عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"شي" يا أمريكا ..الصين تستنسخ استراتيجيات واشنطون القديمة

بوابة الوفد الإلكترونية

 يتسم التاريخ بوجه عام بوجود دورات متكررة وكأن يدا قد نسخته من حقبة إلى أخرى بعدما أضافت إليه قليلا من الرتوش، ولعل الأمر يبدو أكثر وضوحا من خلال مراحل انهيار وصعود الممالك لذا فقد يكون من المفيد العودة إلى  السنوات القليلة التي تلت الحرب العالمية الثانية و التي أسفرت عن تراجع بريطانيا العظمى إلى مقعد الوصيف مع اقتسام الزعامة نسبيا بين الاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة الأمريكية في ظل مناوشات بين القطبين عرفت حينها باسم " حرب الأعصاب " بين موسكو وواشنطون قبل أن يتطور هذا المصطلح إلى  "الحرب الباردة " مع مطلع عام 1946 بسب تنامي النفوذ السوفيتي في اليونان و تركيا أضافة الى سيطرة شبه مطلقة للرئيس السوفيتي ستالين  على بلدان شرق أوروبا.

و من ثم تحولت السيطرة على أوروبا هدفا رئيسيا لكلا المعسكرين وفي عام 1947 تبنت الولايات المتحدة سياسية " الاحتواء" والتي عبر عنها المحلل السياسي الأمريكي جورج كينان عبر صفحات "فورين أفيرز" ناصحا الرئيس الأمريكي بأتباع سياسة طويلة الأمد والصبر لاحتواء المد الشيوعي في أوروبا وخصوصًا بعد دخول اليونان تحت التأثير الروسي وهو الأمر الذي تبناه الرئيس الأمريكي ترومان من خلال مشروع "مارشال" نسبة الى وزير الخارجية الأمريكي حينها جورج مارشال و الذي طلب فيه  من قادة الدول الأوربية وضع تصور لحزم  المساعدات الاقتصادية و ترتيب الأولويات طبقا لرؤية حكومات الدول الأوربية , و بالطبع كان مشروع مارشال بمنزلة طوق نجاة لدول القارة العجوز في ظل أقصى شتاء شهدته القارة منذ خمسون عاما و على الرغم من انهاك الاٌقتصاد الأمريكي الذي تحمل فاتورة الحرب العالمية الثانية إلا أن الكونجرس الأمريكي وافق على تقديم مساعدات بقيمة 14 مليار دولار الى سبعة عشر دولة من دول أوروبا الغربية بخلاف حزمة مساعدات عسكرية لتركيا و اليونان بقيمة نصف مليار دولار نجحت في ابقاء أثينا ضمن كتلة أوروبا الغربية والمثير في الأمر أن العرض الأمريكي لم يكن لدول أوروبا الغربية فقط, بل عرضت واشنطن نفس العرض على الاتحاد السوفيتي و دول أوربا الشرقية و لكن ستالين رفض وأعلن عن مشروع "مولوتوف" زاعما قدرة الاقتصاد السوفيتي على أنعاش أوروبا الشرقية قبل أن يحترق مشروع مولوتوف دون أن يسمع عنه أحد .

واستمرت الأمور في طريقها المتوقع بين واشنطون وموسكو الى ان انهار الاتحاد السوفيتي في حقبة جورباتشوف لتصبح الولايات المتحدة قطبا وحيداً يدير العالم  بصورة أو بأخرى  في عام 1991 وهي نفس السنة صعدت فيها الصين في ترتيب الناتج المحلي الإجمالي العالمي الى المرتبة 11 قبل أن تقفز الى المرتبة الثانية في 2020 بعد الولايات المتحدة مباشرة، فبعد وفاة الزعيم الصيني ماو تسي تونج سنة  1976، قام خليفته شياو بينج بإصلاحات اقتصادية هائلة في ظل حالة من التعاطف مع الصين  المدمرة طيلة سنوات من الاحتلال الياباني كذلك فقد اتخذت بكين خلال فترة التسعينيات سياسة عرفت باسم  "hide and wait " أو " أختفي و أنتظر" وهي تشبه كثيراً سياسة الاحتواء التي انتهجتها الولايات المتحدة في بداية حرب الأعصاب مع روسيا ،اذ لجأت بكين الى التعتيم حول كل ما يتعلق بحقيقة قدراتها مكتفيه بسياسات الإصلاح الاقتصادي على المستوى الداخلي مع عدم السعي للدخول في صراعات مع القوى الغربية أو السعي وراء تصدر المشهد في أي من الأحداث الساخنة ولو حتى على مستوى قارة أسيا  فلم تظهر بكين تمام في أحداث بحجم حرب فيتنام و أزمة شبه الجزيرة الكورية، حتى أصبحت عضوا ضمن نادي الحلفاء الغربيين الذين لم يجدوا غضاضة في قبول هذا الوافد الأسيوي الجديد ,ولكن سياسة الاختفاء التي أتبعتها الصين أخذت في التلاشي مع مطلع الألفية الجديدة الى أن انتهت تماما مع تولي الرئيس الحالي شي جين بينج الذي أطلق هدفا قوميا  جديدا يحمل أسم " بكين عالياً " وللمفارقة فأنه اعتمد  في ذلك على مشروع وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال بعدما أضاف اليه نكهة صينية خاصة فأصبحت بكين هي ملاذ الدول التي تقع تحت طائلة العقوبات الدولية و لعل السودان هي المثال الأبرز في ظل خضوعها لعقوبات الأمم المتحدة؛ إذ نجحت الصين في طرد شركة شيفرون عملاق صناعة النفط الأمريكية و السيطرة على النفط السوداني وحتى بعد انفصال جنوب السودان وحصوله على 80% من حقوق النفط في البلاد ,انتقلت الشركات الصينية الى الجنوب وتخلت بكين ولو نسبيا عن دعم الخرطوم خاصة بعد ثورة 2018 و اصبح مصطلح

