رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صراع القوى الكبرى على الكعكة الإفريقية

ماكرون - بلينكن -
ماكرون - بلينكن - شولتز

 

إفريقيا تمتلك أكبر مخزون من الطاقة وتقدم البدائل لأوروبا بعد أزمة الغاز الروسى

 

 

عاشت الإدارة الأمريكية لحظات حائرة بين المكتسبات التى تستطيع الحصول عليها من العرب خلال القمة العربية «جدة للأمن والتنمية المستدامة» التى عقدت فى يوليو المنقضى بالمملكة العربية السعودية، وشاركت فيها دول مجلس التعاون الخليجى مع مصر، العراق والأردن، إلا أن الرياح جاءت بما لم تشته سفن الغرب، حيث فاجأهم العرب بوحدة صفوفهم واستطاعوا أن يضعوا المصالح العربية على أولوية الأجندة العالمية لتمرير ثرواتهم إلى العالم بمقدار محسوب.

 

وعلى الجانب الآخر لم تك القمة الإفريقية التالية غائبة عن الأجندة الأمريكية كبديل لمثيلتها العربية، حيث عقد الأمريكيون الدورة 14 قمة الأعمال الأمريكية - الإفريقية فى المغرب من 20 إلى 22 يوليو المنقضى بمدينة الرباط تحت شعار «لنبنى المستقبل معا»، وتهدف القمة إلى تحقيق الشراكة الثلاثية بين الولايات المتحدة، المغرب وقارة إفريقيا مع اختيار المغرب كمنصة لاستثمارات الأمريكية فى إفريقيا، وتسابق زعماء الغرب سباقا محموما بدأه الرئيس بايدن وتلاه وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف ومن بعده مباشرة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، وكذلك المستشار الألمانى أولاف شولتز من أجل فوز الكبار بالكعكعة الإفريقية التى يتنافس عليها الجميع أمام التنين الصينى الذى وصل حجم تبادلاته التجارية مع دول القارة إلى 250 مليار دولار حاليا.

 

وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى إعلانها ضخ نحو 700 مليار دولار فى أنحاء القارة الإفريقية خلال المرحلة القادمة فى مجالات الأمن الغذائى، الربط المينائى، الفلاحة، التعليم، شراكة القطاعين العام والخاص، الاستثمار فى المقاولات الناشئة، تشجيع نشر التقنيات الحديثة والتغيرات المناخية، وكما نلاحظ تعاظم دور القارة الإفريقية الآن التى تقدم البدائل والتسهيلات فى ضخ الغاز إلى أوروبا كبديل لمثيله الروسى فى ظل أزمات الحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات الغربية على موسكو وتعنت الأخيرة فى ضخ الغاز المتفق عليه إلى أوروبا قبل اندلاع الحرب، حيث قامت المغرب بعقد اتفاق بين نيجيريا، النيجر والجزائر لضغ الغاز النيجيرى والجزائرى بطول أكثر من خمسة آلاف وستمائة كيلومتر عبر الموانئ المغربية بالتعاون مع الشركة الروسية المتحدة للمعادن، وستستفيد بعض الدول الإفريقية من مرور خط الغاز بأراضيها ومياهها الإقليمية مثل بنين، توجو، غانا، ساحل العاج، غينيا، غينيا بيساو، جامبيا، السنغال وموريتانيا، وهو ما سيمنح هذه الدول وعلى رأسها المغرب أدوارا استراتيجية وحلقة الوصل بين الأوروبيين والأفارقة.

المنافسة الأمريكية الصينية.

