عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

11 سبتمبر.. نهاية منهج "القطب الأوحد" وبداية خريطة جديدة للقوى العالمية

11 سبتمبر
11 سبتمبر

في ليلة خريف هادئة بات سكان الولايات المتحدة آمنين واثقين من قوة دولتهم، التي استمرت مؤسساتها في بث روح "الحلم الأمريكي" في نفوسهم، مطمئنة إياهم أن أمريكا هي "شرطي العالم الأوحد" والدولة التي لا تغيب عنها الشمس ولا تنطفئ.

لكن صروف الدهر تأتي بلا سابق إنذار.. فسرعان ما تغيرت تلك الليلة ذات النسائم الهادئة إلى إعصار في صباح يوم" 11 سبتمبر"، ارتطمت طائراته بالطوابق العليا من ناطحات السماء "أبراج مركز التجارة العالمي" في نيويورك لتدفع الأمريكيين نحو الهرولة هنا وهناك في فزع وانعدام ثقة كبير من كارثة فاقت حجم التوقعات وضربت "الماما أمريكا" في عقر دارها ولتدفع المسؤولين نحو حالة من التجمد والذهول الذين سيطرا على إدارة البيت الأبيض بقيادة الرئيس جورج بوش، وفتحت الباب أمام حقائق جديدة تنتظره وعالم متعطش لرد فعل حاسم على تلك الضربة المباغتة.

أخرجت تلك الضربة الفئران من جحورها، أو بمعنى آخر، كل الدول التي كانت تحلم بساعة سقوط أمريكا، وجددت لديها أمل إسترداد عهود المجد البائد، فخرجت روسيا  الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي والتي كانت تحلم بأخذ الثأر من أمريكا التي أسهمت خططها في حل الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات ومن وراءها العملاق الصيني الذي طال ما كان يحلم بالسيطرة على الساحة العالمية اقتصاديا.

استيقظت أمريكا في اليوم التالي للضربة لتبلغ العالم برسالتها الأشهر على الإطلاق: "أن العالم لم يعد كما كان عليه في السابق، فإما أن تكونوا معنا أو مع الإرهابيين"، ليتحدد مصير العالم من خلال تلك الدعوة التي طالبت الولايات المتحدة من خلالها ضمنيا بتفويض للوقوف امام الارهاب، لتدخل أمريكا من بعد ذلك في نفق مظلم للبحث عن العابثين بأمنها القومي ومهابتها الاستراتيجية، حيث  فقدت الولايات المتحدة الأساس المتين والسند القوي لمفهوم الأمن الداخلي وزُعزعت معتقدات المواطن الأمريكي الراسخة بأن أمريكا "شرطي العالم الأول"، ما عاد يستطيع حماية رعيته في الداخل أو الخارج.

  فلم يكن سقوط البرجين في حي مانهاتن في نيويورك بمثابة حدث بسيط أو مجرد انهيار مبنى فقط بل كان بمثابة انهيار نظام عالمي وظهور خريطة عالمية جديدة. هذا التأثير امتد ليشمل بنية النظام الدولي والعلاقة بين أقطابه، حيث لم يكن يخطر على بال أحد أن حدثا إرهابيا تتعرض له الولايات المتحدة يمكن أن ينشئ علاقات مختلفة تماما بين القوي العظمي، وأن يعيد تشكيل قوى عظمى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين إلي ما كانت عليه تقريبا في نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة .

بعد ضربة 11 سبتمبر، استغلت القوى العالمية الفرصة لتأسيس عالم جديد يخدم مصالحها ويرعى طموحاتها الإقليمية والدولية، واختلفت في ذلك مناهج وإستراتيجيات تناول هذا التغيير في كل دولة على حدة، لتصفية أمريكا كخصم وإنهاء سياسة القطب الأوحد، كدولة تحاول فرض أيدولوجياتها السياسية على الآخرين ورعاية مصالحها بشكل فردي بغض النظر عن التأثير على مصالح الدول الأخرى.

 

الصين: سياسة وضع اليد وتشويه الخصوم

 

استغلت الصين أحداث 11سبتمبر في تشكيل علاقات دولية جديدة خاصة بها، تخدم مصالحها التي كانت تنافسها فيها الولايات المتحدة، خاص المصالح الاقتصادية، وعمدت إلى توجيه جهودها في اتجاهات رئيسية.

اعتبرت الصين أن أحداث 11 سبتمبر 2001 عبارة عن تكريس نهائى لمسار واتجاهات العلاقات الدولية منذ انهيار الاتحاد السوفيتى، فمشهد الهيمنة الأمريكية الأحادية هو الذى أوصل العالم إلى 11 سبتمبر 2001، وأن اتجاه العلاقات الدولية بالنسبة للصين لابد أن يكون اتجاه سيطرة على العالم، ولكن هذه السيطرة أطلق عليها السياسي شين باى "السيطرة التلقائية"، وذلك فى كتابه "الصين ستقود العالم"، ويرى أن السيطرة التلقائية الصينية على العلاقات الدولية والعالم تتم عبر السيطرة على نقاط القوة الاقتصادية عالميا.

