رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صفقة القرن النووية

بوابة الوفد الإلكترونية

قبل أن يلملم أوراقه ويرحل، شهد عام 2013 الذي ازدحم بالأحداث الدولية (صفقة القرن)، والمتمثلة في اتفاق إيران الدولي حول ملفها النووي بعد سنوات طويلة من المفاوضات والتهديدات العسكرية بين طهران من جانب وواشنطن وتل أبيب من ناحية أخري.

ويقدم الاتفاق فرصة كبيرة لتغيير التحالفات التي هيمنت علي السياسة في منطقة الشرق الأوسط، ويعيد رسم خريطة المنطقة بعد صراع شهدته لأجيال عديدة، إلا أن ذلك يمكن أن يتغير إذا لم يتحول هذا الاتفاق إلي اتفاق دائم، أو إذا تمكن المتشددون الإيرانيون من تقويضه مع رضوخ إدارة أوباما لمعارضة إسرائيل، غير أن الدلائل الحالية تشير إلي التزام الجانبين بما توصلوا إليه.

انتصار روسيا.. وهزيمة أمريكا


نهاية طيبة لعام 2013 الذى ازدحم بالاحداث الدولية السيئة الجسيمة، هكذا يعتبر البعض اتفاق إيران الدولى حول ملفها بعد سنوات طويلة من المفاوضات والتهديدات العسكرية المتبادلة بين طهران من جانب وواشنطن وتل ابيب من جانب آخر، ويرى هؤلاء الخبراء ان الاتفاق انتصار جديد لروسيا، بعد انتصارها إلى حققته فى ملف سوريا بمنع الضربة العسكرية الامريكية ضدها، وان روسيا بهذا الاتفاق نزعت فتيل ازمة خطيرة فى الشرق الاوسط كانت تهدد بحرب شاملة فى منطقة الشرق الاوسط، وحققت روسيا بذلك تكريسا جديدا لنفوذها السياسى والدولى فى العالم امام أمريكا، ولكن مع هذا تثور أيضا الأسئلة، هل ستقبل اسرائيل هذا الاتفاق، وهكذا ستدعه يمر وينفذ فى سلام، وهى التى تعتبر إيران اكبر قوة تهدد امنها ووجودها فى العالم..؟
انه سؤال تطرحه المؤسسات السياسية وأيضا المعاهد الاستراتيجية الأمريكية، فمن سيقود من بعد هذا الاتفاق الإيرانى الدولى، هل «أوباما» هو الذى سيجر عربة التغيير فى حصان السياسة الدولية أم أن التغيير هو الذى سيقود الرئيس الأمريكى «أوباما»؟ فمما لا شك فيه ان الاتفاق بين إيران ودول مجموعة 5+1 سيكون فى حال تنفيذه مدخلا لإعادة رسم التحالفات السياسية في المنطقة، خصوصا وأنه جاء عقب التوافق الدولي على اتفاق تسليم الأسلحة الكيميائية السورية وما تلاه من توجه نحو تسوية سياسية للأزمة السورية، لكن الغموض يحيط بمستقبل سياسة أوباما، فكيف اتخذ «أوبما» خطوة التخلى عن ما عُرف بحُلفائه المُخلصين فى الشرق الأوسط (إسرائيل والسعودية) ويستبدلهم بحلفاء آخرين كانوا إلى وقت ليس بالبعيد فى عداد الأعداء إلى حد وصفهم بـ محور الشر، ويبدأ بإقامة علاقات سياسية جديدة مع دولة مثل إيران، خاصة وان إسرائيل لم تهدأ منذ إعلان الاتفاق وتحاول إشعال نيران جديدة فى المنطقة مستغلة الاتفاق، من خلال ما يروجه المقربون من رئيس وزرائها نتينياهو الذين يؤكدون أن العالم السنّي في حالة من الهوس والهياج، بينما العالم الشيعي يرقص فرحا مهللاً غير مُصدّق لما حدث .
وترى إسرائيل ان قوة ووجود واشنطن في المنطقة قد تراجع نحو القاع بهذا الاتفاق ولن تخرج منه خلال هذا القرن، وان حكومة تل أبيب خاب ظنها فى أوباما، ويعتبر نتنياهو الاتفاق الأمريكي – الإيراني بـ«صفقة القرن»، وانه «اتفاق سيئ» و«خطأ تاريخي» كبير، بينما اعتبرته السياسة السعودية «خيانة» ولم تخف قلقها بوضوح نحو نتائج هذا التقارب، الذى تراه بمثابة «الانقلاب» السياسى الأمريكى على حساب مصالحها، إلى حد ان بعض المسئولين في الرياض قال: إن «الصفقة كانت بمثابة طعنة خنجر في ظهر السعودية من قبل الرئيس الأمريكى «أوباما».