صراع القوى الكبرى على الكعكة الإفريقية

أعلن دونالد ترامب الرئيس الأمريكى السابق وجو بايدن الرئيس الحالى فى استراتيجيتهما الوطنية للأمن القومى خلال عهدهما أن هناك ما يسمى بالتنافس الاستراتيجى بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا اللتين تلعبان أدوارا دولية تهدد الوجود الأمريكى طبقا لدراسة عبدالمجيد أبوالعلا عن التحالفات الأمريكية لردع الصين فى مركز دراسات الأهرام، موضحا أن مثل هذه الأدوار الممتدة خلقت مناطق للنفوذ الاقتصادى والسياسى لهاتين الدولتين حول العالم، ومن بينها إفريقيا مما يمثل تهديدا للهيمنة الأمريكية السائدة بعد انتهاء الحرب الباردة، حيث تمتلك الصين القوة الاقتصادية، الدبلوماسية، العسكرية والتكنولوجية لتحدى النظام العالمى المستقر من ناحية، ووصول الصين فى 2023 إلى نفس معدل الدخل القومى الأمريكى، أما روسيا فتعتبرها الولايات المتحدة عنصرا تخريبيا وخصما سياسيا وعسكريا يسعى ليحتل مكانة القوة الكبرى على مستوى العالم. 

 

وتعد قارة إفريقيا إحدى ساحات الصراع بين هذه القوى الكبرى على ثرواتها وأدوار دولها السياسية فى اتخاذ القرارات الدولية، بما فيها مواقع موانئها الاستراتيجية على أهم المنافذ البحرية التى اكتسبت أهمية فى التبادل التجارى وسلاسل الإمداد البديلة بعد اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية ومن قبلها الهيمنة الصينية عليها من خلال مبادرة «الحزام والطريق»، والتى بدأت الصين العمل فى تنمية البنية التحتية حتى نصل إلى المراحل المتقدمة التى تكللت بعرض صينى يبلغ 60 مليار دولار فى 2021 من خلال «المنتدى الصينى الإفريقى»، طبقا لدراسة تأثيرات مبادرة الحزام والطريق الصينية فى إفريقيا المنشور فى منظمة أوبزرفر للأبحاث فى الهند، وتذكر دراسة ردع الولايات المتحدة للصين من خلال التحالفات الدولية المنشورة فى مركز دراسات الأهرام فى إبريل 2022 أن مبادرة «الحزام والطريق» التى بدأتها الصين منذ 2013 فى إفريقيا والعالم تحفز الاستثمارات فى موارد الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة، والتى يصل مجموع محفظتها المالية 40 تريليون دولار موجهة لكافة الدول النامية، والتى تقع معظمها فى إفريقيا، إلى جانب التنمية فى مجال الاتصالات التى تنشر شبكات «5G» و«6G» التى تنفذهما شركة «هواوى» الصينية.

 

وطبقا لصحيفة «كوارتز أفريكا» تحتاج القارة الى استثمار حوالى 100 مليار دولار فى مجال البنية التحتية الاتصالية خلال العام الحالى، وتقدر مؤسسة التمويل الدولية «أى إف سى» العائد المالى الذى يعود على مستوى الدخل القومى لمجموع الدول فى القارة بـ180 مليار دولار بحلول 2025.

 

جولة بلينكن والأجندة الأمريكية المقدمة للحكومات الإفريقية

تقدم الولايات المتحدة وأوروبا أشكالا مشروطة لتمويل الدول الإفريقية تتحدد فى تحقيق أجندة مسبقة للإصلاحات الحقوقية، الديمقراطية، المساواة، نبذ العنصرية والاستقطاب السياسى للأنظمة هذه الدول من أجل إضعاف مكانة الحزب الشيوعى الصينى لديها، والذى يعتبره الغرب مصدرا لنموذج الاستبدادى القاهر للحريات فى مقابل تقديم الصين تمويات ضخمة لمشروعات التنمية الاقتصادية والإنعاش التجارى للأسواق، وقد حمل أنتونى بلينكن وزير الخارجية الأمريكى نفس مكونات الأجندة الغربية أثناء زيارته الأخيرة الى إفريقيا، من أجل الترويج إلى حفاظ وترسيخ الولايات المتحدة لهذه القيم التى تعتبرها الضمانة الوحيدة لنظام دولى حر ومفتوح وبناء عليه تتدفق المساعدات الأمريكية المشروطة عليهم، بينما لا تتدخل الصين فى هذه الملفات الداخلية بالدول من أجل تحقيق «اتفاق يضمن المكسب للطرفين» عن طريق القروض منخفضة الفائدة.

