العُنصرية والأعمال المتدنية تُحاصر الأجانب فى هولندا
لا يحتاج المرء لأن يُدقق النظر كثيراً كى يعرف نوعية أعمال يمتهنها الأجانب فى هولندا ، حيث اول ما يلفت النظر فى الشوارع الهولندية ان الغالبية العُظمى ممن يقومون بأعمال النظافة وجمع القمامة هم من الأجانب ، البالغ عددهم 3,36 مليون نسمة وفقا لمعلومات المكتب المركزى الهولندى للإحصاء .
ولا يقتصر الأمر على مُمارستهم أعمال تنظيف الشوارع ، بل مهن خطيرة فى مصانع الكيماويات والموانىء والسكك الحديدية والمزارع ، وتعرضهم للإصابة بالأمراض نتيجة التلوث وإختلاف درجات الحرارة من بروده وحراره .
على الرغم ان حقوق العمل والعمال لكافة المواطنين في هولندا مُحددة في الدستور العام للبلاد ، دون تفرقة او تمييز بين لون أو عرق أو جنس او دين ، الا ان أرباب العمل الخاص وكثير من المؤسسات الحكومية والشركات تضع الأجانب فى مواقع الأعمال المتدنية ، بينما تمنح فرص العمل الأعلى مرتبة للهولنديين الأصل .
يأتى ذلك فى الوقت الذى تعلن فيه الحكومة الهولندية عن امكانية قيام المهاجرين المتعلمين تعليما عاليا المساهمة في أعمال الابتكار والمعرفة بالقطاعات الحكومية والمؤسسات الصناعية ، وانها على استعداد لجذب العمالة الأجنبية لسد احتياجات سوق العمل الهولندى ، وانها تتخذ اجراءات لضمان عدم تعرض العمال الأجانب لسوء المعاملة أو تنافس غير عادل مع الأيدى العاملة هولندية الأصل ، وهى بذلك تعترف ضمنياً بواقع العُنصرية وعدم المساواة بين الأجانب والهولنديين فى سوق العمل .
وفى هذا الاطار يؤكد زعيم حزب العمل " يوب كوهين " العمدة السابق للعاصمة أمستردام " ان المسلمين في هولندا يُستبعدون ويُهمشون " .
يؤكد الواقع ان المواد القانونية الواضحة فى الدستور الهولندى لا تمنع العُنصرية فى المُجتمع ، ولا تحمى الأجانب من الضغوط عليهم وتحقيرهم فى سوق العمل ، ففى الوقت الذى تتاح فيه الفرص لكل من يعانى من العنصرية حق الشكوى ومقاضاة المتهمين بممارستها سواء من الهولنديين او غيرهم ، وتكفل القوانين حقوق ضحاياها ، الا انه فى حالات كثيرة يتحول ضحايا العنصرية عامة وفى سوق العمل بشكل خاص الى مذنبين ، حيث يعانى هؤلاء من الآثار السلبية نتيجة شكواهم .
وقد أكدت دراسة هولندية صدرت عن المكتب الوطني لمُكافحة التمييز العُنصري تحت عنوان " التمييز العنصرى في العمل ماذا بعد ..؟ " اشترك ايضا فى هذه الدراسة الشبكة الأوروبية لمكافحة العنصرية ، كشفت فيها النقاب موضحة انه : " لم يعُد سراً حدوث عنصرية فى أماكن العمل ، فهذا يحدُث منذ سنوات طويلة ، وتأثير الشكاوى ينعكس سلبياً على الضحايا ، ليس من رؤسائهم فحسب بل ايضا من زملاءهم الهولنديين ، باستخدام اساليب التخويف ومضايقتهم بعبارات عُنصرية تخص اصولهم ومعتقداتهم
تضيف الدراسة انه تم اجراء مُقابلات متعمقة حول ضحايا العنصرية مع عدد 24 من العمال الأجانب ، اكدوا ان الضحايا سلكوا كل الطرق القانونية للشوى والحصول على حقوقهم ، الا ان النتيجة كانت صادمة ويأس هؤلاء لأن مرتكبى العنصرية لم يوجه لهم اى لوم او عقاب على افعالهم ، حتى ان احد المشاركين فى عمل الدراسة من الهولنديين وصف حوادث العُنصرية بانها مقززة .
المثير للدهشة ان ممثلى الحكومة الهولندية لهم ايضا شكواهم من ضيق ذات اليد " وفقا لتعبيراتهم " فى تأكيد على ان التشريعات والمواد القانونية لا تحقق العدالة فى سوق العمل ، ولا تمنع العنصرية ، ولا تخفى الحكومة هذا الأمر ، ويعلن بعض المتخصصين عن رغبتهم فى توسيع صلاحيات التفتيش على ارض الواقع فى أماكن العمل .
القوانين الهولندية عادلة . . مؤسسات مُكافحة العُنصرية تملك مبادئ ومواثيق انسانية . . الحكومة الهولندية تعلن صراحة رفضها شتى انواع العنصرية . . الا ان واقع حياة كثير من الأجانب فى المجتمع وسوق العمل مرير للغاية ، حيث المعاناة لمن يعمل نتيجة العنصرية واجهاض الحقوق ، اما من يعمل من الأجانب فهو يمارس الأعمال المتدنية فى سوق العمل ، ومن لا يعمل فهو ضحية اخرى للبطالة ، وطريد مؤسسات التأمين الاجتماعى التى تلزمه بالبحث عن عمل لا يجده .