. وابتعاد سنوات الاستقرار والسلام. وتلك هي جريمة كل حكومات السودان.. من الاستقلال الي الانفصال. واذا كانت جريمة الانجليز مدفوعة بمصالحهم العليا.. فإن ما جري من السودانيين أنفسهم ـ من أهل الشمال ـ في حق أهل الجنوب يرفضه أي عقل.

حقيقة فرض الانجليز حظراً علي الجنوب فلا يدخله غيرهم إلا بموافقة الانجليز ولكن كان يفترض أن يتخطي الشماليون ذلك.. ويعملوا علي الامتزاج مع الجنوبيين.. ويمدوا أيديهم لمساعدتهم، لأنهم جزء من هذه الدولة التي هي أكبر دول أفريقيا مساحة.. وثروة.

** واذا كان الجنوبي ينظر إلي الشماليين بأنهم تجار العبيد الذين سرقوا أطفالهم للبيع هنا وهناك فان الجنوبي تجمعت لديه كل عوامل الحقد علي هذا الشمالي »العربي.. المسلم« بل ان الجنوبي أصبح يكره هذا الشمالي.. ولان الشمالي عربي.. فإن الجنوبي كره الشمالي العربي، ولان هذا الشمالي مسلم.. فإن الجنوبي ازداد كرهه لهذا المسلم.. وهكذا لم يستطع الشمالي أن يقنع الجنوبي بدراسة اللغة العربية حتي نشأت لغة جديدة في كل منطقة ربما أهمها لغة أهل منطقة جوبا، حتي سمعنا من يطلق عليها »عربية جوبا« وهي مزيج من اللغة العربية.. واللغة الانجليزية.. ولغات أو لهجات المواطنين المحليين في هذه المنطقة.

ثم ان الشماليين عجزوا عن شرح وتقديم دين الاسلام للجنوبيين.. بينما نجحت الإرساليات التبشيرية في نشر الدين المسيحي. بل رضع الجنوبي مع ذلك كرهة للاسلام الذي هو دين الشماليين.. الذين هم تجار الرقيق.

** الانجليز اذن وضعوا البذرة.. والشماليون تولوا رعايتها.. حتي وصلنا الي هذا الاقبال الهائل من الجنوبيين علي.. الانفصال.

وكانت أمام الشماليين الفرصة ذهبية لتصحيح هذه الاخطاء.. بعد الاستقلال في يناير 1956.. ولكنهم سرعان ما وقعوا في براثن سلسلة طويلة من الانقلابات العسكرية بداية من الفريق ابراهيم عبود عام 1958 أي بعد حوالي عامين من الاستقلال.. ورغم سقوط حكم عبود في سبتمبر 1964 إلا أن الحكم المدني بعده لم ينجح.. وجاء انقلاب اللواء جعفر نميري في مايو 1969 وحاول الرجل وعهده أن يفعل شيئاً.. ونجح في توقيع اتفاقية أديس أبابا في فبراير 1972.. ولكن سرعان ما دب الخلاف.

وجرت مياه كثيرة أدت الي فشل تجربة نميري الي أن جاء انقلاب عمر البشير.. وبين هذه وتلك جاءت حكومات مدنية ولكن الكل سار في طريق تكريس الانفصال.. وليس تثبيت دعائم الوحدة.

** واذا كانت محاولة نميري تطبيق الشريعة الاسلامية وسط شعب لا يطبق الاسلام نفسه ولا يعرفه.. اذا كانت هذه المحاولة قد زادت من تباعد الجنوب عن الشمال.. وزادت من تجاهل الشمال للجنوب.. فإن محاولات عمر البشير منذ جاء

للحكم في يونيو 1989 قد قضت بابتعاد الجنوب تماماً عن الشمال، وبالذات مع تشدد نظام البشير ورفيقه في الحكم الشيخ حسن الترابي الذي يطل الآن برأسه الذي يشبه رأس الافعي ليهدد رفيقه أو حليفه القديم، فقد كان اصرارهما معاً علي تطبيق الشريعة هو الذي جعل الانفصال.. الحل الامثل للطرفين معاً: البشير والترابي فقد تعاملا ـ معاً ـ مع الجنوب، دون فهم لطبيعة الجنوب وطبيعة أهله وتنوع معتقداته وأصوله ولهجاته.. ومصالحه.

** وأضاع الشماليون ـ بعد الاستقلال ـ فرصة ذهبية لاندماج الشمال مع الجنوب.. وانصهار الجنوب مع الشمال. حقيقة تصدت حكومة الاستقلال الاولي، ثم حكومة الاستقلال الثانية، الاولي أيام الأزهري والثانية أيام سر الختم خليفة فتم إغلاق المدارس الأجنبية في الجنوب وإن تركوها في الشمال.. وملاحقة الإرساليات التبشيرية هناك.. ولكن استمرت سياسة إبعاد الجنوبيين عن مراكز الحكم والادارة.. فظلت في أيدي الشماليين.. حتي ان المفاوضين الجنوبيين في مؤتمر جوبا ثم في أديس أبابا وأخيراً في نيفاشا وغيرها، ظلوا يطالبون بمشاركة أبناء الجنوب في ادارة الأقاليم أو المديريات الجنوبية. واذا كان نميري ـ عقب اتفاق أديس أبابا ـ قد أنشأ وزارة يرأسها وزير جنوبي، وحتي عندما تم إعدام هذا الوزير عقب اشتراكه في الانقلاب الشيوعي في يوليو 1971 وهو جوزيف جارنج ولكن نميري سرعان ما عين آبل ألير (من بور) وزيراً بدلاً منه لوزارة شئون الجنوب، وفي رأيي ان اتفاق أديس أبابا كان البوابة الذهبية لاستقرار الأوضاع في الجنوب.. وللحقيقة ظل الوضع كذلك الي أن عاد جون قرنق من بعثته الدراسية في أمريكا حاملاً درجة الدكتوراه ليقود حركة تحرير السودان منذ عام 1983.. وهي الحركة أو الجبهة التي ستحكم جنوب السودان.. بعد الانفصال.

** وغداً.. ماذا جنت مصر من السودان وأين كانت طوال كل هذه السنوات، من عام 1956 الي عام 2011 عندما يختار الناس الانفصال.. بمعني أصح »الجنوب.. ومياه النيل«.

عباس الطرابيلي