صراع القوى الكبرى على الكعكة الإفريقية

«لافروف» يلتزم بالأمن الغذائى

لاقت زيارة وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف ترحيبا هائلا وصدى إيجابيا خصوصا بعد بيانه الذى ألقاه فى جامعة الدول العربية لإعلان قوة العلاقات التى تجمع بين روسيا والدول العربية منذ ما يزيد على نصف قرن، موضحا التزام موسكو بكافة اتفاقات توريد القمح إليهم شريطة إزالة القوات الأوكرانية والغربية الألغام من المياه الدولية، وأضاف لافروف أن موسكو بصدد رفع فاتورة تبادلاتها التجارية مع مثيلاتها العربية إلى 20 مليار دولار خلال الفترة القادمة. واكتسبت زيارة لافروف الى مصر والجامعة العربية ثقة عالية انعكست إيجابيا على باق زياراته الى إثيوبيا وأوغندا وجمهورية الكونجو الديموقراطية.

 

كما أكسب الخطاب السياسى المتوازن الذى تبادله لافروف والعرب درسا الى الأفارقة استوعبوه من خلال مقارنته بمثيله الأمريكى الذى حرض فيه الرئيس الأمريكى جو بايدن الدول العربية باتخاذ مواقف معادية لإيران وروسيا وإقناعهم بفكرة التحالف العسكرى المناهض لإيران تحت مسمى «ناتو الشرق الأوسط»، والذى يضم دول مجلس التعاون الخليجى الست، ومصر والأردن والعراق مع مشاركة إسرائيل، ولكن مصر والسعودية والإمارات تحفظت على تشكيله ورفضت الخوض فى أية صراعات إقليمية تجلب الخراب والدمار على الشعوب.

 

وعلى الجانب الإفريقى نجد أن دول القارة اتخذت مواقف حيادية تجاه الغزو الروسى لأوكرانيا، بل إن هناك دولا رفضت إدانة الغزو متهمة الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين بدفع روسيا الى الحرب، وتعود العلاقات الروسية الإفريقية الى فترة الاتحاد السوفيتى، وتقول صحيفة الجارديان البريطانية إن العلاقات تطورت خلال الأحداث الأخيرة فى محاولة كسب التأييد الإفريقى وطمأنتهم بالالتزام الروسى بتصدير الحبوب كما كان الحال قبل الحرب، مع توضيح لافاروف موقف بلاده الرافض العقبات التى تضعها أوكرانيا أمام تصدير وشحن سفنها المحملة بالحبوب، وأضافت الصحيفة أن وزير الخارجية الروسى يحاول كسب الرفض العام من الدول الإفريقية للعقوبات الغربية المفروضة على موسكو، والتى تمس المصالح الإفريقية فى عرقلة سلاسل الإمداد والشحن البحرى بالبضائع والاحتياجات الأساسية، فضلا عن كسب رفض الأفارقة الهيمنة الأمريكية والغربية على الفضاء الخارجى من خلال احتكار أقمارهم الصناعية للفضاء.

