رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

هل تطيح انقسامات العدالة والتنمية بعرش أردوغان

رجب طيب أردوغان
رجب طيب أردوغان

مع قرب موعد الانتخابات فى تركيا انفجرت أزمة جديدة سلطت وكالات الأنباء العالمية الضوء عليها بعد أن أعربت ثلاث مجموعات داخل حزب العدالة والتنمية، عن عدم ارتياحها من موقف حكومتهم برئاسة رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان، وتتكون الأولى من نواب يخشون الفوضى داخل الدولة على إثر ما سموه بـ"الانقلاب المدني"، والثانية نواب موالين للداعية الإسلامى فتح الله جولن، والثالثة مستاءة من شرط ثلاث دورات برلمانية وفقا للائحة الداخلية للحزب الحاكم.


وذكرت صحيفة آيدنلك التركية، اليوم الخميس، أن مصادر مقربة لحزب العدالة والتنمية أكدت أن أربعة نواب كتبوا استقالاتهم دون تسليمها لرئاسة البرلمان بعد أن طلب منهم جولن بالتحلى بالصبر والانتظار فى الفترة الحالية، حيث يسعى جولن لجمع أكبر عدد ممكن من النواب لتقديم استقالات جماعية لهز الحزب الحاكم قبل الانتخابات المحلية المقرر لها فى مارس المقبل.

كما يسعى جولن لتشكيل حزب يمين وسط جديد للاتحاد مع الحزب الديمقراطى، وهناك عدة أسماء بارزة بحزب العدالة والتنمية تستعد لتولى رئاسة الحزب الديمقراطى بتركيبته الجديدة ومنها عبد الله جول، وجميل شيشك، وجوكسال طوبطان، ومحمد صاغلام، وهو ما يعنى وجود احتمالات قوية على انقسام الحزب الحاكم بعد مرور 11 عاما على تأسيسه.

كيمياء حزب العدالة والتنمية تتغير

 وتشير وكالة آسيا للأنباء فى نوفمبر الماضى إلى أنه مع التقاذف العلنى بين أردوغان ومساعده الأول يظهر أن كيمياء حزب العدالة والتنمية الحاكم تتغير، فلم يعد هو نفسه ذلك الحزب المنضبط، وذو التقاليد الصارمة، بل باتت الخلافات فيه علنية توشك على إيقاعه فى مآزق سببها الأساسى شعور الثقة الزائدة بالنفس الناجم عن السلطة.

 وبالنسبة لكثير من المراقبين فإن الأزمة الأخيرة هى من أكبر الأزمات الداخلية التى واجهت الحزب الحاكم منذ تأسيسه.

بولنت ينتقد سياسة أردوغان

وكان "بولنت أرنتش" معاون رئيس الوزراء "رجب طيب أردوغان" قد انتفض بشكل مفاجئ على "أردوغان"، منتقداً تصريحاته بخصوص السكن المختلط للطلاب والطالبات فى نفس المنزل؛ فالأخير كان قد أثار، مع قرب الانتخابات وشعوره بالحاجة لاستثارة أصوات المواطنين الملتزمين دينياً، مسألة وجود بعض بيوت الطلبة التى يقيم فيها الطلاب بشكل مختلط جنباً إلى جنب، مصدراً تعليمات باعتبارها إخلالاً بالآداب العامة، ووضعها تحت إشراف شرطة الأخلاق. ورد عليه "أرنتش" فى برنامج على قناة "تى أر تي" الرسمية، معتبراً أن لا مجال للحكومة لفعل شيء إذا كان مؤجر المنزل قابلاً بالوضع، وخاصة أن الزنا لم يعد جرماً وفق القانون التركي، وليس فى قانون العقوبات عقوبة عليه.

وكانت بداية التناقض فى أن "أرنتش" نفى وجود مشروع لمنع السكن المختلط للطلاب، فعاد وأكد معاون آخر لـ"أردوغان" وجود المشروع، ثم صادق "أردوغان" على كلام الثاني، مناقضاً كلام الأول.

وتشير وكالة آسيا إلى أن  "أرنتش" شدد على أنه ليس مجرد وزير عادى وأن له ما سماه "ثقله الخاص" فى الحكومة، والتى تميزه عن الآخرين، فى إشارة إلى وزراء معينين مقربين من "أردوغان"، مؤكداً أن كثيراً من أعضاء الحزب يعتبرون أن خروجه من صفوفهم سيضر كثيراً بحزبهم.

وهاجم "أرنتش" بعض زملائه فى الحزب دون أن يسميهم، رافضاً أن يؤدى التناقض، الذى حصل على خلفية قضية سكن الطلبة، بينه وبين "أردوغان" إلى تحويله إلى "كيس رمل" على حد تعبيره.

أسباب خروج خلافات العدالة والتنمية للعلن

ويبدو أن من النقاط الهامة التى استوجبت خروج الخلافات إلى العلن هى المادة فى النظام الداخلى لحزب العدالة، التى تمنع ترشيح الشخص لأكثر من ثلاث دورات متوالية للانتخابات العامة. وهكذا لا يتبقى أمامه إلا شغل منصب محافظ، أو خوض غمار الانتخابات المحلية لبلدة ما. وهو ما رفضه "أرنتش"، كاشفاً بأسى أن "أردوغان" لم يتحدث معه حول الأمر، ولذا فقد طلب إليه على الهواء مباشرة عدم تكليفه بأى منصب بعد الآن.

