عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ثورة شعبية في بلجيكا

في الوقت الذي تندلع فيه المظاهرات الشعبية في العديد من الدول العربية أو بدول أخري في العالم للمطالبة برحيل حكوماتها بسبب الجوع والفقر والفساد،‮ ‬خرج اكثر من‮ ‬34‮ ‬الف بلجيكي في العاصمة البلجيكية بروكسل مساء الأحد في مظاهرة تاريخية‮ ‬غاضبة هي الاكبر من نوعها في العقد البلجيكي‮ ‬،‮ ‬للمطالبة بوجود حكومة ائتلافية وطنية تدير شؤون البلاد‮ ‬،‮ ‬بعد‮ ‬غياب دام قرابة‮ ‬7‮ ‬أشهر‮.‬

وتأتي تلك المظاهرة بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية في منتصف يونيو الماضي‮ ‬،‮ ‬حيث تتولي حكومة صورية مؤقته برئاسة ايف لوتريم رئيس الوزراء السابق ادارة البلاد في الشئون العاجلة التي لا تتعلق بملفات حيوية‮ ‬،‮ ‬وقد اطلق البلجيكون علي المظاهرة اسم مسيرة‮ »‬العار‮«. ‬والخلاف البلجيكي علي تشكيل الحكومة ليس جديداً‮ ‬أو وليد الانتخابات البرلمانية الاخيرة‮ ‬،‮ ‬بل هو خلاف يرجع من ارث سياسي يعود الي الستينيات من القرن الماضي‮ ‬،‮ ‬فبعد ان وضعت الحرب العالية وأوزارها وتم اعادة اعمار بلجيكا‮ ‬،‮ ‬وعاد اللاجئون والمهاجرون االبلجيك من دول لجؤهم في فرنسا والمانيا‮ ‬،‮ ‬استغلت بعض القوي السياسية و الاحزاب السياسة الجديدة مشكلة اختلاف اللغات التي عاد بها البلجيك وعوائلهم‮ ‬،‮ ‬لاكتساب قوة شعبية باللعب علي اوتاراختلاف اللغة‮ ‬،‮ ‬وكرس هذا المشهد السياسي الاجتماعي صدور تعديل في الدستور عام‮ ‬1971‮ ‬لتقسيم الشعب البلجيكي الي‮ ‬3‮ ‬مجموعات وفقا للغة،‮ ‬متحدثو البلجيكية‮ " ‬وهي اللغة نفسها اللغة الهولندية‮ "‬ويمثلون الأغلبية،‮ ‬متحدثو الفرنسية‮ ‬،‮ ‬والالمانية وهم اقلية‮ . ‬وتم تخصيص مجلس ثقافي لكل مجموعة،‮ ‬يهتم المجلس بقرارات اللغة أو التعليم أو الأمور الثقافية الأخري‮ ‬،‮ ‬كما اقر الدستور المعدل أيضاً‮ ‬ثلاث مناطق اقتصادية وهي الفلامنكية،‮ ‬الفرانكفونية،‮ ‬وبروكسل‮ ‬،‮ ‬وفي عام‮ ‬1980‮ ‬منحت الحكومةُ‮ ‬الفلامنك والفرانكفونيين ما يشبه الحكم الذاتي المحدود او الادارة اللامركزية،‮ ‬واصبحت كل منطقة متحكمة في المقاطعات التابعة للغتها،‮ ‬وتسيطر علي شؤنها الاقتصادية‮. ‬ومنذ ذلك الحين وفرقة الخلافات تسود بين مصالح الفلانك والفرانكفوريين،‮ ‬وتعرقل الخلافات ايجاد الحلول للمشكلات لاقتصادية المتتالية والمتراكمة من تضخم وبطالة،‮ ‬ولم يفلح القانون الذي اصدرته الحكومة عام‮ ‬1993‮ ‬والذي بموجبه تم تحويل البلاد الي دولة فيدرالية تضم المناطق الثلاث سالفة الذكر،‮ ‬وبمقتضي هذا القانون تمتع كل من الفلامنك والفرانكفونيين بسلطات أكبر في مناطقهما،‮ ‬وبقي الصراع المتوارث حتي الان علي اقتسام الدوائر الانتخابية والسلطة في بروكسل‮ ‬،‮ ‬وهو ذات الصراع الذي يفسد تشكيل الحكومة الحالية‮. ‬وقد سادت حالة من خيبة الامل لدي فئات الشعب بعد الفشل الذريع الذي أصابه الوسيط الملكي بارت دي ويفر‮ »‬وهو أيضاً‮ ‬زعيم الانفصاليين الفلمنكيين‮« ‬في الشهر الماضي‮

‬،‮ ‬حيث فشل في التوفيق بين الاحزاب البلجيكية الفرانكوفونية والناطقة باللغة الفرنسية‮ ‬،‮ ‬وبين الاحزاب الفلامنكية الناطقة باللغة البلجيكية،‮ ‬بالعرض التوفيقي الذي طرحه‮ ‬،‮ ‬وهو عرض تم اعتباره منحازا للمطالب الفلامنكية‮ ‬،‮ ‬ويمهد الي انفصالهم الذي يطالبون به تحت حكم ذاتي بمقاطعاتهم بعيد عن الجسد الام بلجيكا،‮ ‬وعادت المفاوضات لتشكيل الحكومة الي نقطة الصفر‮. ‬وأذا كانت بلجيكا قد نجحت في اجتياز اختبار رئاستها للاتحاد الاوروبي في الاشهر السته الماضية،‮ ‬وحتي نهاية ديسمبر الماضي،‮ ‬بدون وجود حكومة وتحت قيادة حكومة ادارة اعمال وبمساعدة فرنسية في الواقع،‮ ‬فانها لن تستطيع تجاوز المأزق الشعبي الحالي،‮ ‬بعد ان خرجت جموع الشعب لتعبر عن رغبتها في انهاء الصراع السياسي وتشكيل حكومة ائتلافية وطنية تجمع المصالح لا تفرقها‮. ‬ولا يزال الوضع البلجيكي رغم الطقس الجليدي،‮ ‬لا يزال ساخناً،‮ ‬ويشير الي وجود نيران تحت الهشيم تهدد باندلاع الموقف او تفجيرة للخروج بحل الانفصال،‮ ‬وهو مالا يرغبه ملك بلجيكا البرت الثاني‮ ‬،‮ ‬وتخشاه حكومات دول الاتحاد الأوروبي،‮ ‬والتي يوجد مركز قيادتها الاداري‮ »‬مقر الاتحاد‮« ‬في قلب العاصمة بروكسل،‮ ‬فتقسيم بلجيكا سيعني انتهاء العاصمة الاوروبية السياسية‮ ‬،‮ ‬والبحث عن شكل جديد لعاصمة اوروبية سياسية لا تكون مقسمة بين فريقي الاحزاب البلجيكية،‮ ‬ولا تطحنها الصراعات‮ . ‬ان الموقف البلجيكي موقف صعب وعلي المحك،‮ ‬ولا يوجد مخرج من الأزمة الا بتقديم بعض التنازلات من الفرانكفونيين والفلامنكيين علي حد سواء حول اقتسام‮ »‬تورتة‮« ‬السلطة الادارية علي بروكسل وعدد من الدوائر الانتخابية‮ ‬،‮ ‬وخروج الشعب في مظاهرة العار الهائلة،‮ ‬من شأنها دفع الاطراف المتنازعة علي الجلوس معا لايجاد حل وسط،‮ ‬وستكشف الأيام القادمة مدي تأثير الشعب علي الساسة والاحزاب في بلجيكا‮.‬