 

كما يحاول لافروف تهيئة الحكومات والأنظمة الإفريقية للمرحلة الجديدة التى يعيشها العالم من تعدد الأقطاب وليس القطب الواحد الذى تهيمن عليه الولايات المتحدة، وبالتالى تقود روسيا حاليا حملة تحت مسمى «الاستقلال الإفريقى عن الهيمنة الأمريكية والغربية»، تماما كما دعم وساند الاتحاد السوفيتى الدول الإفريقية على نيل استقلالها من الاحتلال الغربى. بالإضافة الى الأدوار التى تلعبها مجموعة «فاجنر» العسكرية تحت الرعاية الروسية والتى يتم استدعاؤها للقيام بعمليات مكافحة الجماعات الإرهابية والمسلحة كما حدث فى موزمبيق ومالى والسودان، بالإضافة العلاقات المتبادلة والمتنوعة التى تجمع بين السودانيين والروس، من بينها إدارة والتجارة فى مناجم الذهب السودانى، وكذلك إدارة واحتكار ميناء الشاطئ الشرقى السودانى، والذى حصلت عليه روسيا بموجب اتفاق متبادل مع الجيش السودانى. مع الأدوار البارزة التى لعبتها مجموعة «فاجنر» فى ليبيا وجمهورية وسط إفريقيا.

صراع القوى الكبرى على الكعكة الإفريقية

وتتنوع أوجه التعاون الروسى الإفريقى فى عدة مجالات من خلال مجالس القمة الروسية الإفريقية، والتى كان آخر حلقاتها فى مدينة «سوتشى» 2019، ومن بين أوجه التعاون منح القروض الميسرة، التمويلات، الزراعة، وتصدير الأسلحة التى وصلت معدلاتها الى الثلث لدول الساحل والصحراء خلال الفترة من 2016 الى 2020 طبقا لمعهد ستوكهولم لدراسات السلام، إلا أن روسيا استطاعت أن تقتحم سوق نقل التكنولوجيا والطاقة النووية الى عدة دول إفريقية وهو ما لم تفعله نظيراتها الغربيون، ويبلغ مجموع الاستثمارات الروسية فى القارة السمراء 20 مليار دولار طبقا لآخر إحصائية للبنك الإفريقى للتصدير، كما تبلغ حجم الاستثمارات الروسية فى مصر وحدها 4.7 مليار دولار، بينما بلغ حجم التبادل التجارى المصرى - الروسى 7.4 مليار دولار 2021.

 

أما أوروبا الصديق الحالى للأفارقة فتفتح صفحة جديدة وتحاول تبييض وجهها طبقا لصحيفة «الأوبزرفر» من أجل الحفاظ على إرثها الاستعمارى القديم وتستمر فى المنافسة على الموارد والموانئ الحية غرب وشرق القارة وكذلك الصمود أمام صراع الكبار بين الولايات المتحدة والصين ورسيا واختراق تركيا مناطق النفوذ

الفرنسى والإنجليزى والذى وصل لحد إقامة قواعد عسكرية كما فى الصومال.

 

«ماكرون» يغسل تاريخ الاستعمار

تسابق الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون مع نظرائه الأمريكى جو بايدن ووزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، ومن المعروف أن فرنسا احتلت حوالى 9 بلدان إفريقية فى غرب القارة خلال موجتى الاحتلال الممتدتين من القرن 16 الى 20، وشملت جولة ماكرون دول الكاميرون، بنين وغينيا بيساو، خلال الفترة من 25 الى 28 يوليو المنقضى، وهى أول رحلة خارجية لماكرون فى فترته الرئاسية الثانية خارج أوروبا، وجاءت رحلة الرئيس الفرنسى مدفوعة بعدة محفزات على رأسها المنافسة مع نظيرته الأمريكية خاصة بعد توتر العلاقات بينهما بعد شراء أستراليا 12 غواصة نووية أمريكية بديلة عن مثيلاتها الفرنسية، والتى أدت الى تكبد فرنسا خسائر تقدر 66 مليار دولار، فضلا عن المساس بسمعة الأسلحة الفرنسية وفاعليتها فى الأسواق العالمية، وهو ما ترتب عليه تبادل العبارات القاسية التى أطلقتها فرنسا مثل «الطعنة فى الظهر»، «الصفعة على الوجه» وترتبت عليه فقدان الثقة المتبادلة بين الجانبين ودخول العلاقة فى طور المنافسة بدل من التكامل، ممارسة فرنسا الضغوط المستمرة على الاتحاد الأوروبى من أجل تحقيق الاستقلال الأمنى الوروبى للابتعاد عن الولايات المتحدة ومحور الثلاثى الأنجلو ساكسونى الذى يضم الولايات المتحدة، أستراليا، المملكة المتحدة وكندا مع استبعادهم نيوزلاندا مما أدى الى منع الأخيرة الغواصات الأسترالية النووية أن تمر فى مياههها الإقليمية.