أما إدارة البيت الأبيض الأمريكية فتقول إن المصلحة الدولية فرضت عليها تحسين العلاقات مع طهران، حيث يرى المطبخ السياسى الأمريكى ان إيران تعتبر أخطر مفاتيح السلام والحرب في منطقة الشرق الأوسط وجانب كبير من المنطقة الآسيوية، وبدون طهران من الصعب التوصل لحلول عملية لكثير من المشكلات العميقة بداية من العراق ومرورا بـ لبنان وسوريا إلى أفغانستان ، وتؤكد أمريكا ان انفراج العلاقات الدبلوماسية مع طهران سينعكس إيجابياً على المنطقة العربية والعالم بأثره.
وأيا كان التصور الإسرائيلى أو التبرير الأمريكى، فانه من المؤكد أن روسيا قد كسبت نقطة دولية جديدة بهذا الاتفاق، وان إسرئيل لن تترك الاتفاق ينفذ فى سلام، لانها لا ترغب فى هدوء الأوضاع بالمنطقة، وترغب فى استمرار التصعيد وحشد قوتها العسكرية لمواجهة العدو المجهول، كما ان هذا التحول الكبير في السياسة الأمريكية سيقود إلى تحالفات اقليمية ودولية جديدة، حتى وان حاولت أمريكا منع تقدم نفوذ أي طرف على نفوذها في المنطقة، ولعل اتفاقها مع إيران يأتى أيضا لتحقيق ذلك، فأمريكا تدرك تماما ان إيران مؤخرا تحاول بسط نفوذها فى المنطقة،  وكان هذا يشكل تهديدا لنفوذها ووجودها، فكان من الأفضل لها على الأقل فى الوقت الراهن ان تتوافق مع طهران أفضل من مواصلة عدائها وتهديدها، خاصة وان صراعها مع إيران ليس صراعا وجوديا، فإيران تتبنى أقلية مذهبية لا تشكل خطرا حقيقا على أمريكا كما يشكله الخطر السنى الذى يمثله العالم الإسلامي بأغلبيته، خاصة وأن الخطر السنى تزايد بعد ثورات الربيع العربى، وإيران فى الواقع لا تملك أمام أمريكا إلا ان تسبب لها بعض الإزعاج من خلال تحريك الشيعة فى عدة دول يتواجد بها النفوذ الأمريكى على غرار أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، ومن هنا فإن الوصول إلى تسوية مع إيران قد يحقق مصلحة أمريكا ويسهم فى اعادة ترسيم المنطقة وتوزيع النفوذ الدولى بما يتوافق و يحفظ المصالح الغربية.
وأمريكا ترغب تدريجيا بهذا التصالح الإيرانى في ان تبعد عن اذهان العالم صورتها كشرطى العالم، خاصة بعد اخفاقها العسكرى فى أفغانستان والعراق، فهى تحاول تجنب الدخول فى مواجهات عسكرية، على الأقل فى السنوات القادمة، لأسباب عديدة تتعلق بأمريكا نفسها داخليا ومنها تداعيات الأزمة الاقتصادية كما ترغب أمريكا فى الاعتماد على دول المنطقة من أجل ترتيب أوراقها، وأهم هذه الدول بالنسبة لها الآن هى إيران وتركيا، خاصة بعد تراجع رهانها على دول الخليج، كما ان أمريكا اخرجت السعودية ومصر من حساباتها بعد ثورة 30 يونية ودعم السعودية ودول عربية للقاهرة، ولان أمريكا بدأت تفقد أوراقها حتى ولو بصورة مؤقتة فى الخليج العربى، فعليها دعمها وتحسين وجودها وعلاقتها مع إيران ، ومن المتوقع ان الاتفاق الإيراني الدولي سيعكس حتما استقرارا سياسيا وأمنيا على المنطقة ولو بصورة مؤقتة، كما سينعكس أيضا على الأوضاع في لبنان، وهو ما أكده عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب سيمون أبي رميا الذى قال أن «الاتفاق الإيراني الدولي في الملف النووي ستكون له تداعيات على المنطقة عموما وسيعكس حتما استقرارا سياسيا وأمنيا في لبنان»، حتى دول الخليج التى شعر بعضها ان الاتفاق طعنة فجائية من أمريكا ضدهم، ولو بصورة غير معلنة، أعلنوا اثناء اجتماع لهم فى الكويت عن «ارتياحهم» إزاء الاتفاق معربين عن أملهم ان يكون مقدمة للتوصل لحل شامل لهذا الملف».
