رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ايجابيات وسلبيات خسارة "العدالة والتنمية" في تركيا

بوابة الوفد الإلكترونية

إيجابيات وسلبيات شتى ينطوى عليها ذلك التراجع الصادم الذى منى به حزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بتراجع نسبة أصواته من 49،9 % أى بواقع 327 مقعدا فى الانتخابات السابقة التى أجريت عام 2011 ،إلى نحو 41% هذه المرة أي بواقع 258 مقعداً من أصل 550 هى إجمالى تعداد مقاعد البرلمان التركى، ليخسر بذلك الأغلبية المطلقة التي يتمتع بها منذ 13 عاماً ،ما يفرض عليه ،عند إعداد التشكيل الجديد للحكومة بعد إعلان نتائج الانتخابات رسمياً ، التحالف مع إحدى القوى الحزبية البرلمانية المعارضة وتقاسم الحقائب الوزارية معها.

أما الإيجابيات،فيتمثل أبرزها فى إنقاذ التجربة الديمقراطية التركية،التى ما برحت تسعى لترسيخ دعائمها، من انتكاسة جديدة محققة، كانت ستعصف بها إذا ما نجح حزب العدالة فى انتزاع أغلبية برلمانية كاسحة بواقع 367 مقعدا بما يخوله تشكيل الحكومة منفردا للمرة الرابعة على التوالى ،فضلا عن تمرير دستور جديد أو تعديلات دستورية تتيح للرئيس رجب طيب أردوغان تغيير نظام الحكم من برلمانى إلى رئاسى على نحو يطلق يده فى الحكم ويمكنه من احتكار صلاحيات وسلطات واسعة تجعل منه ديكتاتورا يحكم قبضته على جميع مفاصل السلطة فى البلاد بلا منازع، ومن ثم تبديد إنجازاته السابقة التى حققها على مختلف الصعد خلال السنوات الثلاث عشرة المنقضية، مزهوا بتنفيذ مشروعه الخاص بتدشين "تركيا الجديدة"، الذي كان ينتوى الانتهاء منه عام 2023.

وبكلمات أخرى،يمكن القول إن نتائج تلك الانتخابات من شأنها أن تكبح جماح الشطط الذى ألم بسياسات أردوغان وحزب العدالة على الصعيدين الداخلى والخارجى خلال السنوات القليلة الفائتة.

وبالتوازى، حملت نتائج الانتخابات إشارات لاستعداد التجربة الديمقراطية التركية لتجديد ذاتها من خلال عملية حراك سياسى جنينية لكنها موحية،حيث عمد الناخبون إلى العمل من أجل إنهاء حالة القطبية الحزبية والسياسية الأحادية ، التى تطبق على الحياة السياسية التركية ممثلة فى هيمنة حزب العدالة والتنميةعلى السلطة منفردا منذ العام 2002، إذ جاء رهانهم على الأحزاب الصغيرة بدلا عن الأحزاب الكبرى.

فإلى جانب تراجع رصيد حزب العدالة والتنمية من 327 إلى 258 مقعدا ،تراجعت حظوظ المعارضة الكمالية، ممثلة بحزب الشعب الجمهوري، الذي لم يتخط نسبة الـ 25 %من الأصوات، من 138 مقعداً في 2011 إلى 132 مقعدا هذه المرة،وقد آل هذا النزيف من المقاعد إلى حزبى الشعوب الديمقراطى والحركة القومية،حيث قفزت حصيلة الأخيرإلى 80 نائباً في مقابل 50 فقط عام 2011، كما نجح الأول فى تجاوز العتبة الانتخابية ورفع مقاعده من 29 إلى 80 مقعدا،وهو ما يعتبر تقدماً ملفتاً لليمين التركي المتطرف.

كما بلغت نسبة المشاركة التصويتية في الانتخابات نحو 85 % في الداخل التركى، ونحو 30 % فى الخارج ورحبت القوى السياسية كافة بنتائجها معلنة احترامها لها من دون تشكيك فيها أو فى مجريات العملية الانتخابية برمتها، وهو ما فتح الباب الباب أمام الأحزاب التى تمثل الأقليات كحزب الشعوب الديمقراطي الكردى لتجاوز أطره الإثنية الضيقة والانخراط فى العملية السياسية الديمقراطية برداء وطنى، بعدما اضطر إلى "تتريك" خطابه ومشاريعه الانتخابية، وضم إلى صفوفه مرشحين يساريين من خارج الأطر الكردية إضافىة إلى فئات مهمشة من أرمن ومثليين جنسيين وإسلاميين وأشوريين وسريان وشيوعيين، حتى أن ناخبين موالين لأحزاب أخرى أبرزها حزب الشعب الجمهورى آثروا منح أصواتهم هذه المرة للحزب الكردى بغية مساعدته على تجاوز العتبة الانتخابية نكاية فى حزب العدالة والتنمية وخصما من رصيده.

