رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

نظرة إستراتيجية على العلاقات الصينية- الأوروبية

بوابة الوفد الإلكترونية

في الرابع عشر من شهر فبراير 2012، استقبل رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا  باو ببكين رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي هرمان فان رومبوي ورئيس المفوضية الأوروبية جوسيه مانويل باروسو،

وفي اليوم التالي استقبلهما الرئيس الصيني هو جين تاو. وكانت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، قامت في مطلع ذات الشهر بخامس زيارة لها إلى الصين منذ توليها منصبها قبل ست سنوات. وفي اليوم التاسع عشر من الشهر ذاته، قام نائب رئيس الصين، شي جين بينغ، بزيارة رسمية إلى أيرلندا. هذه اللقاءات والاجتماعات المكثفة بين قادة الصين والاتحاد الأوروبي حول الشؤون الدولية الهامة في مطلع سنة 2012، تعكس عمق علاقات الصداقة الإستراتيجية بين الصين والاتحاد الأوروبي. في الفترة الراهنة التي تعاني فيها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية من أزمات الديون ويشهد الاقتصاد العالمي ركودا وانكماشا ويواجه الوضع الدولي اضطرابات شديدة، لا بد لنا من النظر إلى العلاقات الصينية- الأوروبية ومستقبلها بنظرة استراتيجية.

الصين تساعد أوروبا
تواجه أوروبا منذ سنتين أزمة الديون السيادية الخطيرة. وقد أعلنت الحكومة الصينية بوضوح أنها تدعم الجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لمواجهة هذه الأزمة. كما أكد قادة الصين مجددا، أثناء لقاءاتهم مع قادة الاتحاد الأوروبي وألمانيا وأيرلندا في شهر فبراير 2012، رغبة الصين في تعزيز التعاون مع الدول الأوروبية لمواجهة أزمة الديون السيادية معا، وتعهدوا بمساعدة الدول الأوروبية في تخفيف المشاكل الناحمة عن الأزمة من خلال الآليات الأوروبية القائمة.
وقد أثنت وسائل الإعلام الأوروبية على الموقف الصيني الإيجابي ثناء كبيرا. على سبيل المثال، اشترت الصين 400 مليون يورو من ديون أسبانيا في 6 يوليو 2011. وقد لاقت هذه الخطوة تقديرا عاليا من مختلف الأوساط الأوروبية. حيث أشارت صحيفة ((فاينانشال تايمز)) البريطانية إلى أن عودة الصين إلى الأسواق المالية الأوروبية التي تتعرض لأزمة مالية، تعتبر بمثابة تصويت بالـ "الثقة" في اقتصاد منطقة اليورو، وهذا بلا شك سيرفع ثقة الأوساط المالية العالمية في منطقة اليورو، كما أن له أهمية كبيرة لتخليص أوروبا من الأزمة.
على الرغم من ذلك، ما زالت هناك أصوات في الأوساط السياسية والإعلامية الأوروبية تنظر بريبة لنوايا الصين في المساعدة، والزعم بأن المساعدات الصينية تتضمن شروطا سياسية، والإدعاء بأن "الصين تشتري أوروبا". حول هذا القلق، أجاب رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو، خلال حديثه مع مستشارة ألمانيا ميركل، قائلا "نحن لا نربط مساعدات الصين لأوروبا بما نتمسك به دائما في مواقفنا السياسية، مثل الاعتراف بوضع اقتصاد السوق في الصين، وإلغاء حظر مبيعات الأسلحة، لكنني أشرت إلى تحسن البيئة الاستثمارية. كانت ميركل حساسة نحو ذلك، فتعهدت ببذل جهود إيجابية لإنجاز هذا الأمر." بالنسبة لقلق "شراء الصين لأوروبا" لدى البعض، قال السيد ون إنه قلق غير مبرر ولا يتفق مع الواقع، فالصين لا ترغب في ذلك ولا تمتلك القدرة على فعل ذلك.
إن ما دعى الصين لتمد يدها لأوروبا التي تعاني من أزمة الديون الخطيرة هو الوضع العام للعلاقات الصينية- الأوروبية. الاتحاد الأوروبي أكبر شريك اقتصادي وتجاري للصين. وفقا لمصلحة الجمارك الصينية، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والاتحاد الأوروبي 21ر567 مليار دولار أمريكي في عام 2011، والاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري للصين خلال السبع سنوات الأخيرة على التوالي، وأوروبا أكبر سوق للصادرات الصينية، بينما الصين ثاني أكبر سوق للصادرات الأوروبية. برغم تراجع حجم التجارة الخارجية الأوروبية في 2011، واصل حجم التبادل التجاري بين الصين والاتحاد الأوروبي النمو بنسبة 3ر18% مقارنة مع سنة 2010. إن اقتصاد الصين واقتصاد الاتحاد الأوروبي يكملان بعضهما البعض، في ظل العولمة الاقتصادية. رغم أن الاقتصاد الصيني يمر بمرحلة تحول، ظلت الصادرات الصينية القوة الرئيسية لدفع نمو اقتصاد الصين. هذا يعني أن تدهور أو انهيار اقتصاد منطقة اليورو نتيجة لصدمات أزمة الديون، وانخفاض وارداتها إلى حد كبير ستكون له تداعيات سلبية على نمو الاقتصاد الصيني، في وقت يفرض ركود الاقتصاد الغربي ضغوطا على نمو الاقتصاد الصيني. قال رئيس مجلس الدولة الصيني: "مساعدة أوروبا هي مساعدة لأنفسنا."

