عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جنوب السودان.. بداية مشكلة "2"

كانت عيون الاستعمار الانجليزي مسلطة علي جنوب السودان، حتي قبل أن يتم اعادة السودان عام 1899، وكان مخطط الانجليز يقوم علي ابعاد كل مسئولي الشمال عن الجنوب.. وليس سراً أنه كانت هناك تعليمات من حاكم عام السودان - وهو انجليزي - ألا يقترب مسئول شمالي واحد من أي موقع في الجنوب.. ليس هذا فقط بل امتد هذا الاسلوب إلي أي مسئول مصري هناك رغم أن مصر هي شريك الانجليز في الحكم، وهم في الاساس كانوا حكام السودان كله قبل ثورة المهدي.

وفي الوقت الذي سمح الانجليز فيه للبعثات التبشيرية المسيحية بالعمل في الجنوب.. كان محرماً أن يدخل رجل دين مسلم إلي هذا الجنوب، سواء لشرح قواعد الدين الاسلامي، أو حتي لتعليم اللغة العربية.. وهكذا تباعد الجنوب شيئاً فشيئاً عن الشمال.. وللاسف استكان الشماليون إلي هذا الاسلوب..

** وللأسف استمرت هذه السياسة تجاه الجنوب، حتي بعد أن نال كل السودان استقلاله في يناير عام 1956.. وظل الجنوب مهملاً أيضاً تحت حكم اهله السودانيين.. وتلك هي الجريمة الكبري.

ولقد عاني الجنوبيون كثيراً من سياسة اهمال الشماليين لهم، في كل شيء بداية من المدارس والرعاية الصحية إلي اغفال كل عوامل البنية الاساسية التي يفتقدها الجنوب، حتي سمعنا من يقول انهم في الجنوب لا يعرفون معني تعبير البنية التحتية من شبكات لمياه الشرب إلي الصرف الصحي إلي الكهرباء.. بل ايضا إلي الطرق المرصوفة وغيرها.. وكان هذا خطأ الشمال الأول والأفدح..

** ورغم أن الدعوة للانفصال عن الشمال بدأت قبيل الاستقلال بشهور قليلة إلا أن اهل الجنوب دائما ما كانوا في شك من شعور اهل الشمال تجاههم.. وهذا أحدث الشق الرهيب بين الشماليين والجنوبيين.

وقد يكون للشماليين بعض العذر بحجة عدم استقرار أوضاع السودان.. وبسبب توالي الانقلابات العسكرية التي عصفت بكل السودان، وكان الانقلاب الأول بعد الاستقلال بسنوات قليلة - وهو انقلاب الفريق ابراهيم عبود - وقد تكون سيطرة الشماليين حتي علي هذه الانقلابات هي السبب وتذبذب الاوضاع بين الاتجاه نحو اليسار، والاتجاه نحو اليمين.. ولكن الحقيقة المؤكدة هي التجاهل التام للجنوب، من كل الحكومات التي تولت أمر السودان إلي أن وصل الأمر إلي حد أنه لم يكن هناك ضابط جنوبي واحد برتبة كبيرة في الجيش أو في الشرطة..

** وزادت عزلة الجنوبيين.. فزادت ثوراتهم، تحركوا وخاضوا سلسلة طويلة من الحروب، هي تلك التي عرفناها باسم الحرب الأهلية بينما هي حرب بين الشمال والجنوب فيما عرف بحركة انيانيا 1 وانيانيا 2 ثم بالحركة الشعبية لتحرير السودان.. وهكذا..

والمؤلم أنه بسبب كل هذه الحروب والمشاكل التي اخرت بناء دولة عصرية في كل السودان وجدنا من يخرج من ابناء الشمال: من الساسة ومن رجال الاحزاب من يعلنها صراحة: ليذهب الجنوب حيثما شاء.. وليترك السودان لأهل الشمال.. سمعت ذلك من رئيس وزراء سابق شهير.. وسمعته من شريك أساسي في الحكم مع الفريق البشير، بل وسمعت نعرة »نحن عرب.. وهم زنوج« ونحن مسلمون وغير غير ذلك.. وهكذا خرج الصراع من تحت الارض إلي العمل المعلن.