صراع القوى الكبرى على الكعكة الإفريقية

ويعتبر ماكرون أن إفريقيا على رأس أجندته الرئاسية الجديدة، حيث تهدف جولته الى تعظيم الأدوار االسياسية التى تلعبها فرنسا هناك وعودا حميدة لدول «الفرانكوفون» أو الناطقة بالفرنسية بعد أن استحوذت الدول الإفريقية الناطقة بالإنجليزية على اهتمام ماكرون فى فترته الرئاسية الأولى، والتى أتت على رأسها جنوب إفريقيا، وتتمثل ملامح النشاط الرئاسى الفرنسى خلال هذه الفترة بالتخطيط الاستراتيجى والمستقبلى الممتد لمناطق النفوذ الفرنسى عبر القارة طبقا لموقع «فرنسا 24»، حيث بادر ماكرون الى الذهاب والتباحث مع المسئولين فى الدول المقبلة على انتخابات رئاسية خلال الفترة القادمة وشارك ماكرون فى طرح الشخصيات المرشحة، فقد التقى برئيس الكاميرون البالغ 89 عاما والمتوقع أن ينهى فترة حكمه الذى اتسم بالقوة والعنف لمواجهة الحركات الانفصالية التى تسعى للانفصال بالجزء «الأنجلو فون» أو الناطق بالإنجليزية وهو ما يعظم من الدور السياسى الفرنسى الملعوب خلال الانتخابات الرئاسية القادمة. وقدم ماكرون ضمانات للأمن الغذائى للدول الإفريقية التى تعانى من نقص إمدادات الحبوب الناتج الحرب الروسية - الأوكرانية، وينشد ماكرون الحصول على رضاء الشعب فى بنين ومسح ماض اتسم باستيلاء فرنسا على كنوز مملكة «أبومى» التاريخية أثناء فترة الاستعمار الفرنسى لنيجيريا وبنين ووعود ماكرون بإعادة هذه الآثار المنهوبة، بالإضافة الى محاولة ماكرون القيام بدور دعم الحكم الديمقراطى فى بنين كما تفعل الولايات المتحدة، ومكافحة الإرهاب الذى طالما قامت به من خلال قوات حفظ السلام الفرنسية فى مالى، إلا أن الرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا اتخذ موقفا معاديا ورافضا للتدخل الفرنسى وأعلن تأييده للرئيس الروسى فلاديمير بوتين الذى استقبله منذ شهرين فى موسكو، وانتقلت القوات الفرنسية الى النيجر للعب أدوار جديدة وللتحليق على قوات مجموعة فاجنر الروسية التى حلت محل مثيلتها الفرنسية فى مالى، وتأمين الحصول على نصيب فرنسا من الغاز هناك الذى سوف يمتد عبر خط أنابيب الغاز الجديد من النيجر، نيجيريا والجزائر عبر الصحراء فى طريقه الى أوروبا كأحد البدائل عن الغاز الروسى قبل حلول شتاء 2022-2023.

 

«شولتز» يقود «أوركسترا» المصالح

يؤكد معهد الدراسات الأمنية الإفريقى أن المستشار الألمانى أولا شولتز يحاول من خلال جولته الإفريقية المكثفة التى امتدت لمدة 5 شهور متواصلين عقب توليه منصبه أن يحافظ على الرصيد المتين الذى تركته له نظيرته السابقة أنجيلا ميركل، التى سعت طوال سنوات حكمها أن تزيد من انخراط بلادها فى القارة الأفريقية، وأن تلعب أدوارا حيوية ترقى الى إشراكهم فى مجموعة دول 20 من أجل تحقيق الرخاء الاقتصادى داخل بلادهم لتجنب موجات الهجرات غير الشرعية الى أوروبا على الرغم من قبولها أعدادا كبيرة من المهاجرين مقارنة بمثيلاتها من الدول الأوروبية.