وركزت الصين على الهيمنة على نفط المناطق الآسيوية، والتوسع فى النشاطات الاقتصادية، بالإضافة إلى العمل على إنشاء تكتلات سياسية تدور حول المحور الصينى ورأت الصين ضرورة هيمنتها العكسرية على الممرات المائية المهمة عالميا.

كما التفتت إلى ضرورة زرع الوجود الصيني في منطقة الشرق الأوسط عبر استراتيجية منظمة وطويلة المدى، وتقديم السلاح الصينى بأسعار مناسبة، بالإضافة لتقديم القوات الصينية لمنح التدريب فى الصين.

وفي سبيل تضييق الخناق بشكل أكبر على الولايات المتحدة بعد أزمة 11 سبتمبر، طورت الصين أذرعة الإعلامية لتشويه صورة واشنطن للمجتمع الدولى بأنها تؤزم العلاقات الدولية العالمية.

 

 

روسيا: سياسة الشريك المخالف

 

علي المستوي الدولي وعلاقات الولايات المتحدة مع قوي رئيسة مثل روسيا، فإن أحداث سبتمبر قد فرضت عددا من المساومات والحلول الوسط حول قضايا وخلافات في السياسة الخارجية.

 فعلي المستوي الروسي الأمريكي، كان الرئيس الروسي، فلايديمير بوتين الأكثر استجابة وتفاعلا مع متطلبات التعاون مع الولايات المتحدة، حيث أعلن دعمه لمحاربة الإرهاب ووقوف المجتمع الدولي ضد الإرهاب، هذا فضلا عن المساعدات الروسية المباشرة مثل إتاحة النطاقات الجوية، وتبادل المعلومات، كما سمح لدول الاتحاد السوفيتي السابقة في آسيا الوسطي أن تقدم فضاءها الجوي، وقواعدها العسكرية للاستخدام الأمريكي  وأشار إلى أن هذه الأحداث قد شكلت منعطفا جديدا في السياسة الأمريكية تجاه العرب والمسلمين. من من ناحية أخرى، أعادت أحداث 11 سبتمبر الامل لروسيا في استعادة أطلال إمبراطورية السوفييت، خاصة بعد المخاوف الأمريكية من النزوع التوسعى الإمبراطورى الروسى.

وفي سبيل ذلك،  أعدت روسيا مسودة الاستراتيجية الروسية الجديدة عبر لجنة كونتها لوضع استراتيجية تسمى «استراتيجية السيطرة الروسية المستقبلية»، وحسب هذه المسودة فإن روسيا ستقود العالم خلال ثلاثين سنة على الأكثر، في توضيح لاتجاهات العلاقات الدولية بالنسبة لروسيا، وقد حدث بالفعل، بعد تدخل روسيا في الشرق الأوسط وسيطرتها على ملف الأزمة السورية والملف النووي الإيراني.

كانت الخطة تقوم على توجه أسمته روسيا  ب "المخالفة" ويقوم هذا الاتجاه الروسى فى العلاقات الدولية على فرض الأسلوب الروسى فى الساحة الدولية، بالإضافة لمخالفة السياسات والتوجهات الأمريكية، واتضح ذلك جليًا من خلال الموقف الروسى للغزو الأمريكى للعراق في 2003. وبالرغم من ذلك التوجه نحو المخالفة، فإنه كان من الصعب ان تنفذ روسيا تنفيذ هذا الاتجاه

لسبب أنها بحاجة إلى الولايات المتحدة لمساعدتها فى تجاوز أزمتها الاقتصادية، وأيضا تحتاج الولايات المتحدة لروسيا لأهداف استراتيجية بعيدة المدى، كاحتواء العملاق الصينى الصاعد، ومحاربة الإرهاب فى المنطقة العربية، وتأمين انسياب النفط واستقرار أسعاره.

ولذا رأى الباحث السياسى الأمريكى ألكسندر آدلير من خلال تقرير بحثي، أن روسيا لن تستطيع قيادة العالم، بل أنها ستلعب دورًا محوريًا مع الولايات المتحدة الأمريكية، لا يقل عن دور الشراكة الإنجليزية الروسية فى القرن الثامن عشر لاحتواء مخاطر القوة الفرنسية.

إلى جانب المسودة، ركزت روسيا على محاولة استعادة القوة للمؤسسة العسكرية بإستخدام العمق الآسيوى بصورة أساسية، والعمق الأوروبى بصورة ثانوية، وذلك يضمن لروسيا إعادة هيبتها العسكرية والسياسية.