محصلة الاتفاق تشير إلى ان أمريكا حاولت التهدئة وكسب نقاط سلام جديدة فى منطقة الشرق الاوسط، إلا أن روسيا كسبت بهذا الاتفاق نقطة جديدة لتقوية نفوذها بالمنطقة، وصارت كفتها الأرجح بعد نجاحها فى الملف السورى ونزع الاسلحة الكيمائية من نظام بشار، انها لعبة توازن دول تصعد حينا وتهبط حينا لصالح روسيا أو أمريكا، إلا إسرائيل لن تقبل بالبقاء خارج اللعبة، خاصة وهى تظهر للعالم ان غطاء الحماية الأمريكى قد انزاح قليلا باتفاقها مع إيران، لذلك ستواصل اسرائيل إثارة المشكلات بهذا الشأن والترويج لان إيران تسعى إلى صنع القنبلة الذرية، ولن تصمت حتى تعيد الاوضاع إلى المربع صفر، او تحقق بعض المصالح السرية من ابتزازها السياسى لأمريكا بموجب هذا الاتفاق .

ورطة إسرائيلية.. وأزمة أوروبية

أدت سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجاه اتفاقية جنيف، التي جرى التوقيع عليها بداية الأسبوع الماضي بين مجموعة الدول (5+1) والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى وضع تل ابيب فى ازمات جديدة منها ازمة تصدير الأسلحة الاسرائيلية إلى الخارج وتأجيج الخلاف بين تل ابيب ودول الاتحاد الأوروبى. وعبر مسئولون كبار في الصناعات العسكرية الإسرائيلية عن عدم رضاهم عن سياسة نتنياهو وفقا لما نشره موقع «WALLA» الاخبارى الاسرائيلى فقد أكد كبار المسئولين في الصناعات العسكرية الإسرائيلية، في جلسات مغلقة، أن العالم أصبح يبتعد شيئا فشيئا عن الدولة العبرية، بسبب هذا الموقف، الأمر الذي سيُلحق أضرارا بالغة جدا بإبرام صفقات السلاح الإسرائيلية، علاوة على أن تصرف نتنياهو، بحسب المسؤولين أنفسهم، يُهدد صفقات سلاح كبيرة معدة للتنفيذ.
وأكد أحد هؤلاء المسئولين للموقع أن رئيس الوزراء نتنياهو يخطئ في موقفه الحالي المتمثل بالتركيز على الخطر الإيراني الذي يتهدد إسرائيل، بحيث يظهر موقفه بأنه لا يوجد أخطار أخرى تهدد الدولة العبرية سوى هذا الخطر، لافتين في السياق ذاته، إلى أن نتنياهو نسي أن تهديدات صواريخ حزب الله، وكذلك صواريخ حماس ما زالت قائمة وتؤثر على إسرائيل سلبا، على حد تعبيرهم.
وأضاف الموقع العبري: «إن تقديرات وزارة الأمن والصناعات العسكرية الإسرائيلية أشارت إلى أن العام القادم سيكون عاما صعبا على هذه الصناعات، ومن المتوقع أن تشهد تراجعا كبيرا على صعيد صفقات السلاح والتسويق، ما قد يتسبب بوقف بعض الصناعات وتسريح العمال» مشددة على أن موقف رئيس الوزراء نتنياهو ضد اتفاقية جنيف مع إيران سوف يساهم في زيادة هذه الأزمة في الصناعات العسكرية الإسرائيلية.
ونوهت المصادر إلى أن سياسة نتنياهو ضد عددٍ من الدول الأوروبية ستؤدي إلى إلحاق الأضرار بالصناعات العسكرية في الدولة العبرية، ذلك لأن تل أبيب تقوم أيضا ببيع الأسلحة إلى هذه الدول. ونقل الموقع عن مسئول إسرائيلي رفيع المستوى في الصناعات العسكرية الإسرائيلية قوله إنه في هذه الفترة بالذات بدأ الإسرائيليون يشعرون ببرودة العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي في هذا المجال.
