رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الشريعة تحطم اتفاق أديس ابابا (4)

لاحت بوادر حل مشكلة جنوب السودان مع انقلاب مايو 1969 الذي قاده اللواء جعفر نميري، مع ما أعلنه نميري لصالح الجنوبيين، وأخذت أعداد هائلة من الجنوبيين تعود إلي قراها.. وسلم عدد آخر اسلحتهم وتوقف الجيش والشرطة عن استخدام اساليب البطش.. وقام مجلس للتنسيق بالاقليم الجنوبي وتعيين عدد من نواب وزراء الخدمات لشئون الجنوب.

وشهدت مدينة جوبا مؤتمراً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في يناير 1971 وصدرت توصية بإشراك الجنوبيين في العمل وان يقوم البنك العقاري بتقديم سلفيات للجنوبيين لبناء مساكنهم.. وان تكون العربية هي اللغة القومية مع انشاء فرع لكلية العلوم في الجنوب مع تطوير النقل والمواصلات والبريد.. وللحقيقة كانت توصيات مؤتمر جوبا خطوة ايجابية ومحاولة بناءة لتعميق المفاهيم وإظهار عزم الحكومة علي الاصلاح.

** ولكن الخلاف القبلي وتنوع مصادر التمويل ومحاولة الانقلاب الشيوعي في يوليو 71 أحدث نوعاً من الردة في طريق الحل السلمي.. ولا نخفي هنا ان حركة جوزيف لاجو نجحت في الحصول علي اسلحة كثيرة بدعم من اسرائيل.

ولكن المشكلة الاساسية كانت في تعدد تنظيمات المتمردين.

كانت هناك حكومة النيل ومنظمة الانيانيا ومنظمة ازانيا وحكومة أنتيري وجمعية جنوب السودان.. ومنظمة مكرتياس الكاثوليكية.. واتحاد جنوب السودان، منظمة أكشين ميدكو.. وجمعية التسلح الخلقي.. كل ذلك أدي إلي مزيد من التفكك.. ثم كان ما حدث في يناير 1971 عندما أعلن جوزيف لاجو »عن تكوين حركة« تحرير جنوب السودان وبذلك تكونت لأول مرة قيادة سياسية تعمل تحت قيادة الجناح العسكري.. وأعلن لاجو عن تشكيل مجلس استشاري. وكان لظهور هذه القيادة السياسية الموحدة ان تشدد الجنوبيون في مطالبهم.. واستطاعت الدعاية الغربية ان تصور المتمردين علي انهم ضحايا العنصرية.. وانهم يعاملون معاملة غير انسانية واستطاعت هذه الدعايات ان تقلب القضية بالتعاون مع الكنيسة الي قضية من قضايا حقوق الانسان.

** ورغم ذلك عملت حكومة نميري علي تطبيق ما جاء في بيان 9 يونيه والسير علي طريق الحل السلمي.. ووصلت في النهاية إلي اتفاقية أديس ابابا رغم وجود عقبات عديدة.

فض الشمال لم يكن للحكومة اي سند شعبي فهي لم تأت بنتيجة انتخاب.. والاخوان المسلمون عارضوا اي تسوية لا تعترف بالاسلام كدين للدولة. وفي الجنوب رفضت بعض المجموعات اي تعاون.. بل والاشتراك في المفاوضات.. وتم تعيين أبل ألير خلفاً لجوزيف جرانج وزيراً للجنوب ثم عين نائباً لرئيس الجمهورية ورئىسا للمجلس التنفيذي العالي للجنوب.

وفي 27 فبراير 1972تم التوقيع علي اتفاقية اديس ابابا وتم جنيه 40 مليون جنيه، كانت مخصصة للجيش، علي التنمية في الجنوب والشمال، وفي يوم 3 مارس 72 صدر قانون الحكم الذاتي في السودان بل واصبح هذا اليوم عيداً للوحدة ويحتفل به سنوياً في احدي عواصم المديريات الثلاث الجنوبية، كما أعلن وقف اطلاق النار. وتم إخطار كل الدول المعنية بهذه الاجراءات ولا يخفي اختيار اديس ابابا مكانا للاجتماع ولا اختيار الامبراطور هيلا سيلاسي راعياً للمؤتمر.. فضلاً عن ترحيب الجنوبيين باختيار اديس ابابا مكانا للمؤتمر.. بحكم انها عاصمة .. مسيحية.

** وللحقيقة فإن اتفاقية الحكم الذاتي جاءت حلاً طيباً لمشكلة الجنوب وتم اعتبار مديريات بحر الغزال

والنيل الاعلي والمديرية الاستوائية هي الاقليم الجنوبي وتم اعتبار اللغة العربية لغة رسمية للسودان والانجليزية لغة رئيسية دون المساس باستعمال لغات اخري.. مع حق الاقليات في استعمال لغاتها.. وتم تعيين ثلاثة جنوبيين وزراء في الحكومة الشمالية.

وقوبلت هذه الاتفاقية بتريحب كامل من غالبية الشعب السوداني وبدأت عمليات اعادة توطين اللاجئين وجمع الاعانات لدعم الجنوبيين وأخذت عمليات دمج اعضاء الانيانيا في القوات المسلحة السودانية وفي غيرها من الشرطة والخدمة المدنية.. وتم منح جوزيف لاجو رتبة اللواء وعين مفتشاً عاماً للجيش ثم في عام 74 عين قائداً للمنطقة الجنوبية.

ورغم هذه الاتفاقية فقد نشأت أفكار عديدة في الجنوب.. وفي غيره.. حقيقية ثم بذل جهد كبير وزاد التقارب والاختلاط، وكان كلما مر عام بعد شبح تجدد الاضطرابات ولكن ظلت النار تحت الرماد.. فالجنوب خاضع للقيل والقال.. ولكن الحديث عن مستقبل الجنوب لم ينقطع.

** مثلاً يقول الدكتور محمد عوض محمد استاذ الجغرافيا والنيل في مصر إان الاستعمار البريطاني كان يحلم بزرع نموذج الهند.. في قلب افريقيا.. كانت بريطانيا تحلم بنموذج الهند في آسيا.. وتطبيقه في إفريقيا، سواء في السودان الجنوبي أو في كينيا أو في أوغندا، ولكن كان اي كلام عن انفصال جنوب السودان في ذلك الوقت يثير الخوف في القارة الافريقية كلها، فقد كان السودان الواحد يكون وحدة اقتصادية كبيرة ومتكاملة.

** ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن.. فقد تعجل اللواء نميري الاختلاف مع الجنوب، عندما حاول تطبيق الشريعة الاسلامية في الجنوب بينما هذا الجنوب ليس كله من المسلمين، وحتي مسلموه منهم من دخل الاسلام حديثاً.. ومنهم من لا يعرفون الاسلام.. فضلاً عن غالبية تدين بمعتقدات غير الهية أي من الوثنيين لا هم مسلمون ولا هم مسحيون.. فكيف نطبق عليهم تعاليم دين لا يعرفونه.

هنا عادت الاضطرابات وأخذت الجماعات المسلحة تظهر من جديد لتعود الثورة أشد اشتعالاً.. وتعود الحرب الاهلية في أواخر عهد الرئيس نميري.. يقودها هذه المرة ضابط برتبة عقيد في الجيش السوداني هو: جون قرنق

** غداً نواصل مأساة جنوب السودان