ومن ثم، تمكن الحزب الشعوب الديمقراطي من تخطى حاجز العتبة الانتخابية (10%) بعدما اقتنص 13.2%من الأصوات، ليكون الحزب الرابع في البرلمان التركي للمرة الأولى ممثلاً بـ 80 نائباً،بعد أن

كان لديه 29 مقعدا فقط في البرلمان المنتهية ولايته،كانت كوادره قد تحصلت عليها عبر الترشح كمستقلين للالتفاف على العتبة الانتخابية.

أما السلبيات،فتجلى أهمها فى تعقيد المشهد السياسي التركى والعودة به إلى حقبة الحكومات الائتلافية غير المتناغمة وغير المستقرة،والتى لا تلقى ترحيبا من قبل غالبية الأتراك بسبب خبراتهم المريرة معها طيلة عقود سبقت العام 2002، إذ يرون أنها تفتقد للقدرة على الاستقرار والاستمرار،وذلك بعكس الحكومات المنفردة التى تشكلت فى عهود عدنان مندريس والحزب الديمقراطى فى خمسينيات القرن الماضى، ثم تورجوت أوزال وحزب الوطن الأم فى تسعينيات ذات القرن، وصولا أردوغان وحزب العدالة والتنمية طيلة السنوات الثلاث عشرة الأخيرة.

فمن شأن إخفاق حزب العدالة فى تحصيل الأغلبية المطلقة (50%+1 بواقع 276 مقعدا) التى تتيح له تشكيل الحكومة منفردا كعادته ،أن يطرح السؤال الصعب حول من سيشكل الحكومة الجديدة وكيف؟ لاسيما بعدما أعلنت الأحزاب الممثلة فى البرلمان الجديد رفضها الدخول فى ائتلاف حكومى مع حزب العدالة والتنمية،كما تشكل الخلافات الجوهرية بين حزب العدالة التنمية والأحزاب الثلاثة بشأن قضايا استراتيجية محورية تتصل بالسياستين الداخلية والخارجية لتركيا تحديا أمام تلاقى الاحزاب الأربعة فى حكومة ائتلافية.

وانطلاقا مما ذكر آنفا،يلوح فى الأفق احتمال دعوة الرئيس التركى إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة بموجب حق تخوله إياه المادة 116 من الدستور،خصوصا إذا ما حال استمرار أجواء الانسداد السياسي دون تشكيل حكومة ائتلافية فى غضون 45 يوما من تاريخ الإعلان الرسمى لنتائج الانتخابات. هذا فى الوقت الذى تتراجع فيه احتمالات قبول أحزاب المعارضة البرلمانية تشكيل حزب العدالة والتنمية حكومة أقلية مؤقتة،فيما سيستعصى على تلك الأحزاب تشكيل حكومة ائتلافية متماسكة وناجعة من دونه.

وهنالك ،يبقى السؤال عما إذا كان بمقدورالانتخابات المبكرة المحتملة حل المعضلة السياسية المترتبة على التراجع الانتخابى لحزب العدالة من عدمه،خصوصا إذا ما أجريت فى ذات الظروف التى تمت فى ظلها الانتخابات الحالية،علاوة على مخاوف الأحزاب الأربعة الممثلة فى البرلمان الجديد من نتائج تلك الانتخابات المبكرة.وها هنا برأسها تطل المخاوف من أن تفضى حالة الارتباك السياسي الناجمة عن فشل حزب العدالة فى تشكيل الحكومة منفردا هذه المرة وعودة البلاد إلى عهود الحكومات الائتلافية غير المستقرة، إلى انبعاث الدور السياسى التدخلى للجيش التركى مجددا بذريعة حماية البلاد من السقوط فى براثن الفوضى أو المكايدات السياسية، خصوصا مع اشتداد وطأة الاضطرابات التى تلقى بظلالها على المنطقة منذ سنوات.