صراع القوى الكبرى على الكعكة الإفريقية

وقام شولتز بزيارة السنغال، النيجر، وجنوب إفريقيا فى جولته الأولى فى مايو 2022 مصحوبا بوفد رفيع المستوى من المسئولين الألمان، والتى وصفها كلاوس شتاكر مدير إذاعة الدويتش فيلا «بالأوركسترا» التى شارك فيها العديد من العازفين برئاسة شولتز، متضمنة مناقشات وعقد اتفاقات ومذكرات تفاهم فى مجالات الطاقة بأنواعها، الأمن الإقيمى، والأعمال، كما تطرق شولتز فى لقاءاته بالمسئولين الأفارقة الى الحرب الروسية - الأوكرانية الدائرة والآثار السلبية المنعكسة على الدول والشعوب بالقارة، ودعا شولتز الرئيس السنغالى ماكى سال الذى ترأس بلاده الاتحاد الإفريقى حاليا الى حضور قمة دول السبع الكبرى، والتى تم عقدها فى يوليو المنقضى بمقاطعة بافاريا بألمانيا. وكما هو حال ألمانيا وباقى الدول الأوروبية التى تبحث عن بديل الغاز الروسى فى إفريقيا، وقام بالاتفاق مع السنغال إقامة مشروع ضخ الغاز الى ألمانيا بجوار حدود موريتانيا، وفى النيجر كان الملف الأمنى على رأس أجندة لقاء شولتز بالرئيس محمد بازوم، واللذين اتفقا على قيام القوات المسلحة الألمانية بتقديم الدعم العسكرى واللوجيستى لمكافحة الحركات الجهادية. 

 

وينافس شولتز نظراءه من الدول الأوروبية والولايات المتحدة فى استحواذهم على غنائم الطاقة الإفريقية المتنوعة وباقى الأعمال، فشارك فى الاحتفال بالذكرى 70 لإطلاق غرفة التجارة والصناعة الألمانية والجنوب إفريقية وانتهز الفرصة بزيادة دخول الشركات الألمانية الى سوق جنوب إفريقيا حتى وصلوا الى 600 شركة، بالإضافة الى اتفاقه مع الرئيس رامافوزا بضخ 5،8 مليار دولار فى مجالات الطاقة للحاق بالسباق الأوروبى - الأمريكى الذى يسعى الى الانتقال الى مرحلة وسطية بين الاستغناء عن النفط الى الغاز ثم الى الطاقة النظيفة والمتجددة التى تتوافر فى إفريقيا، بالإضافة الى تصدير جنوب إفريقيا الفحم الى ألمانيا لاستبداله بمثيله الروسى، كما أعلن شولتز مشاركة بلاده فى مشروع «ساسول» لإنتاج الهيدروجين الأخضر بجنوب إفريقيا أيضا.

 

واختلف نهج شولتز من أمثاله الأوروبيين والأمريكيين عن التدخل فى الشئون السياسية للبلدان الإفريقية، حيث لم يطرح فى جولاته المكوكية أى من موضوعات الديمقراطية، سيادة القانون، وحتى مناقشة مواقف بعض من هذه الدول المؤيد لروسيا مقاوما كل الانتقادات التى تعرض لها فى بعض الأوساط السياسية والفكرية، بحجة إعلاء قيم المصالح الحيوية الألمانية مع إفريقيا بشكل استراتيجى ومستقبلى طويل طبقا لرأى الدكتور فيرونيكا برايزماير مساعد رئيس الأكاديمية الأوروبية فى برلين.