"فخ الأموال الصينية " أو " Chinese money trap" يجوب القارة السمراء متحكما في أكثر من 40% من مواردها الطبيعية بحسب تقديرات اطلقتها مدير مركز الأبحاث السياسية والاقتصادية الأمريكي مايك وايزبورد في عام 2018 وذلك على هامش مؤتمر التعاون الصيني الإفريقي  السابع “وكاك"  والذي شهد تواجد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس و53 زعيما أفريقيا بالعاصمة بكين.

 

وعلى الرغم من الموارد الهائلة والفرص الواعدة التي تمثلها إفريقيا للصين إلا ان الرئيس الصيني شي جين لم يكتف بذلك. و مثلما كانت اليونان  حجر الزاوية في نجاح واشنطون في وقف التوغل السوفيتي في أوربا نجحت بكين في الدخول و بقوة إلى قلب الاتحاد الأوربي خلال الأزمة الاقتصادية اليونانية  و التي قدمت خلالها بكين دعما ماديا هائلا في ظل رعونة أمريكية و أوروبية تجاه أزمة أثينا ,وأصبحت الصين تسيطر تقريبا على الخطوط الملاحية اليونانية و إحياء المسار التجاري لطريق الحرير البرى والبحري ولعبت   شركة "كوسكو" الصينية عبر شراء  حصة أغلبية في هيئة ميناء " بيريوس " أكبر الموانئ اليوناية، دورا رئيسيا في مبادرة الحزام والطريق باعتباره بوابة رئيسية في منطقة الجنوب الأوروبي.

 

 أما في جمهورية الجبل الأسود فهناك قرابة 5000 عامل وفني صيني يقومون بشق طريق اصطناعي سريع يشكل  نصيب الجبل الأسود من مبادرة طريق الحرير باستثمارات تصل  الى خمس مليارات دولار وهو رقم ضخما للغاية إذا ما قورن مع حجم النتاج القومي لجمهورية الجبل الأسود.

 

  كما استغلت بكين تعثر المفاوضات الأوروبية- الأمريكية بشأن إبرام اتفاقية التجارة الحرة عبر الأطلسي لتوطيد علاقتها مع اوروبا في حين هددت واشنطن ألمانيا بعرقلة جهود تخفيف القيود المفروضة على صادرات السيارات الأوروبية، وفي مقدمتها السيارات الألمانية، إذا لم توافق ألمانيا على السماح ببيع المزيد من المنتجات الزراعية الأمريكية، وهو ما ادى الى زيادة حجم التبادل التجاري السنوي بين الصين وألمانيا إلى قرابة 230 مليار دولار  مقارنة ب 180 مليار دولار في عام 2017  .

 

وبحسب تقربر أطلقه مكتب الإحصاء الأوروبي "يوروستات" مؤخرا ٫ احتلت الصين المرتبة الأولى بين شركاء أوروبا التجاريين العام الماضي  للمرة الأولى، بعدما ظلت الولايات المتحدة تحتل تلك المرتبة منذ الحرب العالمية الثانية  كأكبر شريك تجاري للقارة العجوز ، وبحسب أرقام "يوروستات"، وصل حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي والصين العام الماضي إلى 711 مليار دولار في حين تراجعت التجارة الأوروبية مع الولايات المتحدة إلى 673 مليار دولار بسبب  الإجراءات التي اتخذتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، الذي فرض قيودا على الصادرات ورسوما جمركية على بعض المنتجات مثل الصلب والالومنيوم فيما زادت الصادرات الصينية لدول الاتحاد الأوروبي، خصوصًا من الأجهزة والمستلزمات الطبية والصحية. كما أن سرعة تعافي الاقتصاد الصيني من  جائحة كورونا، أسهمت في تحسن التبادل التجاري بينهما وهو ما جعل بكين راعيا رئيسيا لمنظمات دولية عديدة بعد أن استغلت بكين انسحاب واشنطن الانسحاب من الاتفاقات الدولية متعددة الاطراف لتحول شعار  "أمريكا أولا " الى شعار "شي يا أمريكا ".