ويعد "أرنتش" من أهم مؤسسى حزب العدالة والتنمية، ورابع أربعة من القادة الأوائل؛ هم "رجب طيب أردوغان"، و"عبد الله غول"، و"بولنت أرنتش"، و"عبد اللطيف شنر" الذى انشق عن الحزب منذ فترة، مؤسساً حزباً خاصاً ليس على مستوى عال من النجاح. وبسرعة أزال الموقع الرسمى لحزب العدالة أسماء "غول" و"أرنتش" و"شنر" من قائمة المؤسسين.

وكان "أرنتش" إلى جانب "أردوغان" منذ أيام حزب الرفاه بقيادة الراحل "نجم الدين أربكان"، ومن ثم حزب الفضيلة الذى أسس بعد أن حل الجيش حزب الرفاه. وفى حزب الفضيلة كان معه فى تيار "المجددين" الذى أطلق بمواجهة تيار "أربكان"، الذى أطلق

عليه آنذاك اسم "الشائبين". ولم يلبث تيار المجددين أن استقل ليؤسس حزب العدالة والتنمية، الذى فاز بانتخابات عام ٢٠٠٢، وفى أول حكومة له استلم "أرنتش" منصب رئاسة البرلمان، فى حين استلم "جول" رئاسة مجلس الوزراء مؤقتاً ريثما يزال حظر ممارسة السياسة عن "أردوغان".

بالنسبة لكثير من المراقبين يعتبر الحلم الرئاسى لـ"أردوغان" هو نقطة البداية لتغير كيمياء حزب العدالة والتنمية، فقبل ذلك كان عبارة عن مجموعة منغلقة تسود فيه علاقات شبه تقوية، تتسم بالسرية البالغة والتقاليد الصارمة وبروابط وثيقة شكلتها ظروف السجن والمعاناة من النظام العسكري. أما الآن فقد أصبح حزباً ومشروعاً شخصياً لأمينه العام الذى طرح قضية تغيير الدستور وتعديل النظام السياسى للبلاد إلى نظام رئاسى تماشياً مع أحلامه الشخصية، وذلك دونما طرح المسألة للنقاش الداخلى فى الحزب. فأحس العديد من الأعضاء بأن "أردوغان" بدأ ينظر إليهم كتحصيل حاصل، وانه لم يعد يتنازل لهم ليسألهم عن رأيهم، وأحس الرعيل الأول المؤسس للحزب بشكل خاص بالأسى من هذه المعاملة.

وخلقت تصرفات "أردوغان" شقاً بين الرعيل الأول، وعلى رأسه "أرنتش"، وبين الجيل الثانى الذى يشعر أركانه أنهم مدينون لـ"أردوغان" بصفة شخصية بما وصلوا إليه، ولذا فإنهم على استعداد كبير لتعظيمه وتبجيله والموافقة على كل طروحاته وتنفيذها دون قيد. أما الجيل الأول فلا يشعر أنه مدين لـ"أردوغان"، بل على العكس من ذلك إنه يشعر بأن له دوراً من خلال نضاله السابق فى أيام المعاناة فى إيصال "أردوغان" لما وصل إليه، ولذا فإنه أقل استعداداً للقبول بكل طرحات الأخير، ويبدى استقلالية أكبر فى اتخاذ القرار.

قضية تحويل تركيا لنظام رئاسى

وقد أدت قضية تحويل تركيا إلى نظام رئاسى إلى نشوء محور "غول" – "أرنتش"، وإلى نشوب خلافات علنية عبرت عن نفسها فى عدة مناسبات، منها قضية النظرة إلى مظاهرات ميدان "تقسيم"، وقمع الحريات الإعلامية، وبعض المحاكمات التى شغلت الرأى العام، وصولاً إلى مسألة سكن الطلاب.

وقالت مصادر إعلامية أن نائباً شاباً من حزب العدالة والتنمية، هو "بكر بوزداغ"، سيخلف "أرنتش" فى موقع المتحدث باسم الحكومة، وذلك خلال مجلس الحزب القادم. وهو ما يعتبر ضربة إضافية لـ"أرنتش" وجيله الذين لا يعتبرون "بوزداغ" صنواً له.

العدالة والتنمية بين الماضى والحاضر

إن من يقارن حزب العدالة الحالى بحزب العدالة الماضى يدرك وجود فوارق شاسعة، حيث بات حالياً حزب الرجل الواحد، الذى يغيره ويقلبه كيفما يشاء وتهوى نفسه.

وسيكون السؤال الذى سيطرح فى المرحلة المقبلة هو من له الحظوة الأكبر لدى القاعدة الشعبية للحزب؛ "أردوغان" الزعيم الأوحد، أم "أرنتش" و"جول" الذان يقدمان نفسيهما كمصححين للمسيرة، أم أن الشعب سينفض عن كليهما معاً؟

وينتظر الشعب التركى والعالم ماستكشف عنه هذه الخلافات ومدى تأثيرها على حزب العدالة والتنمية خلال الفترة المقبلة خاصة بعد قرب انطلاق فعاليات الانتخابات البرلمانية التركية، وهل هذه الانتخابات إحدى الألاعيب للعدالة والتنمية  أم هى موجودة فعليا على أرض الواقع وتنذر بهز عرش أردوغان.