تقوية الأساس الاقتصادي للعلاقات الصينية- الأوروبية
يجب فهم سبب دعم الصين لليورو أيضا من زاوية الوضع المالي العالمي. عندما اجتاحت أزمة الديون اليونان للمرة الثانية في صيف العام الماضي، كانت إجراءات المساعدة التي اتخذها الاتحاد الأوروبي محدودة ماليا وقليلة الفعالية. وتوقعت وسائل الإعلام العالمية أن تمد الصين يد العون، خاصة زيادة تمويلها في صندوق النقد الدولي. لكن الولايات المتحدة الأمريكية اتخذت موقفا متحفظا إزاء ذلك، حيث أوعز وزير الخزانة الأمريكي تيموثي غايتنر إلى الأوروبيين قائلا: "بلا شك أنتم لا تأملون في أن يقع المصير الأوروبي في أيدي هؤلاء من ممولي الصندوق، إذ أن احتياطي الصندوق يكفي لمواجهة ذلك." من البديهي أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب في أن تمد الصين يدها لأوروبا. والسبب في ذلك وهو أن اهتزاز مكانة اليورو سيقلل المخاطر عن الدولار الأمريكي.
أما موقف الاتحاد الأوروبي، فتحول من التردد في البداية إلى التفاهم والقبول. كان الهدف الرئيسي لزيارة ميركل إلى الصين هو وضع تعهدات الصين بمساعدة الاتحاد الأوروبي موضع التنفيذ. في أواخر العام الماضي، اتصل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأحد قادة الصين طالبا العون. وقال ساركوزي لمواطنيه: "إذا قرر الصينيون الذين يمتلكون 60% من احتياطي النقد الأجنبي في العالم الاستثمار في اليورو بدلا من الدولار الأمريكي، فلماذا نرفض ذلك؟" وفي هذا الصدد، قال البروفيسور فرانسوا غودمنت، الأستاذ  بمعهد باريس للعلوم السياسية: "ما ننتظره في المستقبل هو دلتا مالية، أي مجموعة ثلاثية مكونة من الصين وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ولا ينبغي لأوروبا أن تتخيل التخلص من المشاكل المالية في منطقة مغلقة، بل يجب أن تصبح شريكا ماليا عالميا ذا سيادة،

