عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مشروع رئيس التحرير

كثير من المثقفين والكتاب من الماركسيين الذين اندفعوا في السنوات الأخيرة من حكم مبارك إلي الارتماء فى حضن النظام الدافئ، حرّكتهم في الغالب دوافع اليأس والإحساس بالذنب تجاه الماضي العبثى الذي عاشوا فيه، وأراد أكثرهم أن يعوض ما تصور أنه فاته من سنين عمره حتى ولو اضطر إلى ركوب العربة الأخيرة من قطار النظام الذي كان من الواضح أنه اقترب كثيرا من محطته الأخيرة وهو ما لم يدركه مرضى الضمائر والأبصار.

وحين نستعيد اليوم سيرة هؤلاء المتحولين فنحن لا نفعل ذلك من قبيل فضحهم أو الشماتة فيهم ولكن من قبيل كشف ضلالات ماضيهم وتهافت مشروعهم الأيدلوجي وهشاشة توجهاته وإحساسهم الشخصى بالضعف حين اختاروا في البداية طائعين الانسلاخ عن هويتهم الحضارية واعتناق هويات مزيفة وأنساق معوجة لا تنتمى لواقعهم المعاش.
واحد من هؤلاء الذين أتحدث عنهم اشتهر فى السنوات القليلة الأخيرة قبل سقوط نظام مبارك بدجمائيته، ودفاعه المستميت عن هذا النظام ضد خصومه، وتولي رئاسة تحرير مجلة ثقافية مصرية هي الأعرق بين مثيلاتها ومن بعدها رئاسة تحرير مجلة سياسية عامة، وكان معروفا بين الجميع أنه تولي المنصبين مكافأة أو ثمنا مقابل تقديم خدماته الإعلامية لمشروع النظام الأول المتمثل في التوريث والتصدي بصدر عار وصداغة ليس لهما مثيل لكل الهجمات الكلامية علي النظام وكوادره الأساسية.
واشتهر صاحبنا هذا أيضا بالتخصص فى الظهور فضائيا ليقوم بدور الديك المشاكس المنافح عن مشروع الفساد الوطني الموازي لمشروع التوريث أينما نوقش أو طرح فى برامج حوارية أو مداخلة عابرة، هذا الدور نفسه الذي تحول معه إلي "سبوبة" يجني من ورائها فوق المكاسب الوظيفية المقابل المادي الفوري السريع، أو المؤجل من رجالات الحزب المتنفذين والمنتفعين.. وما بين ماضي صاحبنا النضالي فى صفوف الماركسية، هذا الذي كان لا يفتأ يتذكره أو يذكره عمدا دونما سبب واضح بين مرؤوسيه علي سبيل المباهاة وربما المداراة، كان يفعل ذلك     بعد أن يسقط – بالطبع - من هذا النضال ما يتعلق بالخدمات التي كان يقدمها متطوعا لأجهزة الأمن والمتمثلة في أعمال التجسس والوشاية برفقاء النضال.. ما بين هذا الماضي والمآل الذي صار إليه، كانت هناك مساحة من الزمن لا يعرف كثيرون عنها إلا أخبارا عامة تتعلق بانسحاق اليسار العالمي وانهزام مشروعه الأممي أمام الرأسمالية، وما تبع ذلك من سنوات شهدت فى مصر هجرة كثير من غير اليساريين الأصلاء إلي نعيم اليمين الرأسمالي في رحلة صعوده الأخيرة التى استولى فيها على مفاتيح السلطة والمال وأصابه التوحش وابتلع مصر في جوفه.
نعود إلي صاحبنا رئيس التحرير وقد قادني حظي العاثر أن أعمل تحت رئاسته وقد سألته ذات يوم سؤالا استنكاريا حين قلت له مفاجئا: "من اليسار الماركسي إلي اليمين الرأسمالي الذي يعتنقه دهاقنة الحزب الوطني وأقطابه ورجال سياساته ولجنتها.. كيف انتقلت هذه النقلة ؟! .. هل زهقت من ماضيك أم تعبت من المطاردة ؟!" .. وأضفت لسؤالى تلك الجملة الأخيرة علي سبيل التلطيف ومن منطلق إنساني، فأجابني بعد قليل من التفكير بما معناه  إن هي إلا قراءة صحيحة منه للواقع، مضاف إليها أنه كان لابد أن ينضم إلى صفوف السلطة حتى يستطيع أن يغير ما يريد أن يغيره.
التغيير كمشروع إذن كان هدفا يسعي إلي تحقيقه ويمثل جزءا من إرادة صاحبنا وليس فقط الحصول علي المنافع الشخصية.. لكن أي تغيير سعي له هذا الشخص وهو ضحل حتى فيما يعتنقه، ضعيف الحجة إلي درجة أنه لا يستطيع فيها الصمود أمام أي نقاش موضوعي متعمق، يغطي جهلة بدجمائية وسفسطة ويدارى ضحالته ببعض الشعارات التي اكتسبها من منظري وخطباء النضال اليساري، أما حقيقة   التغيير الذي رفعه هذا الشخص شعارا وصيحة حرب ومشروع حياة فلم يخرج عن الدين، ومحاربته وخاصة الإسلام.. ماذا يعرف عن الدين أو الإسلام أو ما وراء الطبيعة أو الوحي أو .. لا شىء إلا أنه عقيدة المتخلفين والسبب الرئيسي والأساسي للتخلف والعائق الأول والأخير لممارسة الحرية المطلقة.
وكان يدعى القوة والعناد والثبات على مواقفه وكنت أراه مسكينا ليس فقط بسبب جهله ولكن أيضا بسبب العدمية التي سقط فيها، إضافة إلى ما كان يبدر منه أحيانا من أفعال تنم عن إنسانية وطيبة لا يمضى فى إتيانها حتى  يثوب إلي ضلاله وغيه كأنها طارئة عليه وليست طبعا أصيلا فيه.. كنت أراه أكثر ما يكون إلي الضعف والدعة وهو يحاول أن يتبرأ من ماضيه أو يتطهر منه، ثم يعود فيعلن عن إدراك لا يخجل منه أنه يخادع من يوظفونه من رجال النظام ويجاريهم بل ويسابقهم حينما تتوجه السهام والحراب إلي الإسلام والمسلمين، كان هذا هو مناط التغيير الذي سعي إليه صاحبنا هو والنظام الذي انخرط في خدمته خلال السنوات الأخيرة وأضيف إلي ذلك الانسلاخ من الهوية الحضارية بمكوناتها الإسلامية والعربية تقربا وزلفى إلى أصحاب المشروع الرأسمالي العالمي.
لم يكن صاحب هذه السيرة هو الوحيد من اليساريين المتحولين – كما أسلفت – الذي تبنوا قضايا وتوجهات الفكر الجديد فى النظام البائد من الاندفاع فى تنفيذ توصيات الرأسمالية المتعلقة بالتكييف الهيكلي للاقتصاد وأبرز خطواته الخصخصة، إلي التطبيع وإحداث ثورة تشريعية تخدم على أجندة التغيير المنشود، وما يحويه ذلك من قضايا تتصادم مع قناعات اليسار المصري الوطنى.. كان هذا قبل أن ينهزم مشروعه ضمن مشاريع أخرى كثيرة انهزمت ونزل أصحابها إلى سوق النخاسة يبيعون الغالى بالرخيص.
----------
مدير تحرير مجلة أكتوبر