وعبر المسئول نفسه عن خشيته الشديدة من أن يتسع الخلاف بين تل أبيب ودول الاتحاد الأوروبي بشكل كبير بسبب سياسات نتنياهو في ما يتعلق بالاتفاق مع إيران، خصوصا أن دول الاتحاد الأوروبي ستقوم في الفترة القريبة القادمة بنشر مناقصات لشراء الأسلحة، وإسرائيل ستكون من بين الدول المتنافسة على الفوز بهذه المناقصات، التي ستُدخل إلى خزينة الدولة العبرية مئات الملايين من الدولارات، علما أن الاقتصاد الإسرائيلي يُعاني أزمة اقتصادية خانقة ومُزمنة.
وقالت المصادر أيضا إن التوقعات تؤكد أن العام 2014 سيكون عاما صعبا للغاية بالنسبة لتصدير الأسلحة الإسرائيلية، ومن غير المستبعد بتاتا، بحسب المصادر، أن يؤدي الوضع إلى تراجع حادٍ جدا في بيع الأسلحة، علما أن الدولة العبرية تتبوأ المكان الرابع عالميا في بيع الأسلحة، ويُعتبر هذا المجال من أهم المجالات التي تُسعف خزينة إسرائيل، والنتيجة المباشرة لتراجع بيع الأسلحة، ستكون هبوط المبالغ التي تحصل عليها الصناعات العسكرية الإسرائيلية من صفقات الأسلحة، بالإضافة إلى إقالة العديد من العمال في هذه الصناعات.
ونقل الموقع عن مسئول كبير جدا في الصناعات العسكرية الإسرائيلية قوله إن انسحاب الجيش الأمريكي من العراق، وبداية تقليل القوات في أفغانستان، بدأت تُلقي بظلالها السلبية على بيع الأسلحة الإسرائيلية، إذ انخفض وبشكل كبير عدد الصفقات التي كانت تُبرم عن ذي قبل، على حد قوله. ولفت المسئول عينه إلى أن إسرائيل مُقبلة على فترة صعبة بسبب عدم النمو الاقتصادي في العالم، والمحاولات العديدة من الدول لتقليص الجيوش، وكشف النقاب عن أن الاتحاد الأوروبي خصص مليارات الدولارات لتطوير وإنتاج الطائرات بدون طيار، وكان من المقرر أن تكون إسرائيل شريكة فيه، ولكن المصادر الإسرائيلية أكدت للموقع أنه بسبب تصرفات نتنياهو وانتقاداته اللاذعة لاتفاق جنيف، فإن مشاركة إسرائيل في هذا المشروع باتت في مهب الريح، مؤكدا أنه إذا تم إخراج الدولة العبرية من هذا المشروع، فإن

الصناعات العسكرية الإسرائيلية ستتلقى ضربة قاضية، على حد تعبيرها. ومن جانبه قال العميد المتقاعد مايكل هيرتسوج، الرئيس السابق للتخطيط الاستراتيجي في جيش الدفاع الإسرائيلي إن إسرائيل تريد من حلفائها من الولايات المتحدة وأوروبا التمسك بأهداف واضحة تتمثل في فرض عقوبات دائمة وتوضيح عواقب عدم الامتثال للاتفاق المؤقت أو تجنب صفقة شاملة معقولة.
ويرى هيرتسوج أن إسرائيل لديها القدرة على القيام بدور نشط موضحا أن المواجهة بعقوبات إضافية محتملة وخيار عسكري جاد فإن إيران أكثر عرضة لتقديم تنازلات دون الحاجة للقيام بعمل عسكري. وقال هيرتسوج إن إسرائيل لديها دور نشط لأنها يمكن أن تشجع عقوبات إضافية في الكونجرس الأمريكي مشروطة بسلوك إيران كما توضح أن الخيار العسكري الخاص بها مطروح على الطاولة.
وكشفت صحيفة (صنداي تايمز) البريطانية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجه تعليمات للمخابرات الإسرائيلية بالبحث عن دليل يشير إلى انتهاك إيران للاتفاق النووي المؤقت الذي توصلت إيران له مع القوى العالمية في جنيف الأسبوع الماضي.
ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إن المخابرات الإسرائيلية تركز جهودها على ثلاثة مجالات للبرنامج النووي الإيراني، وهي الصواريخ الباليستية وتصنيع القنابل والبحث عن مواقع سرية لتخصيب اليورانيوم، مضيفة أن إيران لن تستثمر ثروة، تقدر بـ 200 مليار دولار، لكي لا تستطيع في نهاية المطاف أن تنتج أسلحة نووية تحولها إلى قوة إقليمية عظمى. ولفتت الصحيفة إلى أنه في حالة ظهور أية أدلة من هذا القبيل، فسيؤدي ذلك إلى تعقيد التحدي السياسي الذي يواجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في محاولته لإقناع مجلس النواب بعدم زيادة العقوبات على إيران عندما يستأنف أعماله عقب عطلة عيد الشكر.

خلط أوراق المنطقة

يقدم الاتفاق الذي وقعته إيران مؤخرا مع الدول الكبرى حول برنامجها النووي فرصة كبيرة لتغيير في التحالفات والمنافسات التي هيمنت على السياسة في منطقة الشرق الأوسط، ويعيد رسم خريطة المنطقة بعد صراع شهدته المنطقة لأجيال عديدة.
فالدبلوماسية التي أدت إلي التوصل إلى هذا الاتفاق المؤقت تمثل أول إشارة ايجابية عن أن الرئيس الإيراني حسن روحاني قد رأى فائدة من إجراء محادثات لحل المشكلات العالقة في المنطقة بدلا من إطلاق تصريحات غاضبة كما حدث في عهد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد. قناعة روحاني بذلك ستجعل الدولة الإيرانية تعيد التفكير بشكل مختلف في إدارة ملفاتها الدولية، وعلى رأس ذلك الصراع السوري الذي هو في الأساس حرب بالوكالة بامتياز بين إيران الشيعية والسعودية السنية.
الكثير من المصادر أوضحت أنه «من تداعيات الاتفاق الإيراني مع الدول الكبرى هو إعادة تشكيل العلاقة بين أمريكا والسنة في السعودية ودول الخليج، فالرياض لا تخشى فقط من تأثير إيران - التي تشارك بشكل متزايد في تأجيج الصراع الطائفي في سورية - بل هي غاضبة من «خيانة» واشنطن لها».
ونشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية منذ أيام تحليلا كتبه البروفيسور محمد أيوب أستاذ في العلاقات الدولية بجامعة ميتشيجان، يقول فيه إن هناك احتمالا بأن تحمل الصفقة معها خضما من التغييرات في العلاقة مع الولايات المتحدة يمكنها أن تطلق القدرات الدبلوماسية الإيرانية التي يمكن استخدامها لمتابعة أهدافها الإقليمية الأوسع. وهذا هو السبب الذي يدعو السعودية وحلفاءها الخليجيين للوقوف بقوة ضد الاتفاق. وإذا استمرت الأمور في السير على طريق التفاهم الإيراني الأمريكي في إطار الرأي العام الأمريكي الذي أرهقته الحرب، فإن الرياض لن تتمكن من الاعتماد تلقائيا على الدعم الدبلوماسي والعسكري الأمريكي ضد إيران في تنافسها على السلطة والنفوذ في الخليج.
وبالتالي فمن المحتمل أن يكون للتفاهم الحديث العهد بين إيران والولايات المتحدة نتائج واسعة بالنسبة إلى الصراع السوري. إذ إن من المحتمل إقناع إيران بأن تخفف بشكل أو بآخر من دعمها لنظام الأسد. والاحتمال الأكبر هو أنها قد تؤدي إلى تليين ملحوظ في موقف الولايات المتحدة في ما يتعلق بمسألة الإطاحة بالرئيس بشار الأسد كشرط مسبق لحل سياسي للازمة السورية. بالإضافة إلى ذلك فإن السعودية ستكون مضطرة للدخول في مفاوضات حقيقية وجادة لتقديم تنازلات محددة، لا غالب فيها ولا مغلوب، تحافظ بها طهران على مصالحها وتجني منه الرياض بعض المكاسب المرضية، وبما يحقق للمجتمع الدولي عدم سقوط الدولة السورية في يد متطرفين جهاديين. وقد يكون مؤتمر جنيف 2 الذي يعقد في يناير المقبل بداية لحلحلة موقفي الطرفين إزاء الصراع.