وهذا يحتاج إلى الاتفاق مع الصين التي تتمتع بأكبر نصيب من احتياطي النقد الأجنبي بين دول العالم." في المستقبل سيصبح ما يسميه البروفيسور غودمنت بـ"الدلتا المالية" الاتجاه الرئيسي للتطور المالي العالمي. وحسب رأي الأوروبيين، فإن وضع الدلتا هذا أفضل بكثير من الوضع الحالي المتمثل في محاربة اليورو وحده أمام الدولار الأمريكي.
وقد توقع خبراء اقتصاد يون آفاق تعاون مشرقة بين الصين والاتحاد الأوروبي في مجال الاستثمار بعد اندلاع أزمة الديون الأوروبية. من الجانب الأوروبي، أسفرت أزمة الديون السيادية عن شكوك في الأسواق المالية الأوروبية، فتراجع التصنيف الائتماني لبعض الدول الأوروبية وأجهزتها المالية. في هذا الحال، يصبح جذب استثمارات أجنبية ضخمة مهمة ملحة لكل الدول الأوروبية، في وقت تشهد فيه الصين ذروة نمو استثماراتها في الخارج. كان حجم الاستثمارات الصينية في الخارج، حسب تقارير صحفية، 30 مليار دولار أمريكي في عام 2002، ولكن من المتوقع أن يصل حجمها إلى تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2020. مع ذلك، لا تزال الاستثمارات الصينية في أوروبا قليلة نسبيا، وتحتل الاستثمارات الصينية غير المالية في الاتحاد الأوروبي 2ر0% من مجمل الاستثمارات الأجنبية التي يتلقاها الاتحاد الأوروبي. من ناحية أخرى، يتحول مركز ثقل الاستثمارات الصينية في الخارج حاليا من موارد الطاقة إلى التكنولوجيا والتقنيات، لذلك تعتبر المؤسسات الأوروبية العالية التكنولوجيا مقاصد مثالية لاستثماررؤوس الأموال الصينية.
على كل حال، في ظل العولمة الاقتصادية، لم يتقلص التكامل الاقتصادي بين الصين والاتحاد الأوروبي في مواجه أزمة الديون، بل يتوسع، مما يرسي أساسا متينا للتنمية المستدامة للعلاقات الصينية- الأوروبية.

اختبارات أزمة الديون
لا ريب أنه لا تزال هناك بعض الحواجز في طريق تنمية العلاقات الصينية- الأوروبية في المستقبل. على سبيل المثال، ثمة رأيان شائعان على المسرح الدولي، وهما "تقريع أوروبا"  و"قتل الصين بالتملق". يستند الأول على الصعوبات الكثيرة التي تواجهها أوروبا في الفترة الراهنة، بما فيها مخاطر أزمة الديون واهتزاز مكانة اليورو وتراجع النمو الاقتصادي وعرقلة التكامل الاقتصادي، لدرجة أن البعض يتوقع تفكك الاتحاد الأوروبي قريبا. أما الأخير فنشأ من جراء احتلال الصين للمرتبة الثانية لإجمالي الناتج المحلي في العالم والمرتبة الأولى لاحتياطي النقد الأجنبي. ويستنتج من ذلك، أن التكامل بين الصين وأوروبا قد انتهى مع تنامي قوة الأولي وانحطاط الثانية، ولم يعد لتنمية العلاقات الصينية – الأوروبية مغزى استراتيجي.
لا يشتمل مفهوم "تقريع أوروبا" إلا على ما تواجهه أوروبا حاليا من المتاعب والمشاكل، ولا ينظر إلى مستقبلها. بالنسبة لأزمة الديون السيادية غير المسبوقة هذه، يعمل الاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات تخفيف إيجابية حاليا، وله قدرة كافية لمواجهة هذه الأزمة، طالما تتوفر الرغبة السياسية القوية لجميع أعضائه لحل هذه الأزمة. قال نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال زيارته إلى أيرلندا في الفترة يومي 18 و19  فبراير 2012: "برغم أن الاتحاد الأوروبي يواجه بعض المشاكل والتحديات حاليا، ووجود بعض الأصوات الهادفة لتقريع أوروبا، إلا أن دول الاتحاد الأوروبي تسعى إلى التوصل إلى آراء سياسية مشتركة في التغلب على الصعوبات والأزمة وحفظ ودعم إنجازات التكامل الأوروبي. وإن الصين لا توافق على تقريع أوروبا."
أما مقولة "قتل الصين بالتملق"، فلها أغراض خفية. إذا حللنا القوة الوطنية الشاملة للصين ومعدل نصيب الفرد من ناتجها المحلي الإجمالي، نجد أن الصين لا تزال في مستوى الدولة النامية. كما لم يشهد التكامل الاقتصادي بين الصين وأوروبا أي انخفاض.
إن نجاح الصين وأوروبا في تعزيز الثقة المتبادلة وتحقيق التعاون والكسب المشترك من خلال مواجهة أزمة الديون السيادية، اختبار كبير لحنكة الطرفين وإرادتهما  السياسية. من هذه الناحية، النظر إلى العلاقات الصينية- الأوروبية بنظرة استراتيجية له أهمية كبيرة، لأن مستقبل العلاقات الصينية- الأوروبية يواجه اختبارات أزمة الديون السيادية في الوقت الراهن.

تشن شياو تشيوان

باحث في مركز بحوث الشؤون العالمية بوكالة أنباء شينخوا