** وبينما المعارك مستمرة في الجنوب ظهرت بادرة ضوء رشيد.. الاولي في محاولة الوصول إلي حل لمشكلة الجنوب وكان ذلك في مؤتمر المائدة المستديرة اذ بعد تولي سر الختم خليفة رئاسة الوزراء في اكتوبر 1964 تم تعيين كلمنت أمبورد - وهو جنوبي

- وزيراً للداخلية ومسئولاً عن الامن في جميع انحاء البلاد شمالاً وجنوباً.. ووجد ذلك ترحيبا.. اذ ان سر الختم قبل ذلك عمل مساعداً لمدير التعليم في الجنوب وكان ملماً بشئون الجنوب.. وبدأت خطوات جديدة من أجل المصالحة..

** وتقدم قادة حزب سانو بمذكرة لرئيس الوزراء تضمنت اصدار عفو عام بالنسبة لجميع اللاجئين.. والاعتراف بالحزب مع اعطائه حق مباشرة نشاطه داخل السودان.. وعقد مؤتمر مائدة مستديرة تحضره احزاب الشمال والجنوب ورجال القانون والجامعة التي كانت مهد المعارضة ضد حكومة عبود مع قادة النقابات.. وذلك - ولاحظوا - لمناقشة العلاقات الدستورية بين الشمال والجنوب.. واقترحت المذكرة ايضا »حضور مراقبين من منظمة الوحدة الافريقية« والدول المجاورة ومصر.. وتم تكوين تنظيم جديد من مثقفي الجنوب الموجودين بالخرطوم سمي جبهة الجنوب.

وفي نوفمبر 1964 اعلن سر الختم خليفة في خطاب موجه للشعب أن حكومته تولي الجنوب اهتماماً كبيراً ودعا إلي السلام والتفاوض لان القوة لن تحل شيئاً..

كل ذلك جاء كبارقة أمل لحل المشكلة سلمياً.. وظهر أن كل المقبول لدي الجنوبيين هو النظام الفيدرالي وان يكون نائب الرئيس من الجنوب وان يكون حكام المناطق الادارية في الجنوب.. من الجنوبيين وان تكون الانجليزية هي اللغة الرسمية مع تحويل مدرسة رومبيك الثانوية إلي جامعة وتعيين مساعدين لمدير التعليم في الجنوب احدهما جنوبي.. واعضاء مجلس التطوير تحت رئاسة جنوبي.. مع انشاء قيادة عسكرية وتعيين جنوبيين في وزارة الخارجية.

** ولم يعقد مؤتمر المائدة المستديرة في فبراير 65 كما كان مقرراً ولكنه عقد في الشهر التالي في الخرطوم ولكن المشاكل حاطت بالمؤتمر الذي عقد برئاسة النذير رفع الله نائب رئيس جامعة الخرطوم.. وسمعنا فيه لأول مرة تغيير وجود سودانيين اثنين وانه لا توجد اي قاعدة للوحدة.. حتي وحدة المصالح غير موجودة.. وتم استعراض وجهات النظر وظهر واضحاً مطلب انشاء مجلس استشاري لتطوير الاقتصاد وبرلمان وجامعة للجنوب.. بل والسيادة علي الشئون الداخلية.

** وانقسم الجنوبيون علي انفسهم في هذا المؤتمر: المعتدلون طالبوا بنظام فيدرالي، وفريق اخر هاجم تجار الرقيق العرب ونادوا بالاستقلال وفريق ثالث طالب باستفتاء تقرير المصير.. وفريق طالب بالانفصال..

** وكان ذلك في مارس 1965.. فهل تغيرت الصورة.

وفشلت بادرة الامل الاولي في حل المشكلة..

وغدا نواصل..