وعلى صعيد القوة التي تكتسبها الدول المالكة للطاقة، ركزت روسيا جهودها في السيطرة على  نقل النفط والغاز من آسيا الوسطى وبحر قزوين، وإنشاء مشاريع طاقة مستقبلية على أراضيها، من خلال إخضاع أسيا والشرق الأوسط للسيطرة الروسية، ونشر الدروع الصاروخية والغواصات والبارجات لتأمين هذه الطرق، بالإضافة للتعاون الأمنى مع الدول الآسيوية، وتشجيع قيام الاتحادات الاقتصادية فيها، ودعم المواقف السياسية للدول الآسيوية.

أما بالنسبة للشرق الأوسط، فكانت سياسة المخالفة والمواجهة الروسية هي المسيطرة، فعمدت موسكو إلى ضرورة المواجهة المباشرة للسياسات الأمريكية، ومعارضتها فى المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، واستخدام حق النقض "الفيتو" لمواجهة أى تحركات سياسية أو عسكرية أمريكية فى الشرق الأوسط، وإطلاق تسمية "الدول الحليفة لروسيا" على دول الشرق الأوسط التى تتعاون مع روسيا، ومدها بالأسلحة والتدريب والتأهيل لمواجهة التمدد الأمريكى فى الشرق الأوسط.

وهذا يفسر سر دعم روسيا لموقف النووي الإيراني، الذي كان جزءا من هذه الخطة المزدوجة، سياسيًا واقتصاديًا، لإضعاف الوجود الأمريكى فى المنطقة، حيث تعمل روسيا على دعم البرنامج النووى الإيرانى وإحتواء طهران التي تعتبر بوابة التسلل إلى الشرق الأوسط، بعد سنوات طويلة من التوتر شهدتها العلاقات الروسية الايرانية في زمن الاتحاد السوفيتي بسبب رفض النظام الايراني للشيوعية.

 

 

 

أوروبا: استغلال فرصة لن تعوض

بعد أحداث 11 سبتمبر افتقدت المجموعة الأوروبية إلى التحرك الموحد تجاه أحداث 11 سبتمبر، فرغم الوحدة الاقتصادية والمالية التكاملية التي حققتها أوروبا فإن ردود فعلها تجاه الأحداث عكست غياب وجود سياسة خارجية موحدة، حيث اتسمت مواقف دولها بالفردية وبادرت كل دولة للاتصال بالولايات المتحدة من منطلق ظروفها الخاصة، وبالتالي فإن هذه الأحداث كشفت عجز أوروبا عن أن تشكل قوى سياسة وتتبوأ مكاناً يليق بقوتها إلى درجة وصفها بأنها عملاق اقتصادي لكنها ليست سوى قزم سياسي.

وفي ظل الاختلاف الأصيل بين النموذج الأوروبى والأمريكى من حيث التوجهات الاجتماعية والاستراتيجية وسعي أوروبا نحو استغلال الفرصة لتأسيس مجتمع دولي متعدد الأقطاب، اتجهت دول الاتحاد الاوروبي إلى تدشين تحالف مع الصين يسقط   النموذج الأمريكى الاقتصادى والسياسى والعسكرى وأنتج ذلك شراكة استراتيجية عام 2003، فأصبح الاتحاد الأوروبى أكبر شريك تجارى للصين، وأهم مورد لها فى مجال التقنية، وأصبحت الصين هى سوق التصدير الأسرع نمواً بالنسبة للاتحاد الأوروبى.

اعتمدت أوروبا على محور فرنسا والمانيا مع روسيا لمجابهة القرارات الأمريكية، حيث وقعت الدول الثلاث إعلان مشترك في عام 2003 يدين تدخل أمريكا في شؤون العراق فاستخدمت روسيا حق الفيتو وعملت فرنسا كعضو دائم في الأمم المتحدة في مجلس الأمن على عرقلة حصول الولايات المتحدة على الشرعية.

 

وفي النهاية، نقول أن الولايات المتحدة قد تعرت أمام العالم بعد تفجيرات 11 سبتمبر التي قلبت الموازين وكشفت عن ثغرات هائلة في القوة الأمريكية، وقيود عديدة على قدرتها على التحول إلى النموذج الإمبراطوري ومنهج القطب الأوحد، حيث كانت الولايات المتحدة تصر على إمتلاكها لفكرة الأمن المطلق، بعد تجدد ملف تأسيس "درع الصواريخ الأمريكي" –نظام صاروخي لحماية الاراضي الامريكية ضد الصواريخ العابرة للقارات وكان وعد بتنفيذه الرئيس جورج بوش- وثبت أن هذا المشروع كان تفكيرا في اتجاه خاطئ؛ لأن الأمن المطلق لن يتحقق إطلاقا بالانفراد بالقوة العسكرية البحتة ويجب أن يرتكز على أسس داخلية أيضا.