ثورة شعبية في بلجيكا
في الوقت الذي تندلع فيه المظاهرات الشعبية في العديد من الدول العربية أو بدول أخري في العالم للمطالبة برحيل حكوماتها بسبب الجوع والفقر والفساد، خرج اكثر من 34 الف بلجيكي في العاصمة البلجيكية بروكسل مساء الأحد في مظاهرة تاريخية غاضبة هي الاكبر من نوعها في العقد البلجيكي ، للمطالبة بوجود حكومة ائتلافية وطنية تدير شؤون البلاد ، بعد غياب دام قرابة 7 أشهر.
وتأتي تلك المظاهرة بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية في منتصف يونيو الماضي ، حيث تتولي حكومة صورية مؤقته برئاسة ايف لوتريم رئيس الوزراء السابق ادارة البلاد في الشئون العاجلة التي لا تتعلق بملفات حيوية ، وقد اطلق البلجيكون علي المظاهرة اسم مسيرة »العار«. والخلاف البلجيكي علي تشكيل الحكومة ليس جديداً أو وليد الانتخابات البرلمانية الاخيرة ، بل هو خلاف يرجع من ارث سياسي يعود الي الستينيات من القرن الماضي ، فبعد ان وضعت الحرب العالية وأوزارها وتم اعادة اعمار بلجيكا ، وعاد اللاجئون والمهاجرون االبلجيك من دول لجؤهم في فرنسا والمانيا ، استغلت بعض القوي السياسية و الاحزاب السياسة الجديدة مشكلة اختلاف اللغات التي عاد بها البلجيك وعوائلهم ، لاكتساب قوة شعبية باللعب علي اوتاراختلاف اللغة ، وكرس هذا المشهد السياسي الاجتماعي صدور تعديل في الدستور عام 1971 لتقسيم الشعب البلجيكي الي 3 مجموعات وفقا للغة، متحدثو البلجيكية " وهي اللغة نفسها اللغة الهولندية "ويمثلون الأغلبية، متحدثو الفرنسية ، والالمانية وهم اقلية . وتم تخصيص مجلس ثقافي لكل مجموعة، يهتم المجلس بقرارات اللغة أو التعليم أو الأمور الثقافية الأخري ، كما اقر الدستور المعدل أيضاً ثلاث مناطق اقتصادية وهي الفلامنكية، الفرانكفونية، وبروكسل ، وفي عام 1980 منحت الحكومةُ الفلامنك والفرانكفونيين ما يشبه الحكم الذاتي المحدود او الادارة اللامركزية، واصبحت كل منطقة متحكمة في المقاطعات التابعة للغتها، وتسيطر علي شؤنها الاقتصادية. ومنذ ذلك الحين وفرقة الخلافات تسود بين مصالح الفلانك والفرانكفوريين، وتعرقل الخلافات ايجاد الحلول للمشكلات لاقتصادية المتتالية والمتراكمة من تضخم وبطالة، ولم يفلح القانون الذي اصدرته الحكومة عام 1993 والذي بموجبه تم تحويل البلاد الي دولة فيدرالية تضم المناطق الثلاث سالفة الذكر، وبمقتضي هذا القانون تمتع كل من الفلامنك والفرانكفونيين بسلطات أكبر في مناطقهما، وبقي الصراع المتوارث حتي الان علي اقتسام الدوائر الانتخابية والسلطة في بروكسل ، وهو ذات الصراع الذي يفسد تشكيل الحكومة الحالية. وقد سادت حالة من خيبة الامل لدي فئات الشعب بعد الفشل الذريع الذي أصابه الوسيط الملكي بارت دي ويفر »وهو أيضاً زعيم الانفصاليين الفلمنكيين« في الشهر الماضي