ويبدو أن واشنطن تتحرك بالفعل في هذا الاتجاه نتيجة عوامل عدة – أهمها الدور الكبير للجهاديين في المعارضة العسكرية للأسد، وموقفه اللين من مسألة السلاح الكيميائي. ومن المحتمل أن تدفع احتمالات تحسين العلاقات مع إيران بواشنطن للسير لمسافة ابعد في هذا السبيل، وهو ما سيؤدي إلى تصدع التحالف الدولي ضد الأسد وتقلص احتمالات تغيير حقيقي للنظام في دمشق.
وبالتالي سيؤدي الدخول في مفاوضات تستهدف تسوية الصراع السوري بين السعودية وإيران، إلى ثبات الأوضاع على حالها في العراق، الذي يمثل التطاحن فيه بين السنة والشيعة جبهة للصراع على النفوذ بين البلدين. ذلك أن المنافسة على النفوذ كانت تهدد فرص بقاء حكومة نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، المدعوم إيرانيا، في السلطة. وبالتالي سيقلص التفاهم الإيراني الأمريكي من السخونة السياسية في العراق ويحسن فرص المالكي في البقاء في السلطة، وبذلك يلتزم بدور إيران كلاعب خارجي أساسي في العراق لعدة سنوات مقبلة على الأقل، إن لم يكن بصورة دائمة.
وستسمح احتمالات تخفيف الضغط الأمريكي على إيران لطهران بالتصرف بمزيد من الجرأة في أفغانستان دعماً لحلفائها. ومن الجدير بالذكر أن الرئيس الأفغاني كرزاي كُرِسَ رئيساً في مؤتمر بون في نوفمبر 2011 نتيجةً لاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران عمل على ترتيبه إلى حد كبير محمد جواد ظريف، الذي كان آنذاك كبير المفاوضين الإيرانيين والذي هو الآن وزير الخارجية والمهندس الرئيسي للاتفاق النووي. ولا يمكن استبعاد ترتيب مماثل الآن. مما يزيد من نفوذ إيران في هذا البلد السني، والذي كان يفترض بالسعودية أن تكون اللاعب الأول فيه.
وبناء على ذلك، فإن الاتفاق المؤقت يمكن أن يعيد خلق البيئة الايجابية التي كانت سائدة في بون في 2011 وأن يؤدي إلى نتيجة من شأنها أن تسمح للولايات المتحدة بخروج مشرف من أفغانستان بينما يضع إيران في موقع وسيط السلطة في البلاد على حساب المحور السعودي-الباكستاني إلى حد كبير.
ومع خسارة السعودية لكل هذه الأوراق، قد تضطر الرياض للعب على المكشوف من خلال تهديد المصالح الأمريكية في مناطق نفوذها، والذي بدأ بالفعل في مصر من خلال دعم سياسي ومالي كبيرين لثورة 30 يونيو التي أطاحت بحلفائهم الإخوان المسلمين من السلطة، لتختلط كل أوراق الإدارة الأمريكية وخططها في تمكين هذه الجماعة لتحقيق مصالح واشنطن وإسرائيل. وتستطيع الرياض اللعب من خلال قلقلة العلاقات الأمريكية الباكستانية المستقرة بمزيد من الدعم لحكومة نواز شريف وزيادة الدعم لطالبان، بما يهدد خطط إدارة أوباما في خروج مشرف للقوات الأمريكية من أفغانستان.
إذن فالاتفاق المؤقت بين إيران ودول 5+1 يمكن أن يصبح مبشراً بتحولات جيولوليتيكية وإعادة تحالفات كبرى في الشرق الأوسط. وقد يتغير هذا كله طبعاً إذا لم يؤد الاتفاق المؤقت إلى اتفاق دائم. ومن الممكن جداً أن يحدث هذا إذا رضخت إدارة أوباما لمعارضة إسرائيل والكونجرس، أو إذا تمكن المتشددون الإيرانيون من تقويض الاتفاق في طهران. غير أن الدلائل الحالية تشير إلى أن الجانبين كليهما ملتزمان بحزم بالتقدم بالعملية إلى الأمام والوصول بها إلى نهاية ايجابية إذا سمح الحظ. وإذا ثبت صدق هذا التحليل، فإن الاتفاق المؤقت بين إيران والدول الـ5+1 ينطوي على القدرة على إعادة ترتيب رقعة الشطرنج الإقليمية إلى حد كبير إن لم يكن على الفور، فعلى المدى المتوسط.